هل حان الوقت كي نستوعب الدروس؟
قانون السياسة الأخطر يقول “إذا لم تجد عدواً فاصنعه” وهذا ما ذهَبَت إليه السياسة الأمريكية لاستدامة هيمنتها على العالم وتصدير أزماتها الداخلية وبيع وتجريب أسلحتها عبر ذرائع محاربة الإرهاب منذ انهيار الإتحاد السوفيتي وما تلاه من أحداث 11 سبتمبر 2001 وإلى اليوم ونحن نرى الولايات المتحدة الأمريكية في كل مرحلة تصنع عدواً ومن ثم تعلن الحرب عليه بصورة مباشرة أو عبر أدواتها، ومبررات غزو العراق وأفغانستان والحرب الإرهابية على سورية وتدمير ليبيا واليمن وغيرها الكثير، لقد صنعت أمريكا منا عدواً لها وقاتلتنا ببعضنا ولم نستوعب ذلك طيلة ثلاثين عاماً من الدمار والتناحر.
يمر عام منذ أن صنعت أمريكا لها عدواً قديماً جديداً من خلال أوكرانيا والحرب مع روسيا، ومع مرور ثمان سنوات على الحرب في اليمن - والتي أُعلنت بدايتها من واشنطن بعد أن هيئة لذلك عبر القوى السياسية اليمنية التي غلبت مصالحها على المصلحة الوطنية – لم نحصد سوى القتل والفقر والدمار والبؤس والتمزق والشتات وتدمير شامل للإقتصاد وهدر للمقدرات، وأكثر من 12 عاماً من الحرب الإرهابية الكونية المستمرة على سورية التي دمرت كل شيء، هناك من بدأ يستوعب الدرس ويستفيد من المتغيرات ليفرض نفسه كأحد أهم قوى التوازن في المنطقة ويستدرك الأخطاء التي وقعت فيها سياسته في المراحل السابقة، فبدأ بتوظيف مقدراته الإقتصادية إلى قوة استوعب من خلالها القوى الدولية المتنافسة على قيادة العالم والذهاب إلى سياسة التهدئة مع الجوار ودول الإقليم وهذا الأمر يحتم علينا أن نستفيد منه، فالفرصة أصبحت مواتية والدور الذي تلعبه سلطنة عمان مهم بالنسبة لكل الفرقاء اليمنيين والدول التي تتصارع في اليمن..
والتقارب السعودي الإيراني عامل مهم يسهل المهمة والتوصل إلى حلول عادلة تجمع شمل اليمنيين وأيضا الدور الروسي في إحداث التقارب السوري التركي، فعندما تتقارب هذه القوى حتما سيؤدي هذا التقارب إلى تعطيل الدور الأمريكي البريطاني المنشغلين بالحرب الروسية الأوكرانية لأن هذه الحرب فتحت سوقاً كبيراً لتجارة وتجريب الأسلحة الغربية التي تتسابق في تقديم المساعدات ودعم التسلح لأوكرانيا، فلم يعودوا بحاجة إلى العرب لتصدير أسلحتهم إليها وتجريبها في المرحلة الحالية، فالدب الروسي وثباته أنهك هذه الدول واستنزف مخزونها الاستراتيجي من الأسلحة وإلا لما كانت تخلت بهذه السهولة عن السوق العربية، إذن الفرصة مواتية للجميع ليس لليمنيين وحسب بل لكل العرب ودول الإقليم بما فيهم إيران وتركيا في استيعاب الدرس وتجميع قواهم وتقييم سياساتهم وإعادة تموضعهم في النظام العالمي الجديد الذي أصبح في مراحله الأخيرة لطي صفحة سوداء من تفرد وهيمنة الأحادية القطبية التي عبثت بالأمن والسلم الدوليين واستغلت تفردها أبشع الاستغلال .
ودمرت خلالها العديد من الدول وحولتها إلى دول فاشلة تحكمها مليشيات متناحرة وعزفت على أشلاء الضحايا سيمفونية نصرها مهدية إياه للكيان الصهيوني الذي يمارس أشد أنواع الإرهاب المنظم ضد أبناء الشعب الفلسطيني مستغلاً حالة الشتات العربي الذي خلفته الفوضى الخلاقة والتي كانت صناعة أمريكية بامتياز، وما زال الحبل على الجرار فهناك أقطار عربية مستهدفة ولن يهدأ للصهاينة بال حتى تحقق مبتغاها فالقطر الأردني الشقيق أول القائمة ومصر العروبة التي يستهدف اقتصادها بعد أن حققت مرحلة استقرار سياسي واقتصادي ونهضة في البنى التحتية والصناعية لم يشهدها أي قطر عربي على مر التاريخ الحديث، كل هذه الأحداث كافية لكي نستفيد من الدرس ويتم عمل مراجعة شاملة وتقديم تنازلات لبعضنا والترفع عن الجراح لان هذا هو الخيار الأفضل للخروج من هذا الوضع الصعب ومواكبة المتغيرات الدولية وتوظيفها لصالح وطننا العربي ومنطقتنا التي خاضت صراعات كثيرة وآن الأوان لأن تستعيد مجدها وأمنها واستقرارها.
أ . نايف القانص - دبلوماسي وسياسي يمني