
خلافات جديدة.. ما الذي يدور بكواليس مجلس القيادة الرئاسي؟
عاد الخلاف داخل أروقة مجلس القيادة الرئاسي إلى الواجهة، بعد بيان صادر عن تكتل يتبع أحد أعضاء المجلس، ما أثار تكهنات كثيرة حول طبيعة الخلافات، وتوقيتها.
"المكتب السياسي للمقاومة الوطنية" التابع للعميد طارق صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي، شكا قبل أيام من عدم الالتزام بالإطار الدستوري والقانوني خلال مناقشة القضايا الوطنية، كما تحدث عن الانتقائية خلال الاجتماعات التي تناقش قضايا مفصلية.
ويبدو أن العلاقة بين مكونات "الرئاسي" وأعضاء المجلس ليست على ما يرام، وهذا ما تؤكده التسريبات الأخيرة، التي تتحدث عن مقترح لتدوير قيادة المجلس بين جميع الأعضاء.
خلاف يعكس في جوهره غياب الانسجام بين الأعضاء والكيانات التي يمثلونها، منذ تأسيس المجلس، مطلع أبريل من العام 2022، فما الذي يحدث داخل أروقته، وهل يعكس رغبة في الإصلاح، أم يكرس حالة الانقسام؟
انقسام قائم
شهدت الأشهر الماضية حالة من الفتور في أداء مجلس القيادة الرئاسي، وسط أزمات اقتصادية ومعيشية، وحالة جمود سياسية غير مسبوقة، لتظهر بعد ذلك بوادر خلافات بين أعضاء وقيادة المجلس، بل والمكونات السياسية التي يمثلها.
وفي أول خلاف علني بين العميد طارق صالح، ورئيس المجلس رشاد العليمي، دعت الأمانة العامة للمكتب السياسي للمقاومة الوطنية، إلى تصويب آلية الاجتماعات التي يعقدها رئيس المجلس.
المكتب السياسي للمقاومة الذي يرأسه صالح شدد على ضرورة الالتزام بالإطار الدستوري والقانوني في مناقشة القضايا الوطنية، منتقداً الانتقائية في دعوة المكونات السياسية إلى اجتماعات تناقش ملفات مصيرية،
في إشارة إلى اجتماع العليمي بقيادات هيئة التشاور والمصالحة قبل عدة أيام.
المكون الذي يمثّل صالح انتقد ما أسماه "الإقصاء" غير المبرر للجهات المعنية أولاً بهذه الملفات، ولا يخدم جهود الدولة في معالجة الأزمات المتفاقمة، مؤكداً أهمية مراجعة آليات العمل السياسي والتشاور داخل مؤسسة الرئاسة،
ودعا إلى تفادي سياسات التمييز والإقصاء، والعودة إلى ما ينظمه الدستور وإعلان نقل السلطة كمرجعيات حاكمة للمرحلة الانتقالية.
لكن سرعان ما خرج رئيس مجلس القيادة العليمي للرد على هذا الطرح، مؤكداً أن المرحلة تقتضي مزيداً من التلاحم، ونافياً ما يُشاع حول وجود حالة إقصاء لأطراف ومكونات سياسية بعينها.
انتقاد مكوّن طارق صالح لاحتكار اللقاءات والنقاشات مع هيئة التشاور الوطني وتهميش مجلس النواب دفع العليمي لعقد لقاءات مع قيادات الأحزاب والقوى السياسية،
وكذا مجلس النواب اليمني، الأمر الذي يعكس اتساع حالة الانقسام لتتعدى جدران المجلس إلى المكونات السياسية نفسها، وهذا ما أكده بيان سابق لتكتل الأحزاب، انتقد فيه الوضع القائم.
وفي ذروة الانقسام والخلاف زار المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ عدن، زيارة قال مراقبون إنها تعكس مخاوف أممية من احتمال تصدع جبهة "الشرعية"، وانعكاس ذلك على جهود الأمم المتحدة بخصوص السلام.
تدوير القيادة
الخلافات داخل المجلس ليست وليدة اللحظة، لكنها المرة الأولى التي تصبح علنية بهذا الشكل، وسط تسريبات بوجود مقترح لتدوير منصب رئيس مجلس القيادة بين الأعضاء.
