رؤية نقدية للمشهد السياسي اليمني

لعل اليمن هو الشعب الوحيد الذي ما زال متمسكا بإرثه التاريخي وعاداته القبلية بكل ما فيها من سلبيات كثيره جداً وايجابيات ربما نتفق أو نختلف حولها  الا أن هذا الموروث قد ساهم بشكل اساسي في التخلف والجهل ورغم الخصوصيه التي يتمتع بها اليمن في هذا الجانب الانساني الا ان   .. المعضله الاشد هنا  تتمثل  في اسقاط مجموعه من المفاهيم (العنصرية والمناطقية) .مهما حاولنا انكار ذلك علي  دفة الصراع من اجل  الحكم في اليمن .وعلى الرغم من وجود حراك سياسي نشط في الوطن  الا أنه كان بمثابة ادوات لهذا الصراع  ومايزال  لا سيما بعد زوال القوي اليسارية في جنوب الوطن .

لربما يقول قائل ان هذا الكلام مبالغ فيه أان هناك اطراف سياسيه علي سبيل المثال  اسلامية موجودة اليوم و بقوة علي الساحة وهي تستطيع أن تصل وتفرض نفسها وتملي شروطها في العملية السياسية  كما ان مقولة ان شمال الشمال هو المسيطر علي مجريات الامور  هو أمر غير دقيق وليس بالصوره  التي تم ابرازها، لكننا  وبنظرة متانيه لما يجري اليوم نجد أن الامور في نهايه المطاف تخضع لما يتفق ويوافق اهواء هؤلاء الاقوياء والذين يمارسون ضغطاً نفسياً ومعنوياً علي مختلف مكونات المجتمع وعلي السلطة السياسية ايضا من أول الهرم الي أصغر موظف في الدولة.

حتي ان  الحروب السته التي أندلعت في صعدة ما هي الا  ثورة احد طرفي معادلة الصراع في اليمن ليعلن انه ما زال موجوداً وحاضراً ولن يستمر في الخنوع والاستسلام لمشايخ  حاشد ونظامهم كما يفعل معظم اليمنيين ومن باب الإنصاف القول هنا أن  هناك الكثير من المفكرين ومن مختلف التوحهات السياسية من اعلنو رفضهم لهذه الهيمنة وواجهوها ، الا أن هؤلاء لم يستطيعو في نهاية المطاف تغيير هذا الواقع  فبعض المفكرين ذهب للانغلاق  على نفسه وبدا التنظير والكتابة والبعض أستسلم لتياره السياسي وركب فيه وهناك من لا يزال يحاول أن يقاوم وان يطلق صوته هنا أو هناك ويكافح الموج ويصبح خارج السرب  يساعد في ذلك قله الوعي لدي المجتمع وعدم تاهيله علمياً و سياسياً لاي ممارسة ديمقراطية بعد .

 وفي الحقيقه لقد ساهم الحظ السيئ  أو الظروف المعقدة المتناقضة والنظام اليمني البائد القائم والحالة التي  مر بها هذا البلد في إستمرار قوي الشر ومراكز النفوذ المهيمنة في السلطة وتقويتها على حساب التيارات اليسارية. حتى ظروف الوحدة  وما بعدها لم تساعد التيار اليساري من حل هذه العقدة  والتغلب عليها من خلال التحالف مع جميع القوي الوطنية الموجودة في الساحه السياسية ابان ذلك ، الا انه دخل في صراع  ايدلوجي مرير مع التيار الاسلامي  في الشمال والذي كان له ثار مع التيارات اليسارية  في الجنوب واستمر ذاك الصراع العبثي  حتي حصلت حرب 94 وتم القضاء على القوى المادية للتيار اليساري وازاحته من السلطه وبالرغم من مبررات قادة هذا التيار عما جري ومظلوميتهم الا أن الأمر الاكيد ان الانتخابات والثروه التي ظهرت في الجنوب كان لها الدور الاساسي في حرب 94م.   

