متعة القراءة
ما معنى متعة القراءة؟ لماذا يبدي أحدنا حماسة لقراءة كتاب، ويهمل كتاباً آخر؟
عرفت أشخاصاً كثيرين يقولون إنهم تخلّوا عن قراءة رواية، أو مجموعة قصصية، بعد الصفحة العاشرة. ثمة من يغادر الكتاب بعد الصفحة الثانية أو الثالثة، وسمعت من يصف كتاباً، أو رواية، أو مجموعة قصصية، أو شعرية بأنه مضجر.
هذه كارثة تحلّ على أيّ كاتب، أو كاتبة، إذا ما كان رأي القراء في عملهم يذهب نحو حالة الضجر أو الملل.
في أحد الأيام بينما كنا نتجول في مكتبات دمشق، أنا وأحد أصدقائي، عثرنا على مجموعة قصصية لكاتبة لم نسمع باسمها من قبل، تصفحنا المجموعة، كل منا وحده، وأبدى كلانا إعجاباً بالكتابة، نص جميل مشغول بلغة طرية، ومحبوكة بيسر ومهارة، تشدك لأن تواصل القراءة، مستمتعاً بهذه الصياغة اللافتة الجديدة.
اشترينا المجموعة القصصية، ولم تخيب الكاتبة في أية قصة من قصص مجموعتها، لحظة المتعة الأولى التي فاجأتنا بها.
اللافت أن متعة القراءة قد تتحقق بقراءة كتاب في الفيزياء، أو في الفلسفة، أو في البيولوجيا؟ تجربتي الشخصية تقول إن الكتابة نفسها، لا النوع المكتوب، هي التي تقرر في ما إذا كانت القراءة ممتعة أم لا؟
يمكنني أن أقدم كتاباً للعالم المصري الراحل أحمد مستجير عنوانه "بيولوجيا الخوف" مثالاً على متعة قراءة كتاب في العلوم، ففي كل مقالة من مقالات الكتاب،
يمكن للقارئ أن يستمتع بلغة مدهشة يتفنن العالم في تقديم مادته العلمية من خلالها، لغة أديب عاشق للغة، بقدر حبه وعشقه للمعرفة والعلم، وبقدر قدرته على أن يجمع بين القصة والمعلومة والتشويق في حبكة روائية بارعة، تقدم ذخيرة غنية من العلوم الدقيقة المفاجئة، والمعارف الجديدة التي تغني العقل والوجدان معاً.
ثمة كتاب لول ديورانت عنوانه "مباهج الفلسفة" والفلسفة هي المادة التي يعتقد كثيرون أنها معقدة، وكئيبة، ويمكن أن تسبب صداعاً، ومع ذلك يغامر ديورانت بعرضها في كتاب مبهج في القراءة.
متى يصبح النص ممتعاً، مبهجاً، أو مملاً؟ متى تكون القراءة ممتعة؟ يرغب كل كاتب في عالمنا أن يقدم لقرّائه وجبة طيبة من المعرفة والفكر والقيم الإنسانية، لكن لا يمكن للمنفعة، إذا ما أراد الكاتب تقديم منفعة ما، أو للخطاب الفكري أو السياسي أن يحقق أهدافه بالكتابة التي تبعث على الضجر،
سوف تتحول أي فكرة نافعة إلى كتلة ثقيلة من مادة مكروهة تطرد القراء حين ينكر الكاتب، أو يهمل، دور المتعة واسطةً بين نصه وبين قرائه. يكثر هؤلاء في ظلال الأيديولوجيات، حين تبدو الرسالة هي الأهم.
المتعة بناء مستقل يتكئ على اللغة، وصياغة الجملة، وطريقة العرض. ثمة من يقول إن لكل قارئ متعته الخاصة في كتاب، غير أن من الصعب التسليم المطلق بهذا الرأي، فالكاتب هو من يحدد جاذبية نصه، لا القارئ.
حتى لو كانت المتعة ناجمة عن الألم. "آلام فرتر" مثلاً، فإن الوسيط الدائم بين النص والقارئ هو كيف تكتب النص؟ وهذا هو السؤال الآخر الذي يمكن للكاتب أن يسأل نفسه به، ماذا سأكتب؟
* ممدوح عزام
روائي من سورية