البعث بعد 76 عاماً

 في مثل هذا اليوم (7نيسان1947)، قبل 76 عاماً انعقد في مقهى الروضة في دمشق المؤتمر التأسيسي لحزب البعث العربي ليضم شباباً مميزين من كل انحاء سورية، ومعهم عدد من الطلبة العرب الذين كانوا يدرسون في دمشق.
 كان الشباب المؤسس للبعث قبل التأسيس يعملون في اطر نضالية وفكرية عدة، منها “حركة الاحياء العربي” و”لجان نصرة العراق”، ليكون اول عمل لهم بعد التأسيس الانخراط كمتطوعين في الحرب لانقاذ فلسطين من براثن المشروع الصهيوني عام 1948 وكان لهم شهداء على ارض فلسطين.
 وبسبب فكرته الوحدوية التحررية التقدمية ومواقفه السياسية الشجاعة ضد الاحلاف العسكرية والانظمة الديكتاتورية وأنحيازه للطبقات الكادحة تمكّن الحزب من الوصول الى أقطار الأمة كلها مستقطباً للعديد من النخب المتحمّسة لعروبتها، الساعية الى نهضة الامة، فاستطاع بعد عشر سنوات ونيف وبالتلاحم مع ثورة يوليو في مصر بقيادة القائد الخالد الذكر جمال عبد الناصر إنجاز عمل تاريخي ضخم هو الوحدة بين مصر و سورية عام 1958،
وبعدها بخمس سنوات وصل البعث الى السلطة في العراق (شباط 1963) وسورية (اذار 1963) ،ولكنه لم ينجح في اقامة الوحدة بين قطرين عربيين متجاورين يحكمهما حزب واحد، وكان هذا أهم مأخذ تاريخي عليه.
لكن ما يُسجّل للبعث بكل عناوينه ومؤسسيه وقادته وشهدائه ومناضليه انه كان على مدى كل هذه السنين هدفاً لاعداء الامة يسعون الى التخلّص منه بشتى الوسائل بدءاً من الحرب الاميركية – البريطانية عليه في العراق 2003، وقانون الاجتثاث الذى وضعه الاحتلال واعدام قادته ،وصولاً الى الحرب الكونية المفتوحة على البعث وعلى سورية منذ 12عاماً والتي يشكل الصمود السوري الاسطوري فيها احد عناصر التحولات الكبرى التي يشهدها العالم اليوم.
 طبعا ما كان لاعداء الأمة ان يحققوا بعض اهدافهم المدمّرة لولا اخطاء وخطايا وقع فيها البعثيون في مسيرتهم وهو أمر يقرّ به البعثيون أنفسهم ، والذي يحتاج الى مراجعة كاملة منهم، كما فعلوا بعد  تجربتهم الأولى في العراق عام 1963 حين أجروا في مؤتمرهم القومي الثامن عام 1965 (الذي كان لي شرف حضوره رغم صغر سني انذاك)، تقييماً مهماً لنكسة الحزب في الحكم في العراق .
 إلاّ أن المراجعة المطلوبة، ليست مطلوبة من البعثيين وحدهم، بل هي مطلوبة من الاخرين، من قوى قومية ويسارية واسلامية وليبرالية من اجل إنصاف هذا الحزب التاريخي العريق، بما له وبما عليه،كما المطلوب ان تنتشر ثقافة المراجعة تجاه كل تجاربنا، لكي تتصافى القلوب والعقول ولكي تقوم المصالحات التاريخية بين البعثيين أنفسهم، وبين العروبين والاسلاميين واليساريين، ولكي تتحقّق المشاركة بينهم حيث لا تفرّد ولا اقصاء، وحتى يصبح للمقاومة مفاعيل مضاعفة.