في صنعاء مزيج الانسان!

 هل انني اتخاطر  مع ركني في صنعاء حقا ؟ 
الم تعد الأمكنة بمقاس وجودي كما هو حال صنعاء وقد استبقت لي قطعة منها
 هناك وخاطتني بمراس في ركن منها ؟ 
المدن تعاقبك وتكافؤك ايضا ، طالما بقيت تجوب شوارعها بسيكلوجيا فوينتس وهو يغمغم : تغادر بيتك فتبدأ التوغل في ارض الاعداء ، ستحددك المدينة كهدف عاطفي وتضايقك ولن تمنحك رائحتها الا لحظة ادراكك الانساني لكونها المدينة التي منحتك شخصية ودورا ووظيفة ومداخل وصحبا جديدة واصدقاء لربما يكونون العزاء والترضية والمواساة لكل خيباتك .
كتبت مرة عن هذا ، حقبة الاختيال المناطقي ضدا لصنعاء كتبت مقالة عنوانها منتزع بعنف من لحظة كاتب وشاعر لاتيني عظيم اسمه فوينتس ، وهو كان بصدد رثاء الوجود الانساني برمته ولحظة احساس الكائن انه حتى في قريته وماان يغادر منزله حتى يبدا التوغل في ارض الأعداء ، تلك المقاربات المزيج من التبشير بالوحدة وكيف انها شرط قاطع ومرير للوجود وفي سياق تداعيات زمن العزف على مقولة سارتر " الجحيم هو الآخرون " ، فانتزعتها والصقتها بالمكان الذي كنت قبل التواجد فيه نكرة ، المكان الذي منحني كل ما رجوته وحلمت به في نشوات مغارب الدنوة ، الاحلام التي راودتني ومنحتني طاقة تمسك بالحياة حتى وأنا اعمل لما بعد الموت اثناء الصلاة في مسجد الفقي سعيد بن صالح ياسين ، صنعاء كانت التتمة والتتويج الاخير لاحلام اغلب ابناء جيلنا ، منحتنا الصحف ومقرات الأحزاب والمنابر التي نتحدث منها للسياسيين بحكمة واستعلاء حقوقي ليبرالي معرفي وعاملناهم كفاقدي اهلية واقل منا على اية حال ، انتزعتنا المدينة من الهامش ووضعتنا في قلب الضوء وبالمقابل كتبت بمعزل عن نغمة الجحيم هو الآخرون واستلهمت العنوان بدون نزاهة وقلت : عندما تغادر بيتك في صنعاء تبدا التوغل في ارض الأعداء ، هذي اللكنة التي اشتغلنا عليها جميعا ولحظة نشر المقال حظيت بذلك التواطؤ المتحمس لجموع الكامنين في دهاليز عاصمة عاملوها على انه دغل لا يشبه حتى نزعاتهم البرية . 
بقيت المدينة تعاتبني زمنا ، من ايماءات الشرفات ومداخل الشوارع وإثر كل محاولة منها لتصفية الأجواء وهي تمنحني مصادفات مدروسة اينما ذهبت ، مصادفات انيقة ولائقة تحاول المدينة ان تهمس لي من خلالها : انت تتوغل في ارضك بين اخوتك وحيث الماء المبخر والأصدقاء لكنني بقيت متمسكا بحالة الانكار ومفارقة المكان عاطفيا وبقيت ارجئ اقتناء اي أثاث إضافي مبقيا على مايكفيني بالكاد هكذا بنزعة عابر سيغادر يوما حتى وهنت ، وخلصت لمقولة ايزابيل الييندي : لا شيى ينال من صلابة المرء الداخلية مثل شعوره الدائم بكونه عابر . 
لصنعاء لذعة عطش وبهجه
في بيروت كنت اتثائب طوال الوقت غير قلق ولا مبتهج لا انفك أفكر في وليد جنبلاط،ثم أنام 
صنعاء صحب ولهج وقلق وعطش ومسرات ذهنية وأحسني موجودا بكلي أهتز على ايقاع اليمن.
في الكويت كنت نائما طوال الوقت وافتح عيني فقط لأرفع السماعة في فندق هوليداي لأطلب من المطعم "ايتاليان سلات"،لا أسوأ من السلطة الإيطاليه لكنني كنت مولعا بنطق "ايتاليان سلات"،أفكر بعد السلطه الايطاليه ان لدى الكويتيين نقود كثيره وانهم لم يغفروا لنا بعد ثم يخطر لي انهم سيمنحونني ألف دينار قبل المغادره واتسائل : من كم الصرف؟ 
أحب بلادي بديونها والقبائل والحصبه والطرق الجنوبي على رأسي يلح على جعلي شماليا ويحاول بكل استماتة اقناعي كم انني متخلف.
في دمشق كان صاحب المكتبة مندهشا بكل قلة تهذيب يمكن للعالم التحلي بها وهو يستغرب بإصرار من كوني يمنيا يبحث عن روايه،وكان السائق ينتظرني في الباب ليغالطني مجددا في الاجره ويلمح لكونه متقدم علي في اشياء لا ادري كنهها،
يصلح فيصل القاسم في قناة الجزيرة وضع نظارته ويتهكم من اليمن.
في صنعاء مزيج الانسان الذي يقاوم حظه العاثر بالشهامه وفي الاعالي هناك ينشب وجوده على حافة المدرجات مناوشا الريح والشمس 
تمضي الحياة في اليمن بأناقة التلقائية الوجودية وحسن النية دون ان تجد الوقت للرد على فيصل القاسم وكأن اليمني قد تصالح مع قلة التهذيب العربية مدركا لا جدوى الشوفينية وبمرور الوقت امسى الزهد في الشوفينية مفارقة وطن
اينما ذهبت لا أكف عن التثاؤب ومصادفة المتحاذقين الذين وكأنهم كانوا مدرسين في اليمن ايام حكم الامام احمد 
واعود متحسسا روائح صنعاء والتعب المنتمي واذكر خالد سلمان متسائلا:
ماذا في لندن؟ شوارع نظيفه وسيقان مكشوفه!!! 
لصنعاء طعم.