كذبة ادعاء الملك عبهله النبوة

اِدِعَاءٌ عبهله النَبَوة، كِذبةٌ اُخترِعت قبل ١٤٠٠ عام، لِتبرير جريمة إغتياله، وتحولت الى اطول إشاعة تاريخية تتداول كحقيقة مسلم بها وكذبة ليس لها معادل الى اليوم، وهذه الكذبة الطويلة تستمر في التغطية على ما حدث، وعن الهدف القريشي- الفارسي، لإغتيال الملك عبهله، وأسباب إرتكاب تلك الجريمة التاريخية في حق أمتنا اليمنية، ويبدو انهم لم يجدوا سبباً او تهمة أخرى مقنعة لتصديرها في كتب التاريخ غير هذه التهمة البليدة.

اما الحقيقة فالملك " عبهله " ذاته يلخصها برسالته الشهيرة قبل عدة قرون: " أيها المتوردون علينا، أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، وأمسكوا ماجمعتم فنحن أولى به  وأنتم على ما أنتم عليه".

والملك "عبهله" بالذات كان ملكاً منتصراً وغني عن الحاجة الى ادعاء نبوة، فهو قد كان حصل على المكانة الرفيعة لأسلافه الملوك الحميريين، وبسيفه اليماني الشهير، والملك والنبوة لا يجتمعان او لم يجتمعا [(تصف التوراة الشخصية التوراتية سليمان بالملك وليس النبي، والقرآن يصفه بالنبي. والنبي محمد لم يكن ملكاً قط، ولا ادعى الملك، فالنبوة شيء والملك شيء آخر، ولا يمكن جمعهما لاسباب كثيرة) ( النبوة تعني الرجل الذي ينبىء عن الله)] 

وعلينا ان ندرك ان كذبة كهذه ليست كافية لتحطيم حضارة مثل الحضارة اليمنية بكل جوانبها المشرقة.

وجدير بالملاحظة انه خلال المئة العام التي سبقت الإسلام ساد ادعاء النبوات في منطقة قبائل عدنان* ، وكذا قبل عقود طويلة في فترة معينة من تاريخ  بني اسرائيل ( شعب عانا من الشتات فكان دائما يظهر النبي المخلص والمبشر). 

ولم يقتصر ادعاء النبوات في اطار القبائل العدنانية قبل الاسلام بل امتد الى ما بعد النبي محمد او ظهور الاسلام.

أما الحميريون والسبئيون فلا يرد ذكر عن ادعائهم النبوات طوال تاريخهم، ويبدو ان ذلك عائد الى ظروفهم الاقتصادية الاجتماعية المستقرة، وكذا انهم- اي اليمنيون- عرفوا الديانات السماوية قبل العدنانيين، وقد ألفوها وخبروها، وبالتالي لم يكن تدعُهم حاجة او مبرر جديد لإدعاء نبوات او رسالات جديدة ، وخصوصاً بعد يهوديتهم، وقد كان الحمريون يهود - كما نعرف - وعرفوا الكتب المقدسة والمعابد والصلوات والرب في السماء، ورحمان ورحيم ما هي إلا آلهات يمنية.

وعلى العكس من ذلك ففي "قبائل عدنان " كان الامر مختلفاً جذرياً، مجتمع متنازع وقبائله لا تعرف الاستقرار وتغزو بعضها، فقر وانعدام موارد وصحاري، اوضاع معيشية صعبة، وعدم استقرار، بمعنى ظروف اجتماعية واقتصادية مختلفة وعكس اليمن تماماً.

من اهم الذين ادعوا النبوات قبل الاسلام او كانوا انصاف الانبياء "خالد بن سنان، قال عنه النبي محمد: " نبي ضيعه قومه". وللرجل معجزاته، ومن بينها حادثة اشتعال نار في منطقة قرب مكة، وكان الناس على وشك عبادتها، فدخل في وسطها وهو يصيح بداً بدا.. وكان يضربها بعصاه وهو في وسطها حتى انطفأت ( ابن كثير البداية والنهاية).

وكذا "زيد بن عمر بن نفيل"، وهو ابن عم عمر ابن الخطاب، وقد اضطهدته قريش وعلى رأسهم عمه الخطاب، وزيد هو اول من امر بذكر اسم الله على الشاة قبل ذبحها، وكان رؤوفاً بالحيوانات، كما تروى السيرة الحلبية. ومروراً "بقس بن ساعده" وهو رجل شهير إشتهر باقواله وخطبه السردية، كان اسقفاً في نجران ( كانت المسيحية حاضرة في نجران) وله خطبة شهيرة يقول فيها "الله واحد احد لم يلد ولم يولد". وأخيراً "أمية ابن الصلت" وهو صاحب العبارة الافتتاحية "بإسمك اللهم"، وأول من حرم الخمر، وعندما ظهرالاسلام كان ما يزال حياً،  ولكنه رفض الاسلام واتباع النبي محمد، وهذا - لاحقاً- كان موقف قبيلته ثقيف.

