الفعاليات الثقافية تزيح غبار الحرب عن شبوة اليمنية

 تعيش محافظة شبوة اليمنية حالاً من الازدهار الثقافي ممثلاً في الأنشطة والفعاليات الأدبية والفنية التي استضافتها أخيراً، على رغم حال الحرب التي تعيشها اليمن وتلقي بظلالها على المشهد الثقافي، إلا أن المحافظة الريفية نفضت دخان الحرب بحثاً عن شعاع ثقافي تستقي منه صمود التنوير والتمسك بالأصالة.

وبعد أقل من شهر على اختتام الدورة الخامسة لمعرض الكتاب في شبوة، عادت هذه المحافظة الريفية لواجهة المشهد الثقافي مرة أخرى من خلال مهرجان الفنون والتراث الخامس، الذي انطلق الأسبوع الماضي واستمر لمدة ثلاثة أيام، وشكل احتفالية كبيرة جمعت بين الفن والثقافة والتراث.

وانطلق برنامج مهرجان هذا العام تحت شعار "شبوة: تراث وفن أصيل نابض بالحياة" بحفلة كرنفالية كبير أقيمت في أحد الملاعب الرياضية القريبة من المركز الثقافي للمحافظة، وشهدت حضوراً لافتاً من قيادات الحكومة المحلية، يتقدمهم وكيل المحافظة عبدالقوي لمروق الذي أكد خلال كلمته في حفلة الافتتاح أهمية الحفاظ على التراث الشعبي بوصفه رمزاً للهوية الثقافية لمحافظة شبوة.

وشهدت فعاليات المهرجان عروضاً فنية متنوعة قدمتها فرق تابعة لمكتب الثقافة بالمحافظة، تضمنت الأهازيج والرقصات الشعبية، إضافة إلى عروض مميزة للخيول والهجن.

وشارك في العرض الافتتاحي مجموعة من القطاعات والمؤسسات الحكومية والأهلية، بما في ذلك جامعة شبوة وجمعية رعاية وتأهيل المعوقين وقطاع المرأة، وكذلك منظمة شباب شبوة والهيئة العامة للكتاب ومكتب التربية.

 تنوع المهرجان

وعلى مدار ثلاثة أيام متتالية، احتضنت مدينة عتق، مركز محافظة شبوة، سلسلة من الأنشطة الفنية والتراثية التي استقطبت حشوداً جماهيرية كبيرة، تنوعت العروض بين الحفلات الموسيقية والرقصات الشعبية، وكذلك المسرحيات والعروض الكرنفالية، إلى جانب أمسيات شعرية وجلسات تراثية احتفت بفنون "الدان" و"السمرة" و"الشرح".
 
وشملت الأنشطة افتتاح أركان وأجنحة للقرية التراثية، تضمنت عروضاً للصور الفوتوغرافية والعسل والمأكولات الشعبية والحرف اليدوية، في مشهد يعكس عمق التراث الثقافي للمحافظة.

وأكد مدير مكتب الثقافة بمحافظة شبوة ومدير المهرجان فيصل البعسي أن الفعالية "تمثل تجسيداً لثراء شبوة بالفن والتراث والحضارة، وتؤكد ريادتها في المشهد الثقافي على مستوى البلاد، على رغم التحديات التي فرضتها الحرب المستمرة منذ ما يقارب 10 سنوات".

وتطرق البعسي إلى العمق الحضاري العظيم للمحافظة في تاريخ الحضارات القديمة، لافتاً إلى أن المحافظة كانت مهداً لثلاث ممالك عظيمة من أصل خمس حضارات ازدهرت قديماً في جنوب شبه الجزيرة العربية، مشيراً إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها اللجان المنظمة على مدى ستة أشهر، بهدف تقديم مهرجان يلبي تطلعات الجمهور ويعزز القيم الفنية ويجدد القوالب الإبداعية ليكون حدثاً يليق بتاريخ المحافظة وإرثها الشعبي.

وأوضح أن المهرجان يعد منصة تجمع الفنون الشعبية والتراثية من مختلف مديريات المحافظة الـ17، بما يعكس تنوع التراث والفن والموسيقى والأغاني والفلكلور الشعبي.

رسائل المهرجان

وأشار مدير الثقافة إلى رسائل رمزية عدة حملها المهرجان، تمثلت في نقل صورة إيجابية لهذه المحافظة التي تمتلك مخزوناً من إرثها الحضاري المجيد يمتد لآلاف السنوات، وإظهار الوجه المشرق للمحافظة كمنطقة آمنة تشهد استقراراً أمنياً وحالاً من السلم المجتمعي وجاذبة للاستثمار والسياحة، وتعريف الزوار بها وبما تحتويه من معالم وإرث تاريخي كبير بغية المحافظة عليها، وكذلك إعادة إحياء عادات وتقاليد أهلها، كما يعزز المهرجان أهمية إحياء التراث الشعبي والاهتمام به لدى المجتمع الأهلي والمدني، ويشجع على إظهار المواهب والقدرات والطاقات الإبداعية المخزونة في الأرياف.
 
