الزيتون... شجر لبنان وفلسطين "المبارك" تدمره إسرائيل

 لم يكتفِ جيش العدو الإسرائيلي منذ استهدافه المناطق الجنوبية الحدودية في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ثم القرى الداخلية في نطاق ما يعرف بجنوب نهر الليطاني منذ الـ23 من سبتمبر (أيلول) الماضي، بما أحرقته قذائفه الفوسفورية والحارقة من مساحات حرجية وأشجار مثمرة وفي طليعتها بساتين الزيتون المنتشرة بكثافة في جنوب لبنان، مما أدى إلى إحراق أكثر من 70 ألف شجرة بحسب التقديرات الحكومية، بل منع أصحاب هذه البساتين من الوصول إليها وقطف حباتها تحت ذريعة الحفاظ على سلامتهم.

ففي الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وفي موعد بدء قطاف الموسم، وجه المتحدث باسم  جيش العدو الإسرائيلي أفيخاي أدرعي تحذيراً إلى سكان الجنوب محذراً من أن حصاد الزيتون ممنوع. وكتب على حسابه الخاص في "إكس" الآتي "إعلان إلى سكان جنوب لبنان: الطريق إلى كروم الزيتون لا يزال مغلقاً. نذكركم أن الحرب ما زالت مستمرة ونحن نواصل دك عناصر ومصالح 'حزب الله'، ولذلك نناشدكم الامتناع عن السفر جنوباً والعودة إلى منازلكم أو إلى حقول الزيتون الخاصة بكم. من أجل سلامتكم نرجو منكم الالتزام بهذه التعليمات".
 
قبل هذا التهديد الإسرائيلي المباشر لمنع الجنوبيين من التوجه إلى حقولهم وقطف موسم الزيتون، أدى القصف الإسرائيلي المستمر منذ الثامن من أكتوبر 2023 إلى احتراق مساحات واسعة من بساتين الزيتون، بخاصة في الحقول والتلال القريبة من الحدود بين لبنان وإسرائيل. وكان وزير الزراعة اللبناني عباس الحاج حسن، أكد "أن القصف الإسرائيلي بقنابل الفوسفور المحرمة دولياً على جنوب لبنان أدى إلى إحراق أكثر من 60 ألف شجرة زيتون معمرة، في وقت تعرض الموسم الزراعي هناك لأضرار كبيرة نتيجة تكرار الاستهدافات الإسرائيلية"، وأضاف أن القصف تسبب "في أكثر من 657 حريقاً"، مشيراً إلى أنه "ألحق أضراراً بأكثر من 6000 دونم (الدونم يساوي 1000 متر مربع) من الأحراج والأراضي الزراعية".

الجنوبيون يخسرون موسمين

لم يكن موسم الزيتون الحالي الذي مُنع الجنوبيون من قطافه بسبب النزوح والتهديد الإسرائيلي المباشر هو الخسارة الأولى لأصحاب البساتين فحسب، بل لم يستطع معظم المزارعين الجنوبيين في القرى الحدودية، التي تعد في الخط الأول للمواجهة، من قطف موسم زيتون العام الماضي بسبب الأعمال الحربية الواسعة على الحدود. وتقصد الجيش الإسرائيلي قصف الأحراج والحقول الزراعية وبساتين الزيتون والأشجار المثمرة، مما سبب خسائر جسيمة للمزارعين، وحرمانهم من كميات كبيرة من زيت الزيتون كانت تشكل لهم باب رزق اقتصادياً واسعاً.

ويؤكد رئيس جمعية "الجنوبيون الخضر" هشام يونس أن "حرق العدو الإسرائيلي الثروة النباتية والشجرية وفي طليعتها أشجار الزيتون ليس اعتباطياً، بل يندرج ضمن أهداف مضمرة للقضاء عليها وتصحيرها".
 
