موسم العيد.. ركود يعكس صورة الأزمة المعيشية الراهنة

 تتعقد أوضاع المواطنين وبالتالي الأسواق والميادين التجارية عموماً، بتعقُّد الأوضاع المعيشية التي تزداد صعوبة دون توافر مداخيل ثابتة أو كافية تعين الأسر اليمنية على مجاراة الأسعار المتزايدة بمرور آخر أيام شهر رمضان المبارك.

هذه السنة الكبيسة وللمرة الأولى على الإطلاق، لم يعد الموسم الرمضاني حياً كالمعتاد في صنعاء، وبات يعاني من ركود ملموس يعكس صورة جلية للأزمة المعيشية الراهنة.

فالأسواق التجارية تشهد إقبالاً منخفضاً للغاية من قبل الأسر والزبائن، بخلاف ما هو شائع في الشهر الكريم، خاصة في الأيام العشر الأخيرة والتي تعج فيها عادةً أسواق تجزئة الملابس والمكسرات بأسراب بشرية بغرض الشراء استعداداً لعيد الفطر.

عرض كبير بلا طلب

تتجسد الأزمة في زيادة المعروض من المنتجات مع ضعف القدرة الشرائية، ما يؤدي إلى ارتفاع العرض مع انخفاض الطلب وبالتالي التأثير على المبيعات وعلى الحالة العامة للسوق التجارية وما يترتب على ذلك من خسائر مالية وتسريح للعمال. 

من أحد متاجر شارع القصر للملابس بمنطقة التحرير في صنعاء، يقول العامل محمد عبدالرقيب: "هذه السنة العرض في السوق كبير جداً والمخزونات ممتلئة من الملابس ولم نلجأ إليها منذ الأيام الأولى لشهر رمضان، لكن الطلب قليل جداً بالمقارنة مع العرض".

ويضيف عبدالرقيب: "إقبال الزبائن على السوق أصبح ضعيفاً جداً، الدنيا بَوْرَة عندنا وهي خواتم وموسم حريقة، وهذا الوضع لم نشهد مثله في الفترات السابقة، والناس مش قادرين يشتروا".

 مشيراً إلى أن "المبيعات الآن لم تعد كالسابق، وحتى في السنوات السابقة عندما كانت ظروف الحرب أشد وطأة لم تكن الحال كما هي عليه الآن، وكان البيع والشراء طبيعياً". 

وحول ارتفاع الأسعار وما إذا كان حل الأزمة هو خفضها، يوضح عبدالرقيب: "الظروف صعبة عليَّ وعليك، ونحن نقوم بتخفيضات، ولكن ليس بالشكل الذي يؤدي إلى الخسارة، فإذا كان التاجر سيبيع بخسارة فسيبدو وكأنه يتخلص من البضاعة وبلا فائدة وهذا خراب بيت".

ويتابع: "نحاول أن تكون الأسعار معقولة مراعاة للظروف، ونحن في النهاية سوق يمتاز بعدم التسعير الثابت، أي إننا نقلل الأسعار ببضعة آلاف عند التفاوض، لكن الأسعار مهما كانت فهي بالنسبة للزبائن تبقى أسعاراً مرتفعة، لكن ذلك يعود إلى تكاليف كثيرة مثل تكاليف الشراء والتشغيل والنقل والضرائب والرسوم المالية التي ندفعها والتزامات أخرى".

وعلى امتداد بصرك خارج المحلات التجارية، ترى المواطنين يبسطون بسطاتهم على الأرصفة لبيع مختلف اللوازم العيدية من ملابس وأحذية وعطورات.

 التقت "النقار" عدداً منهم، وأكدوا قلة إقبال الزبائن عليهم هذا العام رغم بيعهم السلع بأسعار مخفضة عن المحلات، مشيرين إلى دفعهم أموالاً مقابل فرش البسطات في الشارع وضماناً لعدم تعرض البلديات لهم خلال الموسم الرمضاني.

وبالذهاب إلى شارع جمال، أحد أشهر الأسواق ازدحاماً في صنعاء، لا تزال النساء يقبلن على هذا السوق ليلاً في أواخر رمضان، ليبدو السوق الأكثر انتعاشاً في العاصمة خلال جولة.

 أحد الباعة أشار إلى أن هذا السوق ما زال حياً كونه يلبي متطلبات كثيرة للنساء، لكنه أكد على أن هناك ظاهرة منتشرة بين كثير من النساء هي "التفرج" دون شراء، لعدم القدرة على مواكبة الأسعار وصعوبة الظروف المادية، وهو ما ينطبق أيضاً على الشباب والرجال الأكبر سناً.

