السعودية بداءت العمل للحد من التوترات الإقليمية

الحرب في اليمن أدت إلى انقسام عميق بين اليمنيين على جميع المستويات، مما جعل كيان الدولة اليمنية الموحدة، كأنها غير موجودة في الوقت الحالي، فالحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، لايوجد لها مكان أقامة وأحد، وتعتمد على طبيعة الأوضاع الأمنية، التي تحدد أماكن تواجدها، فالرئيس ومعظم أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، مقيمين في المملكة العربية السعودية، بينما يسيطر الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء، وتقع العاصمة المؤقتة للشرعية عدن، في أيدي المجلس الانتقالي الجنوبي، وفي وأقع الأمر اليوم، وعلى الـأرض توقف القتال بين الحوثيين والقوات العسكرية والقبلية الموالية للشرعية، بالاضافة الى مايسمي بقوات المقاومة الوطنية على الساحل الغربي، وانخفض الصراع العسكري والسياسي إلى أدنى مستوياته، منذ محادثات السلام بين الحوثيين والسعوديين، ويعود هذا التوقف في العمليات العسكرية إلى المشاركة غير المسبوقة، للجهات الفاعلة الدولية في دعم عملية السلام، والتي شهدت تجدد مشاركة الحوثيين في المفاوضات التي تتم حالياً في سلطنة عمان 

ووفقاً لمصدر عُماني رفيع فإن المفاوضات تكللت بالتوصل إلى توافق بشأن عدد من القضايا الخلافية التي كانت تقف عائقًاً أمام التوصل إلى اتفاق لوقف شامل لإطلاق النار في اليمن، وبدء تسوية سياسية شاملة .

ويبدو ان الملف الإنساني وفقاً للمصدر كان له الأولوية وخصوصًا مايتعلق بدفع رواتب الموظفين الحكوميين وتشكيل لجان بإشراف الأمم المتحدة لصرفها، وفتح مطار صنعاء الدولي وزيادة الرحلات الجوية عبره، ورفع القيود عن ميناء الحديدة والتوافق على فتح الطرقات المغلقة في عددٍ من المحافظات. 

وسبق أن أعلن الحوثيون توصلهم إلى اتفاق مع الرياض بشأن وقف دائم للحرب، مشيرين إلى أن الأمر متوقف على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، من دفع لرواتب الموظفين، وفتح مطار صنعاء، وموانئ اليمن أمام حركة السفر، ولايزال هناك ثمة قضايا لا تزال خلافية بالذات في ما يتعلق بالآلية الخاصة بتنفيذ الاتفاق. 

خلال العامين الماضيين يبدو واضحاً أن المملكة العربية السعودية بدأت في العمل من أجل الحد من التوترات الإقليمية، واستعادة التحالفات، وهو تحوّل يتضح بشكل كبير داخل دول مجلس التعاون الخليجية، واتفاق العلا ، والتقارب مع باكستان وتركيا،  والمحادثات مع إيران، زاد هذا التقارب عقب الحرب الروسية على أوكرانيا (فبراير/شباط2022) ومخاوف من أن تتحول المنطقة إلى انقسامات بين القوى العظمى، والذي يؤثر بشكل كبير على الأمن القومي للمملكة، خاصة على البحر الأحمر والمحيط الهندي، المجال الحيوي الأكثر تأثيراً على خطوط نقل الطاقة والتجارة مع العالم. 

وبالنسبة لمحادثات  السعودية مع الحوثيين، فقد يحل بالفعل جزء من ملفاتهم ومطالبهم، لكن المشكلة ستظل في أختلاف موقف الحوثيين مع السعوديين، حول ضرورة ان يكون الحوار مع السعودية أولاَ، وان الحوار مع الاطراف اليمنية حسب اشتراطهم، سيأتي بعد أن توقف السعودية أي دعم لحلفائها اليمنيين العسكري والسياسي والاقتصادي، وهذا يضع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في مأزق، بشأن المحادثات المتعددة، حيث يبدو أن الحوثيين يرون في المحادثات مع السعوديين، فرصة لتعزيز فكرتهم عن السلام والاتفاق مع السعوديين، يضعف جميع الأطراف اليمنية الأخرى، وهذا مانخشاه الأمم المتحدة والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والأطراف الموالية لها، لأنة في  ظل هذه المحادثات يقع العبء على الأحزاب السياسية والأطراف الأخرى، في  وضع خطة تضمن أن أي ترتيب لإدارة الدولة بشقيها السياسي والعسكري، أو الدخول في مشاورات جديدة مع الحوثيين، والمشاركة في العملية السياسية، وفق التنافس الذي كفله الدستور والقانون. 

* سفير بوزارة الخارجية