رد اعتبار

بدوره اعتبر الصحافي سعيد العولقي عضو مجلس نقابة الصحفيين الجنوبيين تصدر محافظة شبوة الريفية للمشهد الثقافي في البلاد انتصاراً لكل ريف اليمن، ورد اعتبار للثقافة الريفية والبدوية التي تشكل الجذر الأساس للثقافة في جنوب الجزيرة العربية.

ويعزو العولقي هذا النجاح لمحافظة أقرب للريف من التمدن إلى عوامل عدة أهمها موقع المحافظة الاستراتيجي وسط البلاد كمحور ارتكاز لكل المحافظات، ناهيك بوقوعها في الطريق الدولي المؤدي إلى السعودية، وحال الاستقرار والسلام والأمن الذي شهدته خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصاً بعد تحرير غرب المحافظة من الحوثيين مطلع 2022.
 
ويتابع العولقي "زخم الفعاليات الثقافية والفنية يقف خلفه جهاز إداري متمكن في مكتب الثقافة بالمحافظة وفريق تنفيذي فعال، حيث الجمع بين مهارات الإدارة بدءاً من البحث والتخطيط وصولاً إلى التنفيذ والتوظيف الصحيح للأفكار الإبداعية وتسويقها لجذب الجمهور"، لافتاً إلى القاعدة الصلبة التي تقف عليها شبوة كمحافظة تشكل نصف حضارة اليمن القديم، إضافة إلى "تميز حضارتها في العصور الإسلامية، وموروثها الشعبي والتقليدي الزاخر، ومن ذلك استمدت وهجها الثقافي والإبداعي الخلاق".

عودة المسرح

وتميزت النسخة الخامسة من مهرجان الفنون بإضافة لافتة تمثلت في عرض مسرحي فريد هو الأول من نوعه منذ سنوات طويلة، لاقى استحسان الجمهور واهتمامه، نظراً إلى ندرة حضور الفن المسرحي في مثل هذه الفعاليات.

وكان بطل هذا العمل المسرحي ومخرجه محمود حقاش، الذي نجح في كسر الجمود الذي يعانيه المسرح في شبوة واليمن عموماً، من بلدة بيحان الواقعة في أقصى غرب المحافظة، أصر حقاش على مشاركة الفرقة الفنية التابعة لمكتب الثقافة التي يترأسها، ليقدم هذا العرض المسرحي كإضافة نوعية للمهرجان.

ويقول حقاش "نحن نعيش مرحلة إعادة إحياء الفرقة الفنية لمكتب ثقافة بيحان بعد موت سريري تعرضت له بعد حرب 1994، التي كانت من نتائجها مصادرة مسرح الفرقة وإنهاء أعمالها".

ويضيف المخرج المسرحي "خلال العقود الثلاثة الماضية توقفت الأعمال المسرحية والفنية، وتراجعت الحركة الفنية والثقافية بصورة كبيرة، وتراجع دور الدولة والمجتمع الأهلي في دعم الثقافة والفن والتراث، وطوال هذه السنوات فقدنا كثيراً من الفنانين في مختلف مجالات الفنون من الموسيقى والغناء والفن التشكيلي والتمثيل والمسرح".

 ثورة ثقافية

وتابع "غمرت الفرحة عشرات الفنانين والموهوبين وعشاق الفن والموسيقى والتراث بهذا الحراك الثقافي، وبدأنا بإقامة عدد من الحفلات الفنية في المديرية خلال الأشهر الماضية، ولاقت ترحيباً واستحساناً كبيراً من الجمهور".

لأجلك يا وطن

عن التجربة المسرحية "لأجلك ياوطن" يوضح حقاش "العمل المسرحي فن إنساني خلاق، ويحمل رسالة سامية، وهذا ما جعلنا نختار مسرحية ذات طابع تراثي وريفي، وتطرقت إلى نقد عدد من الظواهر المجتمعية السلبية السائدة في المجتمع مثل الزواج المبكر والرشوة والتسيب الوظيفي وإطلاق الرصاص الحي في الأسواق وحفلات الزواج وغيرها، وأضفنا للمسرحية جزءاً من الفلكلور الشعبي للمنطقة، مما جعلها أكثر قبولاً واستحساناً لدى المشاهد".
 
 وعن واقع حال الفن المسرحي بالمحافظة أشار إلى أن "الفن المسرحي يختلف عن أشكال الفن الأخرى خصوصاً في محافظتنا شبوة، ولم يتقدم كثيراً موازنة ببقية الفنون، فهناك كثير من المصاعب التي تقف في الطريق كمعوقات أهمها الافتقار إلى النص المسرحي الجيد، وتقاعد كبار السن من الممثلين، وعدم قدرة بعض منهم على التفرغ للعمل المسرحي نتيجة لظروف عملهم، وإجمالاً عمل الفرقة تطوعياً من دون مقابل مادي في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة يعانيها المواطن خلال السنوات الأخيرة لا سيما بعد انهيار العملة الوطنية الريال اليمني".
 
جمال شنيتر،  صحافي ومراسل تلفزيوني