وفي ظل هذا الركود تتفاقم الدعاوى القضائية لدى المحكمة التجارية، ويعود ذلك إلى أزمات تحدث بين التجار الموردين للبضائع وبين أصحاب المحال التجارية التي تتعامل بـ"الآجل"، إذ يؤدي الركود إلى عدم قدرة صاحب المحل على تغطية المبالغ المطلوبة من قبل المورّد، بسبب عدم نشاط حركة البيع والشراء وارتفاع المديونيات والالتزامات ونفقات التشغيل، ما يدفع المورّدين إلى رفع النزاعات إلى المحكمة التجارية.

ومن ناحية عامة، هناك اعتماد جزئي على استيراد الملابس من الخارج يجعل من شرائها أمراً مستبعداً بالنسبة إلى كثير من الأسر التي لا تقوى على الأسعار بعد قطع مرتبات الموظفين وانهيار قيمة العملة المحلية.

ومن جانب آخر تُباع الملابس المعمولة محلياً بمعامل في مختلف المحافظات، إلا أنها هي الأخرى تباع بأسعار تفوق قدرات الأسر، فضلاً عن إنزال عدد منها في السوق بعلامات تجارية خارجية توحي بأنها مستوردة، مثل "الشيلان" التي تُباع أنواع منها لدى البعض بلواصق مزيفة تشير إلى كونها مستوردة، كما أكده عاملون في السوق لـ"النقار".

رغم ذلك لجأ تجار منذ العام الماضي إلى إغلاق معاملهم وتسريح العاملين لديهم والذين يعملون موسمياً بأجرة يومية، بعد تكبد التجار خسائر مالية نظراً لحالة الركود المتواصلة التي تشهدها السوق مع تضخم العرض وتدهور الطلب وقوة الشراء، فضلاً عن تحمل الأعباء المالية المفروضة من السلطات في صنعاء.

 الشراء في مكان آخر 

بالتوازي مع الركود الذي تشهده الأسواق، يتعامل قطاع كبير من الأسر اليمنية من خلال التجارة الإلكترونية واستيراد البضائع والملابس من الخارج عبر وكلاء محليين بأسعار أرخص من المتوافرة في السوق، وبجودة يراها بعض المستهلكين أعلى من تلك المعروضة في السوق. 

تلك حاجة يلبيها عصر السرعة والإنترنت، كما تقول الشابة خلود المضواحي، التي تدير مشروعاً صغيراً لاستيراد البضائع من الخارج عبر تطبيقات أشهرها بالنسبة للمستهلكين في الوقت الراهن "SHEIN".

تعتقد المضواحي، أن حالة الركود التي يشهدها السوق تسلط الضوء على أهمية التسويق الإلكتروني للتاجر من جهة، ومن جهة أخرى ضرورة حل مشكلة الأسعار المرتفعة التي يعاني منها المستهلكون في الأسواق واتخاذ إجراءات من قبل السلطة تخفف على المواطنين والتجار، وكذا وضع حد لمشكلة "الطمع" التي تدفع بعض التجار إلى رفع الأسعار للتكسب بربح أكبر، على حد تعبيرها.

وتضيف: "لكن هذا الأسلوب لم يعد مجدياً مع الظروف المعيشية الصعبة، فطمع بعض التجار ينتهي بهم إلى قلة البيع كما نرى الآن، في الوقت الذي يلجأ فيه الناس إلى طلب البضائع من الخارج بأسعار أرخص توفر على المستهلك المال والوقت وهو جالس في بيته".

 ماذا بعد؟

أوضاع خانقة وواقع مأساوي تغيب سلطة الأمر الواقع عنه وتحضر فقط لاستلاب الأموال وتعبئة خزائن قادة الجماعة والمشرفين، بينما يغرق كثير من اليمنيين في مستنقع الفقر المدقع ليعيشوا موتاً في الحياة، ويحرمون من استقبال العيد الذي يمثل مناسبة سنوية مفرحة للأطفال على وجه الخصوص.

يكفي أن تنظر إلى محلات خالية من الزبائن، أو على مواطن يتفرج البضائع وحسب غير قادر على الشراء؛ لتفهم ما هو أسلوب الحياة المهين الذي اختارته للناس "جماعة الحوثي".

** النقار