تدمير سبل الحياة

يضيف يونس "مجتمعاتنا الجنوبية زراعية وتتمحور حياة الجنوبيين حول الزراعة، وبصورة رئيسة قطاع زراعة الزيتون والصناعات التحويلية الناتجة منه، بخاصة زيت الزيتون. فالاقتصادات المحلية، لا سيما في القرى المحاذية للحدود تعتمد على الزيتون، ونحن، خلال السنة الماضية، وثقنا الاستخدام المكثف للفوسفور الأبيض من قبل الجيش الإسرائيلي الذي كان يرمي إلى ما هو أبعد من حرق وتدمير الوجه النباتي، إلى تسميم التربة وخزانات المياه الجوفية، 

بالتالي إعطاب نظام التربة وحيويته. طبعاً حتى تدخل شجرة الزيتون في دورة الإنتاج ستأخذ وقتاً أطول، فهذا كله يقع ضمن جهد وسياسة إخلاء المنطقة ومحاولة تدمير سبل الحياة فيها". 

ويتابع "إضافة إلى هذه العلاقة التي تربط الجنوبي بالزيتون تحديداً، محاولة قطعها من قبل جيش العدو الإسرائيلي إذا استطاع، هو قطع سبيل رئيس لمصدر الدخل. للموضوع أكثر من وجه، وفي مقدمها إيجاد وضمان منطقة خالية من كل أوجه الحياة بعدما عمل على تدميرها بصورة ممنهجة، أيضاً محاولة قطع هذه الرابطة بين الفلاح الجنوبي وبين الزيتون الذي يشكل مصدراً للرزق أيضاً. إلى الموضوع الثقافي، ونحن لا نفصل بين استهداف الزيتون والمعالم الثقافية والتراثية التي يستهدفها ويدمرها لأنه يستهدف تدمير الهوية التراثية، والزيتون يمثل كذلك حيزاً من الهوية الثقافية للجنوبي".

كره تاريخي لشجرة الزيتون

ويستذكر الكاتب والقاص الفلسطيني حسين علي لوباني (85 سنة)، "الكره الإسرائيلي التاريخي لشجرة الزيتون لأنها تمثل الهوية الشرقية ورسوخها في عمق التاريخ. في فلسطين يحصل هذا، فالمستوطنون يتعقبون البساتين وكروم الزيتون وما يمكن لأيديهم أن تطاولها، ولا يتوانون عن حرقها والقضاء عليها، وهي مسألة معروفة، في غزة لم يعد فيها زيتون على نحو ما يوجد اليوم في الضفة الغربية".

ويستعرض الكاتب لوباني كيف كان الزيتون "منذ الماضي يشكل عنصر التصاق للفلسطينيين فيه أكثر من البيت، لأنه مصدر رزق تاريخي، وهو لا يكلف الفلاح أي عناء زراعي وتتبع مستمر أو يحتاج إلى ري كغيره من الأشجار المثمرة، لذلك يشعر الفلاح أن هذه الشجرة لا تتعبه وتدر عليه، في الوقت عينه، مدخولاً جيداً، نحن في بلدتنا الفلسطينية في الدامون بعكا، كان أهم إنتاج شجري الزيتون، وبعده يأتي اللوز والتين، أما المنطقة السهلية فكانت تشتهر بزراعة البطيخ والسمسم والذرة البيضاء".

الزيتون رمز السلام والتجذر

ويشير القاص لوباني إلى أن "الرامية في فلسطين تشتهر تاريخياً بزيتونها وزيتها المهم جداً. إن مناطق الضفة مشهورة، بدرجة أولى، بزراعة الزيتون من ضمن الشجريات، ولها في بلداتنا وقرانا أولوية وحضور محبب، ولن ننسى عندما حمل رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات غصن زيتون كشعار للسلام أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 1974 مخاطباً رئيسها: لقد جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن الزيتون في يدي، وببندقية الثائر في يدي، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي".