لقد كانت هناك ومضه مضيئه  لو استمرت ومورست بوعي  لكانت لها الأثر الكبير في انقاذ هذا البلد مما يعانيه من فساد وسوء ادارة  حيث تم عقد تحالف لمختلف القوي السياسية في اطار واحد والتي تعتبر الخطوه الاولي الفعلية  في طريق بناء هذا الوطن وسمي باللقاء المشتركـ، و علي الرغم ايضا ان هذا التحالف لم يقم باي اجراء مهم علي الصعيد الوطني .. وذلك نتيجه ضعف الأداء السياسي للنخب وعدم نزاهتها لأسباب كثيرة ياتي في مقدمتها التفريخ والمال ولا فرق في هذا بين التيارات  الاسلامية التي ظلت تحت وصايه شيخ قبيلة منذ فجر ثوره سبتمبر حتي توفاه الله  ولم تحقق اياً من اهدافها شيئا باستثناء اتساع القواعد وزيادة  الاتباع والمناصرين وإستراتيجيتهم  من تجنب  الصادم مع القوي التقليديه ومحاوله احتوائها  ولو كان ذلك على حساب الوطن، واستمر هذا الامر خياراً استراتيجياً لهذه التيارات تحت مبررات توظيف هذه القوي ومراكز النفوذ لما يخدم التوجه والافكار السياسية التي آمنت بها هذه التيارات  الا أن الأيام اثبتت أن ما جنته القوي التقليدية من هذا التيار أكثر بكثير مما قدمته له وفي نهاية المطاف تحولت هذه القوي عبئا علي هؤلاء  ولم يقومو بشيئ يخدم ويرجح كفة الصراع  لصالح هذه التيارات،  واعتقد جازماً أن التيارات الاسلامية اليوم  وخصوصاً  " جماعة الاخوان المسلمينفي اليمن  لا بد لها من تصحيح و تجديد رؤيتها للإمور والإعتراف باخطائهاوتوعية كوادرها حتي تستطيع علي الأقل ان تسهم في ازالة  المعوق الاساسي لتقدم المجتمع   المجتمع والمتمثل في القوي التقليدية مما يطلق عليهم مجازاً  " مشائخلان الزمن في طريقة لتجاوز هذه الافكار  في السنوات القادمة.
بالنسبه  للقبيلة فهي مكون من مكونات المجتمع ويمكن صهرها في إطار دوله النظام والقانون لتقدم دوراً ايجابياً في نهضهة المجتمع نحو التقدم والبناء.
 
اذا قمنا بإجراء نظرة لواقع  التيار اليساري في اليمن نجده حطاماً ولولا رصيدة الذي يشفع له وسوء اداء بقيه التيارات السياسية لما اصبح له وجود الا في عقول منظريه فقط ، والخطر علي هذا التيار اليوم هو اختراقه من قبل القوي الرجعية فلا أعتقد انه يمكن أن نجد مفكر أو مثقف يساري في بقعة ما علي سطح الارض  يؤمن بافكار عنصرية تقسم الناس الي طبقات مختلفة بإستثناء اليمن ، ولا ادري كيف لا تلفظ التيار اليسارية امثال هؤلاء.
ومن المفارقات الغريبة ايضاً ان التيار القومي يمتلك مثل هذه النماذج بصور مختلفة ربما لا تكون عنصرية أو مناطقية  الا انها تنحاز بالضرورة الي منظومة ما او مركز نفوذ هنا او هناك..ووجود مثل هذه الادوات داخل هذه التيارات  يفرغها من مضمونها ويفقدها مصداقيتها  لدي المجتمع .

