الموت في سجون الحوثي..!

 لا تنتهي حكايات السجون والمعتقلات التابعة لسلطة الحوثي في صنعاء، تلك الدهاليز المظلمة ذات الأبواب المفتوحة للجميع، والتي تعج بأعداد كبيرة من مساجين ومعتقلي الرأي الذين لا يسلمون من تلفيق التهم ومن أفظع ممارسات التعذيب، ودون منحهم الحق القانوني في الدفاع عن أنفسهم أو إقامة المحاكمات علناً على الملأ.

 ففي مناطق الجماعة القابضة على السلطة بالحديد والنار، لا يتردد "الحوثيين" في اعتقال كل من يخالفهم الرأي أو يبدي اعتراضاً من أي نوع، سواء في منصات التواصل الاجتماعي أو في المؤسسات والمرافق الحكومية التي يعمل موظفوها دون مرتبات منذ قرابة ثماني سنوات.

 وتستهدف مليشيات الحوثي عبر جهاز الأمن والمخابرات التابع لها، وكذا عبر السلطة القضائية التي يرأسها القيادي محمد علي الحوثي، كلَّ من تثار حولهم الشكوك سواء من منسوبي الجماعة والمحسوبين عليها، أو من خارجها من ناشطين وصحافيين وموظفين وعمال وأبناء قبائل وغيرهم من المواطنين القابعين في السجون.

 وبعيداً عن متطلبات الدستور والقانون، تأتي ممارسات التعذيب الجسدي واللفظي في مقدمة السياسات التي تنتهجها المليشيات بحق المعتقلين، وبمختلف الطرق والوسائل التي تنتهي إما بزيادة سوء الحالة الصحية للمعتقل وتعريض حياته للخطر، أو بقتله تحت التعذيب، في حين تبقي الجماعة حالات موت المعتقلين في السجون طي التعتيم عن التفاصيل والأسباب الفعلية التي تودي بالمواطنين إلى حتفهم، فيما ثبتت في عدد من الحالات، بعد وفاتها، وجود آثار التعذيب على جثامينهم.

 الحكاية الأخيرة: مصرع "الحكيمي"

 لقي التربوي صبري الحكيمي مصرعه في سجن الأمن والمخابرات التابع للمليشيات الحوثية، بعد أكثر من نصف عام على احتجازه.

 الحكيمي، والذي عمل سابقاً مديراً لإدارة التدريب بوزارة التربية والتعليم في صنعاء، توفي في ظروف غامضة بعد أن تدهورت حالته الصحية في سجن الأمن والمخابرات، وجرى إيداعه في هذا المعتقل دون توجيه تهمة وفق القانون.

مصادر قالت أن مخابرات الحوثي أبلغت أسرة التربوي الحكيمي بأنه توفي إثر إصابته بجلطة، إلا أن المخابرات لم تسمح للأسرة باستلام جثمانه حتى الآن، بحسب مصدر على اطلاع بآخر مستجدات قضية الحكيمي.

وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن مخابرات الحوثيين تماطل في تسليم جثمان الحكيمي بدعوى إجراء تحقيقات، وإن آثار ضرب ظهرت على جثمانه مما يشير إلى تعرضه لتعذيب، مؤكداً أن الراحل كان ممنوعاً من الزيارة ولم تتمكن أسرته من زيارته إلا مرة واحدة تقريباً بعد أشهر من حبسه، كما أنه كان محروماً من الرعاية الطبية.

 وأضاف المصدر مؤكداً لـ"النقار" أنه لم يتم توجيه تهمة للحكيمي، وأنه بعد اعتقاله تم الاستحواذ على ممتلكاته بما فيها سيارته الخاصة، وأن أسرته تعيش وضعاً صعباً كأي أسرة يرعاها موظف حكومي، واصفاً إياها بأنها "أسرة بعد حالها وليس لديها ظهر ولا علاقة بأي نافذين يمكن أن يقفوا إلى جانبها في محنتها".

 النائب بمجلس النواب بصنعاء، أحمد سيف حاشد، علق على وفاة التربوي الحكيمي بقوله إن ما يحدث في جهاز الأمن والمخابرات التابع لسلطة الحوثي مريع وفظيع، داعياً إلى ضرورة إخضاع السجون والمعتقلات للجهات الرقابية على تنفيذ القوانين، وعلى رأسها لجنة الحقوق والحريات في مجلس النواب والتي لم يُسمح لها بالنزول وزيارة معتقلات وسجون الأمن السياسي سوى مرة واحدة خلال تسع سنوات.

