المقارم في اليمن... تستر الشعر وترفع الظلم

 يعدّ الحجاب من الأشياء الأساسية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة المرأة اليمنية المحافظة منذُ نعومة أظفارها، فالحجاب عند المرأة اليمنية يعد شرفها الذي يجب أن تحافظ عليه كما تحافظ على عُذريتها.

والمرأة اليمنية تمارس حياتها الطبيعية وهي محاطة بخطوط حمراء تحول دونها ودون استهداف المجتمع لها لفظياً أو مادياً، مقدّسة نوعاً ما داخل حصن شديد مشيّد بالثقافة الاجتماعية والأعراف القبلية المتوارثة مُنذ زمان بعيد، رغم التطور الحاصل في كل المجتمعات عالمياً.

الحجاب أو ما يسمى بالحجاب الإسلامي، يميزه اليمنيون بأسماء متعددة، ففي صنعاء يطلقون عليه اسم "طرحه" أو "ستَرهَ" وفي اليمن الجنوبي وبعض المحافظات الوسطى كـ محافظة تعز يُسمى بـ "المقرمه"، حيث يعد هذا الحجاب من الأشياء الأساسية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة المرأة اليمنية المحافظة منذُ نعومة أظفارها، فالحجاب عند المرأة اليمنية يعد شرفها الذي يجب أن تحافظ عليه كما تحافظ على عُذريتها.

كثيراً ما تعتز المرأة اليمنية بلباسها المصون، ويعتز بها أهلها وذووها وحتى أبناء قبيلتها، فإذا ما حدث أي مكروه لأي امرأة كأن تنزع حجابها أو أي ضرر آخر لأي سببٍ من الأسباب المروعة، يستدعي هذا استنفاراً قبلياً لنجدتها أو ما يسمى بـ" النكف القبلي"، وهذا الإجراء يجعل كل القبائل التي لها علاقة تستنفر لتلبية طلب تلك المرأة وإنصافها، حتى وإن أعقب ذلك الدخول في حروب مع قبائل أخرى أو مع الدولة في حال لم يتم التوصل إلى حل.

الحرب وحرق الحجاب

سمية الحرق (باحثة في شؤون المرأة) تروي قصة إحراق نساء عائلتها للمقارم في محافظة تعز قائلة إن قيادات وأفراد محور تعز تعدوا على حرمة المنزل، وقاموا بقتل وجرح وإخفاء 10 من عائلتي، وسرق ذهبنا والعبث بمحتويات منزلنا، وما كان بوسعنا عمل شيء إلا استثارة نخوة وشهامة قبائل اليمن باستخدام العادات والتقاليد التي من شأنها الحفاظ على حقوقنا ورد الاعتبار.

وتضيف الحرق: "في العرف القبلي، يعدّ الكشف عن شعر المرأة عيباً"، وإحراق المرأة لغطاء رأسها (المقرمة أو الحجاب) يعني أن حرمتها قد انتهكت، وقامت بهذا الإجراء وهي تعلم يقيناً أنها لن تعود خائبة، ومن جانب آخر، هو تحذير وتنبيه للقبائل بالمظلومية قبل الدخول في العيب الأسود، أو أخذ حقها بيدها وبطريقتها الخاصة.

الهدف ذاته

يرتبط حرق الحجاب أو ضفائر الشعر بمصطلح "النكف"، لدى القبائل، وهو قيام إحدى القبائل، باستنفار أبنائها، للقيام بواجب النصرة، والوقوف لرد الظلم عند ارتكاب جهة قبلية إحدى كبائر العرف القبلي، أو ما يوجب مهاجمتها، كالقتل العيب، وهتك العرض، وقطع السبل المسبلة، وقتل الجار والغريب والضعيف، تُحشد ضدها قوة قبلية كبيرة، أو مجموعة قبائل يجمعها أصل واحد أو هدف واحد مشترك.

يقول الحاج عز الدين الحرازي (85 عاماً): "هذا العرف يشبه إلى حد ما عادة متعلقة بالرجال وهي كسر العسيب (الجنبية) من قِبل صاحبها في العرف القبلي كاعتراف بالخطأ واعتذار وتكفير عن ما حصل منه، وفي حالة كسر المتظلم لجنبيته وتسليمها للمُحكم فهذا طلب صريح إما للنجدة والنكف أو الإنصاف".

بحسب الحرازي، فإنّ حرق الحجاب له مثيلات في العادات والتقاليد كربط شال الرجل (الغترة) الذي أصابه سوء في ماله أو أرضه على عمود مسجد القرية ولا يتم إنزال الشال حتى تتم معالجة مشكلته أياً كانت.

ويقول أحمد جار الله (مواطن):" سيول الأمطار دمرت مزرعتي وأطفالي غير قادرين على مساعدتي في الأرض التي تعدّ مصدر رزقي الرئيسي، فقمت بربط غترتي على عمود المسجد، كطلب النكف من أبناء قريتي، فتوجهت صباح اليوم التالي إلى المزرعة وتفاجأت بإعادة مزرعتي حيث كانت بل وأفضل".

الحقوق وحفظها

للعادات والتقاليد دور مهم في تحقيق التوازن والتناغم بين الحقوق والواجبات في المجتمع من خلال احترام القانون والسلطة، وأيضاً لها دور في حفظ حقوق المواطنين.

وتقول سمية الحرق: "إن هذه العادات تعدّ قواعد وسلوكيات تنظم حياة الشعب اليمني، وتحفظ حقوقه، وتعكس هويته وثقافته وقيمه، وأيضاً مبنية على احترام كرامة الإنسان اليمني وتحقق المساواة بين الجميع، وكما هي تتفق مع الدستور والقانون."

وتضيف الحرق أنّ "هذه الأعراف ليست مناهضة للقواعد المدنية الحديثة ومفاهيمها تتماشى مع حقوق الإنسان وحماية النساء من الاستهداف والضرر، والتمييز والعنصرية، بل هذا ما يجعل القبائل تقف مع المظلوم أياً كان جذره الاجتماعي أو لون بشرته أو ما شابه ذلك".

هاشم طه