رحيل فرحان بلبل... نهاية مسيرة عطاء في الأدب والمسرح
رحل الكاتب والناقد المسرحي السوري فرحان بلبل عن عمر ناهز 88 عاماً، الجمعة، بحسب ما أعلنه نجله الفنان والممثل السوري نوار بلبل عبر حسابه على "فيسبوك".
وُلد الكاتب فرحان بلبل في حي شعبي في مدينة حمص عام 1937 لأسرة تتوارث العلوم الدينية الإسلامية، لكنه عاش حياة قاسية إلى حدّ ما، فتوفي والده وعمره سبعة أشهر، ثم توفي جده بعدها بشهر واحد، وعند بلوغه الخامسة وُضع هو وإخوته في الميتم الإسلامي بمدينة حمص، وعاش تحت رعاية أخيه الأكبر.
وبعد أن نال الشهادة الابتدائية في ظل الظروف الصعبة ومن ثم الشهادة الثانوية، انتقل إلى العاصمة دمشق ليكمل الدراسة الجامعية فيها، حيث قاده شغفه بالأدب إلى دراسة اللغة العربية، فكان نهماً للثقافة بجميع أقسامها، ودرس التراث العربي والشعر والفلسفة من العهد اليوناني حتى العصور الحديثة، واهتم بفلسفة أرسطو والوجودية والماركسية، وتابع الأدب الغربي والأدب المعاصر، خاصة الأدب في مصر.
وتخرج الراحل من الجامعة سنة 1960، ليدرس اللغة العربية لطلاب المرحلة الثانوية في تلك الفترة، وبعدها بدأ باستخدام الذخيرة اللغوية والثقافية لديه في الشعر والقصة والنقد الأدبي، ثم عكف على دراسة المسرح وفنونه وتاريخه، وألم بشكل كبير بالمسرح الأوروبي معتمداً على الترجمات في هذا المجال، ليكون لديه أيضاً إلمام بهذا المجال منقطع النظير.
بدأ فرحان بلبل مسيرته في المسرح بالكتابة، واعتبر كل المسرحيات التي كتبها قبل مسرحية "الجدران القرمزية" عام 1969، التي بلغ عددها 13 مسرحية، تدريباً. بعدها شكل فريقاً مسرحياً في أحد الأندية الفنية، وقدم عدداً من المسرحيات ذات الفصل الواحد. ثمّ طور خبراته ليدرس فن الإخراج والتمثيل، ليخرج مسرحية بعنوان "الحفلة دارت في الحارة"، لاقت قبولاً واستحساناً واسعاً من الجمهور والنقاد، وكان يرتكز على أن الجمهور هو الأستاذ الأول والناقد.
وفي سنة 1973، شكّل فرقة المسرح العمالي في حمص، ضمن اتحاد عمال حمص، واستمرت الفرقة في العمل حتى عام 2011، لتكون واحدة من أطول الفرق المسرحية عمراً في التاريخ السوري، وقدمت عروضها في مختلف المدن السورية، ونشرت الثقافة المسرحية خلال ندوات ونقاشات وعروض لها.
وكتب الراحل 44 مسرحية، نُشر منها 32 في كل من لبنان وسورية ومصر والإمارات. كما اهتم بمسرح الطفل، وألف 15 كتاباً نقدياً، منها "المسرح العربي المعاصر في مواجهة الحياة" و"من التقليد إلى التجديد في الأدب المسرحي السوري" وأعاد صياغة كتاب "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري، ليكون أكثر سلاسة لقراءة الجمهور المعاصر.
وعمل خلال فترة امتدت ما بين 1986 و2011 أستاذاً لمادة الإلقاء المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، ونشر كتاباً بعنوان "أصول الإلقاء المسرحي"، وكُرّم في عدة دول عربية ومؤسسات ثقافية تقديرًا لإسهاماته في المسرح والأدب، ليضع بصمته واحداً من أبرز كتاب ومخرجي وناقدي المسرح في سورية والعالم العربي، بإرث كبير من الأعمال الأدبية.
رأى فرحان بلبل المسرح أداة للدفاع عن الإنسانية والكرامة والحق في الحياة، ووسيلة لمحاربة الفساد والتخلف، سواء في مسرحيات من كتابته أو إخراجه، ومن أشهر مسرحياته "الجدران القرمزية" التي تناولت قضية اللاجئين الفلسطينيين، إضافةً إلى مسرحية "لا تنظر من ثقب الباب" التي كانت مثيرة للجدل في حلب.
ترك الراحل إرثاً ثقافياً كبيراً للمسرح السوري والعربي، إن كان في الكتابة والإخراج أو في النقد، ودأب على مناصرة الإنسانية والانتفاض على القيود بأشكالها، لتكون رسالته بأن الإنسان حرّ بكينونته، يرفض القيود ويكسرها بإبداعه وفكره.