الإرهاب الأميركي: شيفرة اللعبة في سوريا

 لماذا قال جيمس بيكر، وزير الخارجية الأميركي، في عام 1991 " لا ينبغي لنا محاربة الأصوليين إلا إذا اقتضت مصالحنا ذلك؟" 

أليس من الضروري فتح باب المناقشة المحرم؟ نعم أم لا، هل تلعب الولايات المتحدة بالنار؟ 

بعد "استراتيجية الفوضى"، واصل غريغوار لاليو مقابلاته مع محمد حسان ليفكّكا شيفرة اللعبة في سوريا، ومشكلات " الربيع" المصري، ومفهوم الرعب المطلق الذي نسمّيه "الإسلامية". يشرح هذا الكتاب ما المرتقب في هذه المنطقة.

يقدم كتاب "الإرهاب صناعة أميركية "شرحاً كاملاً، وافياً، ملحّاً وسلساً للأحداث الجارية في سوريا التي تُخفى عنا، أو يُزعم أنها معقّدة جداً.

يحكي المؤلف ما جرى على الساحة السورية بالمطالبة بالتغيير السلمي، لكن ما لبثت أن تلوّنت هذه التظاهرات السلمية بالعنف والسلاح والدم الذي انتهجه إرهابيو العالم.

ويقول: نستطيع أن نميّز بين أربع مراحل في هذا الصراع، تتعلق المرحلة الأولى منه باللعب على الورقة الطائفية، إذ ظن محرّضو هذه الحرب أنّه ربما من السهولة بمكان إظهار أن السوريين بغالبيتهم ضد سلطتهم. 

وتمنى هؤلاء تسريح الجيش ولكن هذا لم يكتب له النجاح. المرحلة الثانية دخلت في طور الحدث المتمثل في تجنيد أي شخص مهما كانت هويته، للقتال في سوريا. 

سمح مال سلطات الخليج بتجنيد الآلاف لزرع الفوضى، اقترف هؤلاء الإرهابيون أنواعاً مختلفة من الرعب، ما دفع الشعب إلى الاتحاد خلف حكومته. تمثلت المرحلة الثالثة بهزيمة هؤلاء الإرهابيين في الميدان العسكري. 

بعد استيعاب موجة هجمات شرسة ومهمة، كسب الجيش السوري من جديد ميدان القتال في الأرجاء كلها. كانت الفكرة تفضي إلى فرض تدخل عسكري مماثل لما جرى في ليبيا.

كان الموقفان الروسي والصيني واضحين لواشنطن. وفي المرحلة الرابعة، تفرّدت واشنطن بإفساد الأشياء وتعكيرها كما يروق لها، إبان الحرب الإيرانية -العراقية التي استمرت ثماني سنوات، سلّحت واشنطن البلدين في آن معاً. 

حتى إن وزير الخارجية الأميركي، صرّح قائلاً: " الأفضل أن نتركهما يتناحران". 

لم يحقق الوضع الذي رغبت فيه واشنطن مصالح السعوديين، ولا الأتراك، ولا القطريين، إذ أرادت هذه الأنظمة الثلاثة إطاحة الحكومة السورية، أياً كان الثمن، فأطلقوا قوى خطيرة في سورياً ليخرج بعضها عن السيطرة. صمد الرئيس بشار الأسد وقضى على التمرد، فماذا سيفعل هؤلاء الجهاديون؟ تخشى سلطات الخليج إضرام اللهيب في أجسادنا.

ويعرج للوهلة الأولى المؤلف على كيفية إنشاء دولة الخلافة بقوله: لم تنبثق الدولة الإسلامية من كل حدب وصوب، بل هي ثمرة الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، تصدت المقاومة العراقية، التي ضمّت جلّ أعضائها القدامى من حزب البعث الذي حكمه صدام حسين، للقوات الأميركية. 