الاخطر بالنسبه للتيارات القومية الناصرية هي انغلاقها علي الماضي والإستمرار بالتغني بالتجربة الناصرية وأخطائها على المستوي العربي وتمجيد الفترة الحمدية رغم قصرها بل والاعتماد الاساسي علي هذه التجارب واستلهام الحلول منها, فهي تعيش في الماضي اكثر من الحاضرلذا نجد أن هذه التيارات أصبحت في اليمن رمزية وتستمد رمزيتها من ناصر ومن الشهيد الحمدي دون أن يكون لها دور فاعل ومجدي علي الساحة ،  والصحيح أن تعيد هذه التيارات ترتيب أوراقها  وتقدم خطاباً جديداً يساهم في بناء وتقدم هذا المجتمع لتصبح شريكاً حقيقياً وفاعلاً في المجتمع لا مجرد صورة نمطيه في المشهد السياسي اليمني

الغريب  في مجتمعنا اليمني الذي  يأن من الفساد والفاسدين  هو زيادة اعداد الاحزاب السياسية  وبات يوجد لدينا يساريين وقوميين وليبراليين وإسلاميين ومستقلين  بأعداد تتجاوز" شعر الراسومنظمات مجتمع مدني وحركات إجتماعيه وغيرها من انتاجات الديمقراطية الحديثة ولا ندرك اننا من المفروض لكي ننجح بالتجربه الديمقراطية ونتناغم كمجتمع معها لا بد أن  نمتلك الرؤية والبرامج والادوات اللازمة الفاعلة والمؤثره بشكل ايجابي،  فلو قمنا بتقييم  الأحزاب السياسية  على أرض الواقع  سنجد أنها فرخت من بعضها البعض ولو أعدنا بنائها في تكتلات تمثل أحزاب لوجدنا ان بالامكان صهرها جميعا في ثلاثه أو اربعة احزاب كبري فقط تمثل مختلف التيارات السياسيه في اليمن ونتمنى ان تتم هذه الخطوة.
ينبغي ان يقف هذا الجنون العبثي وأن ننظم تناسل الأحزاب السياسية الكرتونية كما ينبغي أن تصهر جميعها في أحزاب كبري وناشطة والا لن نخرج من هذا الاتون الديمقراطي الذي لا يتناسب مع المستوي الفكري للمجتمع بشكل عام ولا يفيد ولا يساهم في بناء الوطن بل علي العكس يزيد المجتمع فرقة وانقساماً ويشتت الجهود وتكون المحصلة في نهاية المطاف لا شيئ  وانا لا ابالغ عندما اقول أن التعددية السياسية بالطريقة اليمنية كانت أكثر ضرراً بالمجتمع اليمني ولم تعد عليه بنفع يذكر، وأعتقد جازماً ان الديمقراطية لا تتناسب ولا تساهم في بناء المجتمعات المتخلفة ان لم تكن مبنية على اسس حقيقية تعتمد على تأهيل هذه المجتمعات اولاً في كافة المجالات حتى  تستطيع أن تمارس العملية الديمقراطية،  فالثمن فادح الذي تدفعه تلك المجتمعات في سبيل تصحيح الممارسة الديمقراطية الهشه نحو ديمقراطية فاعلة وإيجابية وربما قد يكون ثمن ذلك الأخطاء التشرذم والضعف والحروب الأهلية فضلاً عن  المعوقات التي ترزح تحتها هذه المجتمعات عندما يتم القفز علي هذه اللعبة بمنطق القوه وكسر العظام .

في نهايه المطاف احب ان اسجل امنيه  اتمني فيها ان نكف  عن تفسير  الأمور بما يناسب  مع توجهاتنا الشخصية ويخدمها،  كم اتمني لو أن النخب في المجتمع اليمني تمتلك ضميراً وشرفاً وطنياً  وتعلم أن الكلمات قد  تكون قاتلة أشد من الرصاص ، علينا ان نراعي كل كلمة نقولها وأن نغلب مصلحة الوطن فوق كل إعتبار وللحديث بقيه.

" ملاحظةلا بد  من الإشارة  الي ان ما اوردتة واشرت اليه هنا ليس المقصود منه تشويه طرف ما أو تجريح هيئة أو تلميع جهة معينة علي حساب جهة اخري ، وانما هي  رؤيه نقدية لبعض التيارات السياسية اليمنية كما ان المقصود من ذكر بعض المصطلحات التي اضطررت للتصريح أو التلميح عنها  هو وضع النقاط علي الحروف وليس دعوه للمناطقية ولا للفئوية اوللعنصرية.

-  كاتب صحفي  " اليمن