عام على "طوفان الأقصى": ثقافة مسيّسة وإدراك جديد؟

 انقضت أكثر من سنة على تاريخ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. الراصد لسيرورة العالم يعرف أنّ أشياء كثيرة تغيّرت منذ عملية "طوفان الأقصى"، إن كان في التلقي أو في الخوارزميّات أو في الإدراك أو في الخطابات المعرفية والسياسية والثقافية وسياقاتها، وإن كان في السياق العام، أو بما يخص القضية الفلسطينية على وجه التحديد.

الخطاب الثقافي والسياسي: إدراك جديد

في هذا السياق، يقول الكاتب والسياسي الفلسطيني، شفيق التلولي، إن: "التحولات الكبيرة التي شهدها العالم منذ السابع من أكتوبر كانت على مستوى الخطاب الثقافي. 

إذ شهد تغيراً كبيراً في آليات تصدير الخطاب، وذلك على مستوى رفض رواية الاحتلال (أي الرواية النقيضة) في المجتمعات الأوروبية وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية، ورفض السرديات التي يحاول الاحتلال ترويجها منذ عملية طوفان الأقصى".

ويضيف ، أن "هذا التحول في الرأي العام العالمي جاء بفعل الدبلوماسية الثقافية التي انتهجتها المكوّنات العربية والفلسطينية في البلدان الغربية، فتغيرت الذهنية الأميركية والأوروبية التي تنتج الخطاب اليوم، والمجتمعات المدنية هناك انتقلت من طَور القول إلى طَور الفعل، 

وذلك عبر الاحتجاج والتظاهر والاعتصام، وهو ما اتّضح بانتفاضة الجامعات الأميركية. الأمر الذي أحدث تحولات في خطاب نظمها السياسية".

حول الموضوع نفسه، يتحدث الصحفي اللبناني، بول مخلوف، معتبراً أن "التغيير الأهم الذي نشأ يمكن تحديده بكلمة: الانتباه".

ويضيف "أصبح ثمة انتباه في العالم (أميركا وأوروبا) عند شريحة واسعة (تحديداً الشباب الجامعيين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 30 سنة) إلى الإبادة. بكلمات أخرى، نشأت مساءلة وأسئلة حول توحش الاحتلال تجاه مجموعة بشرية من الشعب كأنها ملعونة، أو وفقاً لوصف الفيلسوف الإيطالي، جورجيو أغامبين، "كأنها محلّلة للقتل، أو حالة استثناء".

ويرى مخلوف أن "الذي تغيّر أيضاً على مستوى الخطاب هو أنّ الشريحة المذكورة نقلت الخطاب الإنساني إلى العقلنة: أي البحث عن إجابات حول استمرار الإبادة. 

ربما ما عزز هذا النوع من الإدراك أنّ الاحتلال الإسرائيلي قتل أشخاصاً فاعلين في مؤسسات  الأمم المتحدة وغيرها، أثناء عملهم الإغاثي. كذلك ثمة توقف عند الخطاب الإسرائيلي وتمحيص فيه، إدراك، أو انتباه. ويتمثل هذا الإدراك بوعي أنّ الصراع ليس صراع حضارات، إنما أنّ كل إنسان مع فلسطين هو معرض للموت".

يضيف مخلوف أنّ "الحرب زمن انكشاف، واليوم: أن تكون مع فلسطين يعني أنك ضدّ العالم، وبدأ هذا يتضح تماماً".

الثقافة المسيّسة

يرى التلولي أن "المقاومة الثقافية اتخذت منذ تاريخ 7 أكتوبر أشكالاً عديدة لغوياً وبصرياً، فضلاً عن سعي المكوّنات الثقافية الفلسطينية نحو نظيراتها في العالم، وحثّها على إحداث ضغط على حكوماتها لنصرة الفلسطينيين وتشكيل جبهة ثقافية قادرة على تصدير خطاب متمكن ومفكك للسردية الإسرائيلية". 

ويضيف "قد حدث جزءٌ كبير من هذا في ما رأيناه من مواقف لتلك المكوِّنات ونظمها سياسياً وإعلامياً وثقافياً".

أما مخلوف فيرى أنّ "الإدراك الجديد ليس مرتبطاً بالحدث نفسه، أي 7 أكتوبر، بقدر ما هو إعادة تفتيش تاريخي وذاتي". 

ويضيف أنّ "الطابع السياسي غلب على الثقافة وخطاباتها اليوم"، وأنّ "ثمة ثقافة موجودة في الوقت الراهن في خطابات عن المُستعمِر والمستعمَر، وعن المهيمِن والمهيمَن عليه، وأطروحات نظّر لها السود وأولاد "عالم الجنوب" من البرازيل وأميركا اللاتينية وصولاً إلى الجزائر وأفريقيا"، 

وهذا، وفق مخلوف، "يفتح  في ما بعد الأبواب من أجل تأطيرات جديدة".

مخلوف يقول أيضاً إنّ "الثقافة ما بعد الحداثية اليوم مُستعادة، ويُعاد اكتشافها، وتتم الاستعانة بها. 

من هنا، يصبح "تخريب" أو تمزيق، أو التمرد على لوحة بلفور في إحدى الجامعات البريطانية دليلاً على أنّ الخطاب ليس محلياً وإقليمياً فقط، بل هو خطاب عالمي".

وينسحب ذلك على السؤال الذي طُرِح في العالم العربي كثيراً طيلة هذه السنة، وهو: لمَن تكتب/ين بالإنكليزية؟ 

هذا السؤال يندرج تحت تعريف الثقافة، ولكنه مُستمَد من لحظة سياسية. أي أنه سؤال عن اللغة، عن الكلام، ولكنه ناشئ بسبب حالة سياسية. يحيلنا ذلك إلى أنّ الثقافة المنتشرة اليوم، برمتها، هي ثقافة مسيّسة. تؤكد ذلك مثلاً العودة الدائمة إلى استشراق إدوارد سعيد.

"الأهم من ذلك"، يقول مخلوف، أنّ "عملية "طوفان الأقصى" كحدث، وكل ما تلاه، لم يسمح لخطاب الهزيمة بأن يسود، بل أبقاه على مسافة بعيدة وفصله عنه.

 صحيح أنّ ثمة محاولات كثيرة لترويج مثل هذا الخطاب عبر منصات شخصية أو عامة، من دون أن يكون الخطاب مبنياً على أسس، لكنه في معظمه يسقط بمجرد الإعلان عنه أو نشره".

يوسف م. شرقاوي
كاتب فلسطيني مقيم في سوريا