 وفي تصريحات سابقة، أكد النائب حاشد الذي يشغل منذ عامين موقع مقرّر لجنة الحريات وحقوق الإنسان في مجلس النواب، أنه يتم رفض نزول اللجنة ميدانياً إلى السجون ومراكز التوقيف والاحتجاز، وأن النزول الميداني لهذه اللجنة البرلمانية يحتاج إذناً من جهاز الأمن والمخابرات الذي ينتهك ويستبيح كل يوم الدستور والقانون والحقوق، على حد قوله.

 ووصف حاشد أخذ اللجنة إذناً من الأمن والمخابرات بأنه "كارثي بكل المقاييس"، مشيراً إلى أن جماعة الحوثي شلت الدور الرقابي لمجلس النواب بصنعاء واستلبت اختصاصاته وأهم سلطاته الرقابية الدستورية، ما أدّى إلى تحويل رقابة البرلمان إلى حالة صورية كاذبة وخادعة، فضلاً عن تعرُّض أعضائه لكثير من الابتزاز واغتصاب ومصادرة حقوقهم الرقابية والمادية، من أجل تمرير ما لا يُمرَّر.

 معتقلون قتلى تحت التعذيب

 أكثر من 1700 حالة تعذيب تعرض لها معتقلون داخل سجون جماعة الحوثيين خلال السنوات الماضية، وأكثر من 420 شخصاً على وجه التقريب قُتلوا جراء التعذيب الذي تعرضوا له أثناء فترة اعتقالهم.

 هذه البيانات نشرتها الشبكة اليمنية للحقوق والحريات في نوفمبر 2023، وتحيل الشبكة، وفق ما هو موثق، إلى وفاة جندي من أبناء محافظة عمران يدعى محمد أحمد وهبان، ويبلغ من العمر 21 عاماً فقط، وقد عُثر عليه مشنوقاً داخل زنزانة في السجن الحربي بصنعاء بعد ثلاث سنوات من احتجازه. وتلك الجريمة، على سبيل المثال لا الحصر، جاءت بعد عام على إصدار ما تُعرف بـ"المحكمة العسكرية الابتدائية" التابعة لجماعة الحوثيين، حكماً في 15 أغسطس 2022، بإعدام الجندي وهبان تعزيراً رمياً بالرصاص.

 سبقه، في أكتوبر الماضي، هشام الحكيمي الموظف في منظمة رعاية الأطفال، الذي توفي في سجنه بعد اعتقاله من قبل جهاز الأمن والمخابرات في سبتمبر السابق، وجرى تغييبه لأكثر من 50 يوماً حتى أبلغت السلطات بصنعاء أسرته بأنه توفي وأن يستلموا جثته، وهو ما أرجعه ناشطون حقوقيون إلى تعرضه للتعذيب.

وبالنظر إلى حالات الاعتقال والإخفاء على خلفية "التعبير عن الرأي"، فلا يزال مئات خلف القضبان يعانون من حالات صحية حرجة ودون توجيه تهم أو منحهم حق الدفاع عن أنفسهم، ليس آخرهم رئيس نادي المعلمين اليمنيين الشيخ "أبو زيد الكميم" والقاضي "عبدالوهاب قطران". 

حول ذلك يرى المحامي والاستشاري القانوني بشير عبدالله أن تصرفات جماعة الحوثيين تجاه المواطنين واعتقالهم لمجرد إبداء الرأي الناقد أو التصحيحي أو المطلبي، هي تصرفات الخائف الذي يريد احتواء انفجار يعلم جيداً إمكانية حدوثه في أي وقت، بدليل استخدام القوة المفرطة إزاء التعبير عن كلمة فقط، بحسب تصريحه.

ويضيف القانوني : "تمارس الجماعة حالياً أفظع مما مارسه النظام السابق عندما تم قمع الحقوقيين والمعارضين من إبداء آرائهم خلال حروب صعدة ووصل القمع إلى ذروته بدءاً من العام 2005، والآن تخرج الجماعة عن القانون بشكل أكبر من كل مرحلة سياسية سابقة، وتنكل بخصومها وتمنع المواطنين حتى من الحديث عن مرتباتهم، لإدراكها خطورة أي انفجار شعبي محتمل في وجهها".

