دمشق وصنعاء هوية ملونة.. في إنتاج واحد

 هل يجب على الأحداث الكبيرة والمنعطفات السياسية والصدمات الدامية والزوايا المعتمة والتحديات المضنية أن تنتج مواقف فذة لشعبين كانا جزءاً من سيرورة التاريخ العام في مجالاته السياسية والاجتماعية والثقافية؟ ما إن تذكر صنعاء ودمشق حتى يتراءى للمستمع والمشاهد حكاية مفعمة بالحضارة والتاريخ والقيم والمبادئ والأصالة والعراقة؛ حكاية لا يحسن استبطانها إلا أبناء السيرة نفسها وما جرى عليهم من واقع الحياة.

 والحال أنه لم يكن زمننا جميلاً مضيئاً لكلا البلدين، ولكن الرضا به أقل من حجم الصعوبات والمنغصات المنهالة، وكيف إذا أضيف إلى ما سبق كله ما هو أدهى وأمر، ولم يكن يعيننا على احتمال مضاضته إلا أحلام الخروج منه إلى زمان أكثر وفرة ونبلاً وشجاعة!

ثمة قواسم مشتركة بين سوريا واليمن، منها انتماؤهما إلى محور المقاومة الذي يواجه الولايات المتحدة الأميركية وعملاءها في المنطقة، وإنهاء نفوذها والوجود العسكري المباشر لها، وكسر قواعد الحصار والتجويع التي يفرضها الغرب وحلفاؤه في المنطقة واعتداء الجار على جاره وتدخله في الشأن الداخلي بطريقة عبثية وإثارة النعرات بين أبناء الوطن الواحد، كتركيا.

وبناء عليه، تجدر الإشارة إلى ما فعلته هاتان الدولتان إزاء ما يحصل في غزة حتى تاريخه، رغم موقعهما المهم في أداء أدوار إقليمية في وقف الحرب على القطاع المحاصر، والعداء المطلق للكيان الصهيوني، وإدانته في كل المحافل والميادين، والعمل على إزالته وإعادة الأرض المغتصبة إلى الشعب الفلسطيني، وموقع كلتا الدولتين الاستراتيجي في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، والمكانة الهامة للعبور إلى منطقة غرب آسيا، وسيطرة اليمن على مضيق باب المندب الذي تمر عبره حركة التجارة العالمية.

ضريبة يدفعها الشعبان من جراء المواقف المشرفة حيال مظلومية الشعب الفلسطيني وحقه في الأرض والحياة، ولكن شجاعة الموقف تقتضي تفضيل الحق على مغانم الظلم والاستبداد، رغم الخسائر البشرية وتدمير البنى التحتية على كل مستوياتها، من مرافق عامة ودور عبادة ودور سكن على مدار عقد ونيف في سوريا، وقرابة عقد في اليمن.

مشاهد متكررة من استهداف العدوان الأميركي والبريطاني للمدنين العزل والأطفال والشيوخ والنساء أمام صمت دولي وعربي غير مبرر، واستهداف شبه يومي للطيران الإسرائلي للمدن السورية، ودعم التنظيمات المتطرفة لسفك الدم السوري وإذابته في الصراعات الدامية، وفرض العقوبات التجويعية بحق من بقيَ على أرضه بين حصارين؛ الموت قتلاً أو الموت جوعاً.

تعددت وسائل القتل والتدمير والتهجير، ولكن الإخفاق واحد. لم تكن النتائج التي وصل إليها الشعبان مرضية للعدو الإسرائيلي والأميركي والغرب، بل كان، عكس المتوقع، انتصارات حققها الشعب اليمني من تحطيم القوة الصاروخية المعادية.

أعوام عديدة من العزة والقوة والكرامة، يقابلها النصر والتصنيع الحربي من صواريخ عابرة وطائرات مسيرة ومعدات عسكرية عدة. 9 سنوات من رفد جبهات العز بالرجال والمال دون كلل أو ملل، تقابلها خطابات التحذير والنصح من السيد القائد متكلاً على الله القوي العزيز، ولكن العدوان استمرّ في الاستكبار والعنجهية، فكانت النتيجة كسر شوكة المعتدين رغماً عن أنفهم بهزيمة أقل ما يمكن وصفها بالذل والصغار والمهانة، ولا عجب من نصر بقيادة حكيمة مؤيدة بالحلم والبصيرة.

لا يختلف ميلاد المجد الذي رسَّخه اليمنيون عن أشقائهم في سوريا، الذي تمثل ببنية يصعب خرقها على المستوى الداخلي. وعلى المستوى الخارجي، بقيت دمشق قوة غير مسيسة، وبعيدة عن مبدأ التبعية والاستعمار، وما نراه اليوم من قوة للشعب والقيادة السورية لم يأتِ مصادفة، إنما هو مشروع قيادي تقوده تحالفات سياسية وعسكرية مع محور المقاومة أثبت فاعليته وأثره الكبير في الآونة الأخيرة ضمن المشهد المتصارع في الساحة السورية في دحر التنظيمات الإرهابية من "داعش" وأخواته بميلاد جديد لدمشق ثبت فيه انتصار السوريين وصمودهم أمام المؤامرة وعدم قبولهم بسياسة الأمر الواقع، انطلاقاً من التطورات التي شهدتها المنطقة مؤخراً وترسيخ الدور الإقليمي في المنطقة.

ما نراه اليوم من قوة للعاصمتين لم يأتِ مصادفةً، إنما هو مشروع قيادي أسسه محور المقاومة على الرغم من العداء العالمي لهذا المحور، وتنفيذ مخططات الإعصار التخريبي، والتقسيم الذي كان مراداً من قبل دول لها أجندات تمثلت في تدمير المنطقة وزعزعتها، فلا غرابة في القوة التي وصلت إليها القيادتان على الصعيد السياسي والعسكري، بالرغم من جميع الأوضاع السيئة التي تعانيها الدولتان، وتدني الاقتصاد الناتج من التضخم والحصار والعقوبات الدولية، فالفارق واضح وجلي بين ثقافة المقاومة وثقافة الاستسلام، والصمود لا ينتج إلا ولادة مسيرة الانتصار.

* خليل عبد الحميد - كاتب سوري