وموقف ثقيف كان ايضاً موقف معظم القبائل العدنانية، فهي تقريباً بعد موت النبي -كما قبل بعثته - رفض الاسلام، وظهر فيها من يدعون النبوة، ويعزوا بعض المؤخرين السبب الى التنافس بين فروع وافخاذ القبيلة العدنانية. فالعدنانيون ينقسمون الى "مضر" والتي منها النبي محمد، "وربيعة" التي منها مسيلمة وآخرون، وقد التفت ربيعة خلف مسيلمة، ومن افخاذ مضر ايضا ظهرت سجاح وكذا على نحو اصغر طليحة.

وكل هؤلاء من ادعوا النبوات في قومهم وقبائلهم، ولأسباب اجتماعية وسياسية، ومنافسة بين القبائل العدنانية ذاتها.

وقد خاضت القبائل العدنانية صراعاً دموياً شرساً فيما بينها على مسألة النبوة.

وبعد ذلك حشروا اسم "عبهله الحميري" بينهم.

وعموماً اليمنيين لم يخوضوا - فيما بينهم او مع غيرهم- منافسة نبوة  مثل العدنانيين، والتهمة التي يُرمىَ بها عبهله بن كعب، لا يوجد دليل  عليها، او بمعنى أدق لا يوجد ما يدل على ادعاء الملك اليمني عبهله النبوة، وغالباً يزج بإسمه ضمن اسماء من ادعوا النبوة لتبرير إغتيال ملك يمني بأيادي اجنبية ومؤامرة اقليمية.

وحقيقة لا شك فيها،  فقد ابدى الملك عبهله تصلباً شديد في يمنيته، رفض تبعية اليمن لفارس او قريش، وقاتل عنها وانتصر، وبعد ذلك دارت حوله المؤامرات وإغتالته، ومنذ بدوا بتدوين القصة  القريشية اصبحت النغمة المهيمنة ان عبهله اسوداً ادعى النبوة، رغم زيف هذه التهم.

وليس اقل صحة، ان ثقافة اليمنيين مختلفة عن العدنانيين في مسألة النبوات تحديداً، كانت اديانهم وطرقهم الدينية مختلفة  طوال تاريخهم، وعلى سبيل المثال رفض "يهود يثرب " الاعتراف بنبوة النبي محمد، واية مساومات حول ديانتهم، وفضلوا البقاء على يهوديتهم، وقد سبق ان فضلوا العيش بيهوديتهم والمحافظة عليها بعد غزو الاحباش لليمن وتصدوا لفرض الديانة المسيحية عليهم، وعندما اجبرتهم الظروف هاجروا بدينهم اليهودي الى يثرب الى جوار بقية اليمنيين الذين سبقوهم عقب إنهيار سد مأرب، فيهود خيبر ما هم الا يمنيون حميرون نزحوا بدينهم اليهودي الى يثرب بسبب الاضطهاد الديني المسيحي- الحبشي، ونعرف بقية القصة والمذابح التي  اجتثتهم وألغت وجودهم الديني والانساني في يثرب والى الابد.

------

*على  المستوى الإركيولوجي* لم يرد ذكر في الاكتشافات الاركيولجية لإسم "عدنان"، كذلك في الاشعار التي سبقت الاسلام، ولا تذكره التورات. والفرضية التي بنيت عليها فكرة العدنانية ذاتها تعتمد على النساب او الاخباريون وهم الذين رووا اخبار وانساب القبائل العدنانية، ويقال انهم كانوا يحفظون انساب القبائل عن ظهر قلب، لكن علميا او اركيولجياً لا يوجد اي ذكر لشخص اسمه عدنان، وبالتالي شخص تناثرت منه هذه القبائل، كما ان التوراة لا تورد اي ذكر لبنونيته الى اسماعيل، او ان هناك شخص تحت هذا الاسم.

بعد الاسلام تقول الروايات ان "عقيل بن ابي طالب" وضع خارطة لانساب القبائل واصولها.

وجوهر المشكلة تبدو اوضح وادق في المسألة القحطانية، لان اليمن حميرية وقبلها سبئية ولم تذكر النقوش القديمة ما يسميه النساب والاخباريون "قحطان اخو عدنان".

*الاركيولوجيا: علم الآثار.