وتستخدم الجماعة المحكمة الجزائية المتخصصة كـ"مرتع لإدانة العشرات" بحسب تعبير بشير عبدالله، وذلك بتهم تتضمن الإرهاب أو التخابر أو التواطؤ مع جهات معادية لليمن، أو العمل على المساس بأمن نظام الجماعة.

ويتابع: "في حال ثبوت التهم فإن الإجراء القانوني اللازم هو جعل المحاكمة متاحة وعلى مراحل قضائية معروفة ومعلنة والمنح الكامل لحق المحاماة والدفاع، لكن من المعيب أن يتم تلفيق التهم للعشرات ومنهم المحتجزون بدواعي سياسية بحتة بمن فيهم أكاديميون ومثقفون ومشايخ، وأيضاً المحتجزون لتعبيرهم عن آراء شخصية كفلها الدستور ولا تحمل شكلاً من أشكال العنف أو خرق الأعراف كما ينص القانون".

 كيف يُعذَّب المعتقلون؟

 حول ممارسات التعذيب الحاصلة في سجون ومعتقلات الجماعة، يؤكد بشير عبدالله أنه يتم اللجوء إلى الضرب والإهانة والحط من الكرامة والجلد والصعق الكهربائي، علاوة على أصناف من التعذيب البدني والنفسي الذي يتعرضون له في الزنازين الانفرادية.

ويلفت الاستشاري القانوني إلى أن ممارسات التعذيب بحق المعتقلين تتم سواء خلال جلسات تحقيق، أو خارج أي تحقيق على سبيل الترهيب وإلحاق الأذى بالمسجون وتدميره، فضلاً عن الظروف الإنسانية والغذائية والصحية غير الآدمية.

 ويقول إنه عمل سابقاً ضمن فرق قانونية على تفنيد حالات صادمة نجت من التعذيب، وتم رفعها إلى منظمات حقوقية دولية للضغط على سلطات الجماعة من أجل الحد من أي ممارسات تعذيب، لكن الجماعة، بحسب قول المحامي بشير، لا تأبه لأي ضغوط دولية تخص المعتقلين لديها، وهو ما يزيد من الاستحقاقات المحلية والدولية ضدها.

 وخلال السنوات الماضية سبق وتحدثت تقارير دولية، بما فيها معلومات منشورة لدى وكالات مثل أسوشيتد برس، عن أن كثيراً من معتقلي الرأي في سجون الجماعة يعانون من تعذيب شديد نفسياً، أو بدنياً بالضرب على رؤوسهم بالهراوات أو تجريدهم من ملابسهم وجلدهم، أو إحراق الشعر، أو تعليقهم من أرجلهم أو رسغهم أو أعضائهم التناسلية لأسابيع، أو حرقهم جزئياً بسائل أو مركب حمضي.

 ولعل كل ذلك يحيل إلى عقد مقاربة مع صنوف التعذيب التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بحق المعتقلين الفلسطينيين في سجونه، كونه الكيان الأكثر خروجاً عن المنظومة القانونية الدولية في العالم، والأكثر خصومة مع الشعوب العربية والإسلامية.

 فإسرائيل تلجأ إلى تعذيب أسراها ومعتقليها بذات الطرق المذكورة أعلاه، وتمارس أساليب بشعة أقربها التجريد من الملابس والحط من الكرامة والضرب المبرح والصفع والجلد والتعليق على الأسقف، وإحداث العاهات المستديمة والإصابات النفسية المزمنة، والتعذيب في المنفردة، والحرمان من الطعام إلا بقدر ما يبقي المعتقل حياً، والحرمان من النوم، وكذا الحرق بالسوائل أو بأعقاب السجائر، والتعذيب بالصعق الكهربائي.

 وبات الصمت عن إبداء الرأي والكلمة ملاذ كثيرين ممن يعيشون بمناطق سيطرة "الحوثيين"، خشية أن ينتهي بهم الأمر إلى هذه السجون التي لا تفرق بين ذكر وأنثى، وبين صغير وشاب وكبير، وبين صحيح ومريض، وهو ما يجعلنا نتوقف عند الخطاب الذي تتبناه الجماعة بشأن إقامة دولة لليمنيين تحفظ كرامتهم وسيادتهم، وتلغي الاختلالات التي أحدثتها الحكومات السابقة، فعن أي كرامة وسيادة تتحدث الجماعة؟

 وما الحكومات السابقة التي سبقت الجماعة في ما تفعله بالمواطنين الآن؟

 وتبقى الحقيقة واضحة ومعروفة لدى كل يمني.....

* النقار