ضوضاء الجماعة في ‫صنعاء‬.. سلطة الظاهرة الصوتية

 مكبرات صوت ممتدة، وأصوات صارخة من هنا وهناك، خلال نهار الصيام، مروراً بحديث ما بين المغرب والعشاء ثم برنامج المليشيا الرمضاني وخُطبه منذ الثامنة والنصف مساء حتى التاسعة والنصف، حين تبدأ محاضرة زعيم المليشيا من الكهف، وبعدها أشباح خطابية مجدداً تصرخ على الناس من الجوامع لتشدد على أهمية طاعة ولي الأمر" المعتكف بالكهف" والالتزام بما جاء في محاضرته التي انتهت للتو، وهكذا، إلى أن ينتهي اليوم على ضوضاء، ويبدأ اليوم التالي على ضوضاء.

المليشيات تربط مكبرات الصوت الممتدة من الجوامع حتى على نوافذ البيوت، في ظهر النافذة مباشرة، خاصة ميكروفونات تلك الجوامع التي لا مآذن لها، ولك أن تتخيل منظر القابع في غرفة بيته وهو يصارع بالساعات خطباء من كل شكل وصوت يخترقون آذانه بنبراتهم الكاسحة، وكأنهم بداخل غرفته شخصياً إن لم يكن داخل رأسه.

إنه المنزل الراديو الأكثر نشازاً على الإطلاق.

وهنا نسأل ما الغاية من ذلك؟ لم هذه الضوضاء كلها؟ ما الداعي لإزعاج الناس بمواعظ وخطب فارغة لا يطبق رُبعها مشرفو وقيادات المليشيا؟ شبع الشعب كلاماً وينتظرون أفعالاً تغير الوضع والواقع لكن ناهب الشيء لا يعطيه.

منذ عرفنا مليشيا الحوثي وهي تتحدث وتخطب، قبل سيطرتها وبعد سيطرتها تواصل خطبها المتشابهة، ولا تريد الإصغاء لحديث أحد ولا رأي أحد، وفي رمضان سنوياً يقول زعيم المليشيا نفس الكلام، ونفس الأفكار، ونفس التشوه الخطابي الذي يحدث تشوهاً سمعياً.

 يستحوذون على كل الإيمان كي ينسى المواطنون أنهم يستحوذون على كل الأموال والإيرادات والتريليونات التي هي ملك للشعب، فهل تبدو المعادلة منطقية؟ هي لدى المليشيا منطقية، لأن منطقها لا يخرج عن حدود السيطرة والهيمنة وإلجام الأفواه بقوة السلاح.

هذه حفلة تقام في صنعاء يومياً! لا تخلو المدينة من الضوضاء إلا لساعات معدودة من اليوم، فمن يضع حداً لهذه الظاهرة الصوتية ومصدر العبث هو السلطة نفسها؟

 تمنع إذاعة صلوات التراويح، هذا إن وُجدت، عبر الميكروفونات، بدعوى "عدم إزعاج الناس"، فما الذي تفعله مليشيات الحوثي إذن؟ إنها تزعج الناس في حياتهم وفي أرزاقهم وفي أبصارهم وفي أسماعهم، وتلوث الأجواء الروحانية بأحاديث الدجل المعروف.

وإلى هنا ولم نتحدث عن ضوضاء نهار الصيام المنبعثة من "الزوامل" عالية الصوت من الباصات والشاصات.

وعلى سيرة الظاهرة الصوتية، يقول عبدالملك الحوثي، في أحدث الصيحات المألوفة، إن القرآن الكريم "ليس كتاب تاريخ" وإن ما جاء به من قصص وأحداث لا يعني أنه كتاب تاريخي بل كتاب هداية، فهل قال أحد غير ذلك؟ 

هل هناك من قال إن القرآن الكريم كتاب تاريخ؟ هل يحاجج الحوثي على أمر يعرفه الجميع؟ 

حتى إذا لم تتوقف هذه الظاهرة الصوتية، ألا يجب تعديل محتواها على الأقل ومخاطبة الناس بما يريدون سماعه؟