وزير النقل اليمني السابق صالح الجبواني قال على حسابه بموقع "فيسبوك"، إن هناك مُقترحات قُدمت مؤخراً لتدوير منصب رئيس المجلس، لافتاً إلى أن تركيبة المجلس، تطرح تساؤلات حول الأهداف الحقيقية من هذه الخطوة.
وقال الجبواني إن لهذه الخطوة مخاطر عديدة لعدة أسباب؛ منها غياب الرؤية الوطنية لدى أعضاء المجلس، "ومن ثم فتدوير المنصب بين هؤلاء لا ينتج قيادة وطنية جديدة بقدر ما يُعيد إنتاج نفس النزاعات والصراعات بوجه جديد".
كما أشار إلى "عدم وجود معايير واضحة أو شفافة للتدوير، فضلاً عن أن التدوير في حال جرى سيكون داخل حلقة مغلقة من الفشل"، إضافة إلى اعتقاده بأن التدوير"سيكون عبارة عن وصفة لشرعنة المليشيات تحت غطاء المؤسسية".
ولفت الجبواني إلى أن هذه الخطوة ستنعكس سلباً على فرص السلام، وجهود إنهاء الحرب، مشيراً إلى أن "تدوير رئاسة مجلس القيادة بصيغته الحالية ليس سوى فصل جديد من لعبة النفوذ، لا يعكس رغبة حقيقية في التغيير أو الإصلاح".
أما المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي فيأخذ الخلاف بين رشاد العليمي وطارق صالح إلى مساحة الخلاف على النفوذ، خصوصاً في محافظة تعز، محملاً ذلك بعداً إقليمياً أيضاً، بحسب ما كتب عبر حسابه في "فيسبوك".
وفي اجتماع عقده العليمي، الاثنين (30 يونيو)، مع قيادة المجلس الأعلى للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، تحدث عن أن التباينات أمر ضروري، لكنه حذر من أن ينعكس ذلك سلباً على موقف الشرعية والحرب ضد الحوثي والتنظيمات الإرهابية.
وأضاف العليمي أن مشاركة القوى الوطنية في هذه المرحلة مهمة تحتمها متطلبات الشراكة الوطنية وأهداف المرحلة، مشيراً إلى أنه "بالرغم من بعض التباينات فإن مكونات المجلس تتنافس من أجل صدارة المعركة ضد المليشيات الإرهابية".
توافق هشّ
وتعليقاً على الوضع داخل أروقة مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، يقول الدكتور عادل الشجاع، القيادي بحزب المؤتمر الشعبي العام: إن "تصاعد الخلاف، يشير إلى أن التوافق الذي أدى إلى تشكيل المجلس كان هشاً أو شكلياً".
وأضاف أن "هذا التوافق لم يفلح في بناء رؤية موحدة أو آليات عمل متفق عليها بين أعضائه"، منوهاً بأنه "غالباً ما تنتج هذه الخلافات من تنازع الصلاحيات المحددة للمجلس ورئيسه ومحاولة كل طرف فرض رؤيته أو حماية مصالحه".
وأوضح الشجاع أن هذه الخلافات "هي انعكاس للانقسامات الجغرافية والحزبية"، إضافة للإقليمية.
وقال: "هذه الخلافات داخل الجسم التنفيذي الرئيسي في الشرعية تسهم بشكل مباشر في استمرار حالة الانسداد السياسي، حيث يصبح من الصعب الاتفاق على خطوات أساسية لحل الأزمة".
واختتم حديثه بالقول: "إذا كان المجلس الذي يفترض أن يكون رمزاً للوحدة يعاني خلافات داخلية عميقة فإن هذا يلقي بظلاله على قدرته في قيادة المصالحة الوطنية الشاملة، واستمرارها بهذه الكيفية ستجعل المجلس يواجه شبح التفكك، خصوصاً مع تنامي الانسداد السياسي وعدم إنجازه المهام الأساسية التي كانت الهدف الرئيسي لتشكيله وهي قيادة المرحلة الانتقالية والتفاوض مع الحوثيين،
كما ورد في المادة (8) من بيان الإعلان الرئاسي لنقل السلطة".