الهاشميون في اليمن بين مطرقة الكراهية وسندان الإقصاء الرسمي
يواجه الهاشميون في اليمن استهدافًا ممنهجًا يُعيد إلى الذاكرة تجارب أقليات دينية ومذهبية أخرى في المنطقة كالدروز والعلويين الذين تم تحويلهم من مكونات اجتماعية وطنية إلى جماعات مشكوك في ولائها ومرتبطة قسرًا بمشاريع سياسية محددة ..
حيث بات يُنظر إلى الهاشميين اليوم في اليمن ككتلة متجانسة تابعة لجماعة الحوثيين دون تمييز بين المنتمي للجماعة وبين المعارض لها أو المتمسك بخيار الدولة والجمهورية..
تكرّس هذا التوجه التعميمي الإقصائي في خطاب بعض مكونات الشرعية اليمنية التي باتت تعتمد ما يشبه سياسة غير معلنة تقضي بعدم تعيين أي هاشمي في مناصب عليا سياسية أو عسكرية أو دبلوماسية بحجة تخوفات أمنية أو طائفية.
وهو ما يُعد تراجعًا خطيرًا عن أسس المواطنة المتساوية ويكرّس التمييز على أساس النسب والانتماء بدلًا من الكفاءة والانتماء الوطني.
لم يعد هذا التوجه مجرد افتراض نظري أو تحليل سياسي بل صار واقعًا ملموسًا في سلوك بعض الجهات الرسمية فقد تواصل معي أحد المواطنين الهاشميين مؤخرًا وأبلغني أن لديه معاملة رسمية مكتملة المستندات وكانت قيد المتابعة لدى إحدى الجهات السيادية في الدولة.
غير أن التعامل معه توقّف فجأة دون مبرر قانوني واضح وبعد الاستفسار تبيّن أن السبب يعود إلى كونه هاشميًا وأن التوجيه بعدم إنجاز معاملته صدر من قيادة عليا في الدولة في تجاوز صارخ للقانون والدستور وروح المواطنة.
هذا الإقصاء لم يعد حالة فردية بل أصبح سياسة ضمنية تُمارس في بنية مؤسسات الدولة حيث يُقصى أصحاب الكفاءة والانتماء الوطني الحقيقي لمجرد انتمائهم العائلي..
ويتم الزج بهم في خانة الشبهة والارتياب وكأن انتماءهم التاريخي مقدّمة لانتماء سياسي مفترض وهو منطق لا يليق بدولة تُعلن تمسّكها بالعدالة والديمقراطية والمساواة..
يشبه هذا المسار ما جرى للعلويين في سوريا حينما تم تحميلهم مسؤولية استبداد النظام رغم أن العديد منهم كانوا في صفوف المعارضة أو ضحايا للقمع وقد أدى ذلك إلى موجات استهداف جماعية ضدهم بعد اندلاع الثورة..
وهو ذات النموذج الذي يُراد فرضه على الهاشميين في اليمن من خلال معاقبتهم جماعيًا تحت عنوان مواجهة مشروع الحوثيين دون تفرقة بين الجماعة السياسية والهوية المجتمعية..
الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في تهميش فئة اجتماعية لها جذورها في تاريخ اليمن بل في تعميق الانقسام الأهلي وتحويل الصراع من سياسي إلى هوياتي يقوم على الطرد والإقصاء لا على المنافسة والاعتراف المتبادل..
وهو مسار لا يُنتج دولة بل يكرّس منطق المكونات المتحاربة ويُقوّض فرص المصالحة الوطنية الشاملة التي يحتاجها اليمن للخروج من أزمته..
يتطلب وقف هذا التدهور العودة إلى مبدأ المواطنة المتساوية وتجريم أي خطاب أو ممارسة تستهدف الناس على أساس نسبهم أو خلفياتهم العائلية..
كما يجب أن تُبنى مؤسسات الدولة على الكفاءة والانتماء الوطني لا على الانتماء القبلي أو المناطقي أو الطائفي وأن تكون الشرعية حامية للعدالة لا أداة لإنتاج مظالم جديدة تعمّق الجراح وتُورث الأحقاد للأجيال القادمة...
* سفير بوزارة الخارجية