وقلب حدثان مهمان طبيعة الصراع: أولهما، استبدلت واشنطن صدام حسين بحكومة مقربة من إيران، وفضلت العربية السعودية التي عارضت بحزم نفوذ طهران في المنطقة، تدخل المتعصبين. وثانيهما اجتثاث حزب البعث. 

ترتبط العملية بالكشف عن البنى التحتية لنظام صدام السابق، بما فيها الجيش العراقي. دعم السنة النظام العلماني. حوّل هذان العنصران حرب مقاومة الاحتلال الأميركي إلى صراع طائفي يعارضه السنة والشيعة. 

عندما سُئل غريغوار لاليو: كيف ترون المستقبل في سوريا؟

قال: لست منجّماً، لكن بدءاً من اللحظة التي تعرقلت فيها المحاولات الواقعية للبحث عن مخرج سياسي للصراع، نرى الوضع العسكري هو الذي سيسيطر على مستقبل البلاد. إن الجيش السوري في حالة قوة بالمقارنة مع المتمردين.

وبحديثه عن التيارات الخمسة المتناقضة (التقليديون، الرجعيون، الإخوان المسلمون، الوطنيون أو الإسلاميون الوطنيون، والجهاديون) قال إن التقليديين ظهروا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ولم يكن لهم أي هدف رئيس لإنشاء دولة إسلامية، والأخبار والخفايا التي تمخضت عن الاستعمار، أعطت بعض التقليديين كثيراً من الامتيازات لمحاربة القوى الاستعمارية، وقد نجحوا في اللجوء إلى الإسلام لتحقيق أهدافهم.

فصول الكتاب

ينطوي الكتاب على ثلاثة أبواب وثمانية عشر فصلاً، تبدأ بعنوان سوريا، والانعطاف الكبير، وأصول الصراع، الحرب الإعلامية، المخابرات الأميركية كانت هنا منذ البداية، مصالح الولايات المتحدة في سوريا، العربية السعودية وقطر؟ 

"داعش" عدو مفيد جداً، المسار السياسي هو الحل الوحيد، المصريون لم يفرغوا من كتابة تاريخهم، عبد الناصر أم جريمة تطور مصر، السادات من الاستسلام إلى الانحطاط، مبارك وتجربة فشل البنك الدولي، مرسي والسيسي بيد واشنطن، خمسة تيارات بدلاً من "الاستسلام"، التقليديون التاريخيون في مواجهة الاستعمار، الرجعيون، السعوديون هذه المملكة العجيبة، الإخوان المسلمون من التمرد إلى الخنوع، الوطنيون: حزب الله وحماس في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية، سيد القطب مفكراً. لا تنظيم قاعدة واحد، بل تنظيمان.

 وأخيراً، بعدما قرأت هذا الكتاب الممتع والمفصّل لما جرى في بلدي سوريا، انتابني شعور ينطوي على تقديري للمؤلف غريغوار لاليو، الذي استطاع قراءة المخطط وتوضيحه، في وقت كان كثيرون يفهمون ما يجري على أنه صراع داخلي بين الطوائف. 

ولما أقدمت على تلخيص فحواه، لم تسعفني لغتي في توضيح ما هو موضح، لذا حاولت اقتطاف فقرات تساعدني، على التعبير بجمل سهلة هادفة. 

كانت الترجمة جميلة، وحيوية قدمها الأستاذ شادي سميع حمود الحاصل على ماجستير في الترجمة التحريرية من جامعة دمشق. 

وأخيراً، يختتم المترجم كلمته التي تغلف الكتاب بقوله: يعتبر هذا الكتاب قراءة سياسية واستراتيجية ويسلط الضوء على الطريقة التي جنّدت فيها الولايات المتحدة الأميركية "الإسلام السياسي" تحت مسمى الجهاد "في إطار مشروعها " الشرق الأوسط الجديد "بأدوات إرهابية دولية، كاشفاً التضليل الإعلامي ضد سوريا. 

الكاتب: سلام الوسوف