في التراث الوطني الفلسطيني

ويعد الكاتب الفلسطيني أن "شجرة الزيتون وتاريخ الشعب الفلسطيني توأمان متلاصقان، ونتغنى نحن الفلسطينيين بها كثيراً بعدما دخلت في تراثنا الفلسطيني من الباب الواسع، وكثيرة هي الحكايات الشعبية التي تدور حول الزيتون، بل كانت من أهم الأشجار التي دخلت إلى هذا التراث ويتبعها التين واللوز والمشمش. هي شجرة معمرة ولذلك أقول إنها تاريخ الفلاح الفلسطيني، يزرعها نصبة صغيرة قبل أن تنمو شيئاً فشيئاً لتصبح معطاءة كريمة ولا تبخل على أصحابها، وكثيراً ما سمعنا من أجدادنا حكايات تقول إن هذه الشجرة زرعها جد جدي".

ثأر تاريخي

ويرجح الإعلامي الفلسطيني عبد معروف أن هناك "ثأراً تاريخياً بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وشجرة الزيتون في المناطق العربية التي تمكن من الوصول إليها والسيطرة عليها، ولم يستثنِ وسيلة لصب جام غضبه على هذه الشجرة المباركة، لذلك يدرك هذا الجيش أهمية الشجرة ورمزيتها، ومدى تعلق المواطن، سواء في فلسطين أو في جنوب لبنان، بهذه الشجرة الخيرة.

وقد برزت ظاهرة العداء بين المحتل الإسرائيلي والشجرة منذ الأيام الأولى لتأسيس الدولة العبرية عام 1948 من خلال حرق واقتلاع أشجار الزيتون في المناطق التي احتلها ومنع الفلسطينيين من قطافها"، وبحسب الكاتب معروف "يعلم الإسرائيلي جيداً مدى أهمية ومكانة الشجرة في حياة المواطنين الفلسطينيين، ويعلم كذلك أنها سيدة الأرض المثمرة، وأكبر دليل زراعي على أن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض ومتجذرون فيها ومعمرون، وأضحت رمزاً للصراع بين الاحتلال الإسرائيلي وأصحاب الأرض الأصليين".

أشجار تاريخية معمرة

يضيف معروف "لشجرة الزيتون بعد تاريخي لأنها قديمة جداً وعمر بعضها يعود إلى مئات وآلاف السنين. إن تمسك المواطن الفلسطيني بشجرة الزيتون وقطافها إنما هو تمسك بأرضه وبحقه وبتاريخه. أما الإسرائيلي فيسعى إلى قطع هذا التاريخ وقطع ارتباط الفلسطيني بأرضه".

العلاقة والارتباط

ويشير إلى أن "الفلسطيني ينظر إلى الشجرة باعتبارها ترمز إلى الحياة والبقاء والأمل والقوة، أما الإسرائيلي فالشجرة بالنسبة له مشروع عدوان وقتل وانتقام واقتلاع، لذلك يعمل يومياً على حرق هذه الأشجار واقتلاعها، وقد دأب على ذلك في محاولة لتدميرها وتصفية معالم الأرض وأبرز رموزها الزراعية هي شجرة الزيتون، لكنه لم يتمكن من تحقيق أهدافه، هناك الملايين من أشجار الزيتون، بخاصة المعمرة منها، على أرض فلسطين ولبنان". 

وهي في رأيه "علاقة تشير إلى التاريخ العربي - الفلسطيني واستمراره على الأرض، ولأن الشجرة تعكس التاريخ الفلسطيني وارتباطه بأرضه، تتعرض إلى الحرق والاعتداء والتخريب والقطع ومنع القطاف، ولذلك برز العداء الإسرائيلي لهذه الشجرة ومحاولاته محو إرثها المغروس في الأرض والذاكرة، إذ يمارس المستوطنون عدوانهم على شجرة الزيتون في فلسطين كونها تحمل أهمية اقتصادية ومصدر رزق، إذ تمثل 70 في المئة من إنتاج الغذاء في فلسطين و14 في المئة من الاقتصاد الفلسطيني العام".
  
حرق الزيتون بهدف التهجير

وعن تقصد حرق بساتين الزيتون في جنوب لبنان يرى الإعلامي الفلسطيني أن الجيش الإسرائيلي، بهدف تهجير اللبنانيين الجنوبيين عن أرضهم، وفك ارتباطهم بشجرة الزيتون رمز الأرض، مارس "كل أنواع الوحشية لاقتلاع وحرق مساحات واسعة من أشجار الزيتون في جنوب لبنان، وجرف أعداد كبيرة منها، ومنع المزارع من الوصول إلى أرضه لقطفها".

الزيتون الفلسطيني

في عام 2022 طاولت الاعتداءات الإسرائيلية أكثر من 13 ألف شجرة وفق تقرير أعده "مركز أبحاث الأراضي" (مؤسسة غير حكومية) احتفاءً باليوم العالمي لشجرة الزيتون.

الفلسطينيون القدماء هم أول من طور زراعة شجر الزيتون واستخراج زيتها واستثماره، وتمتلك فلسطين أقدم شجرة زيتون في العالم في قرية الولجة جنوب مدينة القدس، والتي قدر خبراء منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو" عمرها بنحو 5500 عام، ويغطي حجمها أكثر من 250 متراً مربعاً، أما جذورها فتمتد إلى نحو 25 متراً.

ويعد الزيتون، وفق إحصاء وزارة الزراعة الفلسطينية، أكبر المحاصيل الزراعية في فلسطين، ويشكل 45 في المئة من المساحة الزراعية الكلية فيها، وأكثر من 85 في المئة من مساحة أشجار البستنة المزروعة في فلسطين. 

ويعمل ويستفيد من هذا القطاع نحو 100 ألف أسرة فلسطينية (أكثر من 600 ألف نسمة)، بينما بلغت مساحة الزيتون قرابة 907 آلاف دونم، بواقع 13.6 مليون شجرة، منها نحو 11 مليون شجرة مثمرة ونحو 2.6 مليون شجرة غير مثمرة.

ويشكل الزيتون مصدر غذاء ودخل رئيس للمواطن الفلسطيني، فضلاً عن كونه عامل ثبات وصمود له، والفلسطيني يرتبط بالزيتون دينياً وسياسياً وثقافياً وتاريخياً ووجدانياً. 

وثمة مؤسسات رسمية وأهلية تدعم المزارع الفلسطيني، ومنها وزارة الزراعة التي تقدم نحو 200 ألف شتلة زيتون سنوياً دعماً للمزارعين.

الزيتون اللبناني

ويعد قطاع الزيتون أحد القطاعات الأساسية للاقتصاد اللبناني، إذ تغطي بساتين الزيتون نحو 23 في المئة من مساحة الأراضي الزراعية، وهي مسؤولة عن سبعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي. وتعد أشجار الزيتون الموجودة في لبنان من أقدم الأشجار عالمياً، 

ويقال إن بعضها يبلغ 6 آلاف عام. وتمثل هذه الأشجار جزءاً من الهوية اللبنانية، أما متوسط عمر الأشجار في لبنان فيبلغ 150 عاماً ومعظمها زراعة بعلية.

وعلى مدى 45 سنة، احتلت زراعة الزيتون رأس الزراعات اللبنانية حتى إنها تمكنت من التفوق على زراعة القمح، وبحسب إحصاءات منظمة الأغذية والزراعة العالمية لعام 2021، بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالزيتون 66,654 هكتار (الهكتار 10 آلاف متر مربع)، وهو ما يمثل 5.6 في المئة من الأراضي اللبنانية، ويتولى رعايتها نحو 170 ألف مزارع لبناني. 

ومعلوم أن 41 في المئة من إنتاج زيت الزيتون يتم في شمال لبنان، تليه منطقة النبطية 21 في المئة، والجنوب 15 في المئة، والبقاع 13 في المئة، وجبل لبنان 10 في المئة.

الزيتون في التاريخ

ويقول عالم النبات الفرنسي - السويسري ألفونس دو كندول في كتابه "أصل النباتات المزروعة" إن الفينيقيين هم أول من زرعوا الزيتون ونشروه في دول البحر المتوسط. وبينت بعض الدراسات الأثرية والجيولوجية أن أشجار الزيتون كانت موجودة في المنطقة منذ أكثر من 6 آلاف عام، وهي بذلك تعد أقدم شجرة معروفة في العالم، إذ تعيش نحو 870 عاماً.
 
كامل جابر - صحفي لبناني