Logo

توريث الفن والإبداع القضية المنظورة أمام محكمة الجمهور

 المواهب الإبداعية لا يمكن تُوريثها بقرار من الأب أو الأم ، وإنما في حالات قليلة ونادرة يكتسبها الأبناء الحاملين للجينات الفنية أو المُكتسبين إياها بالمُعايشة والتأثر الطبيعي ،

 تلك الإشكالية أثير حولها جدلاً واسعاً على مدى سنوات ولم يخرج أحداً فيها بنظرية ثابتة تُفيد أو تنفي وراثة أبناء الفنانين والمُبدعين بشكل قاطع للصفات الإبداعية . 

ولأن الغايات تتحكم أحياناً في ميول الشخص المُتطلع ورغباته ، يلجأ الكثير من الأبناء لتقليد آبائهم بغية الشهرة والانتشار دون أن يكونوا موهوبين ومِؤهلين للعمل في المهن الإبداعية كالتمثيل والغناء والإخراج والتصوير وغيرها من المجالات التي تتطلب مواهب فطرية حقيقية يستند إليها الطامح في الشهرة والتميز بغير مساعدة أو دعم أو محاولة فرضه قسراً على مجالات فنية لا علاقة له بها . 

وربما يأتي التمثيل في مقدمة المهن التي تُعاني من مشاكل المحسوبية والوساطة لأنه لا يحتاج لمجهود استثنائي من جانب الوجه الجديد كي يُشارك في مسلسل أو فيلم ، اللهم بعض التدريبات والتوجيهات البسيطة من المخرج ، بعدها يُصبح في مواجهة صريحة مع الجمهور ، 

وبحسب الظروف والأقدار إما النجاح وإما الفشل ، فإذا لاقى قبولاً على مستوى الشكل والروح والأداء كُتب له الاستمرار ، وإن أخفق وفشل في إقناع الجمهور به بات عبئاً ثقيلاً يصعب التخلص منه .

والتمثيل بصفة خاصة يُمكن تمرير الأخطاء فيه بسهوله ، فالمُستقبل لأداء المُمثل من المُتفرجين العاديين ليس مُتخصصاً أكاديمياً يُمكنه اكتشاف العيوب ، ومن ثم فكثير من عديمي الموهبة يمرون مرور الكرام وتتحقق لهم الشهرة بلا استحقاق ، 

وهناك العشرات من الأسماء التي فُرضت فرضاً على الساحة الفنية من أبناء الفنانين والنجوم في غفلة من الزمن ، وبمُضي الوقت اكتسبوا أرضية وحصلوا على شعبية كبيرة بتكرار ظهورهم وأصبح وجودهم أمر واقع مُسلم به بلا اعتراض ! 

هذا بالنسبة لمن لا يتمتعون بالموهبة ولم يرثوا عن آبائهم موهبة الإبداع ، لكن هناك بكل تأكيد من يمتلك العلم والموهبة ، خاصة الجيل القديم من المخرجين وكُتاب السيناريو والمُمثلين ، فلا يُمكن مثلاً إنكار عبقرية مخرج كبير مثل علي بدرخان ابن المخرج الكبير الرائد أحمد بدرخان .

وكذلك المخرج شريف عرفه ، ابن المخرج سعد عرفه ومحمد أبو سيف ابن المخرج صلاح أبو سيف والمخرج علي عبد الخالق ابن الممثل القدير صالح عبد الخالق ووالد المخرج الشاب هشام عبد الخالق ،

 فهؤلاء درسوا واجتهدوا وخاضوا معارك حقيقية في سبيل إثبات وجودهم حتى تمكنوا من انتزاع الاعتراف بهم كمخرجين كبار وأصحاب مشروعات سينمائية وأعمال إبداعية على مستوى عظيم من الأهمية . 

على سبيل المثال لا يُمكن إغفال تميز فيلم مثل الكرنك أو أهل القمة أو الجوع لعلي بدرخان ، أو أفلام مثل أغنية على الممر وإعدام ميت والعار لعلي عبد الخالق ، أو أفلام مهمة كالنوم في العسل والمنسي واضحك الصورة تطلع حلوة واللعب مع الكبار وسمع هُس والإرهاب والكباب والكنز 1 والكنز 2 لشريف عرفه ، فكل هذه النوعيات من الأعمال تؤكد موهبة أصحابها الذين دخلوا المجال السينمائي بمواهبهم دونما الحاجة إلى وساطة أو قوة دفع من قريب أو بعيد .

لذلك ظلوا هم وأشباههم ممن احترفوا التمثيل اقتداءً بأهلهم وذويهم ، كهالة فاخر ابنة الفنان الكبير فاخر فاخر و أحمد عبد الوارث ابن الفنان المُعلم عبد الوارث عسر وعبد الله غيث شقيق الفنان حمدي غيث وليلى مراد ابنة الفنان زكي مراد ، فجميعهم تمكنوا بعد تجارب عديدة من الوصول إلى قمة المجد والشهرة بجهودهم الشخصية فحُفرت أسمائهم في ذاكرة الجمهور ودخلوا التاريخ الفني من أصعب الأبواب . 

أما الآن فهناك الكثير من المُنتمين لفن الإخراج والتمثيل مجازاً بحُكم صلة القرابة أو النسب أو الجيرة ، هؤلاء عاطلين عن أي إبداع لا يملكون ما يقنعون به الغير من الموهبة ولو في حدودها المتوسطة ، غير أنهم شبوا فوجدوا أنفسهم مع أهلهم تحت الأضواء ، وبالسطوة والنفوذ والعلاقات العامة القوية صاروا فنانين لهم شعبية وجماهيرية بلا حيثية إبداعية تُبرر ما وصلوا إليه .

تلك هي الأزمة في عدم وجود نوابغ ومُجددين في مُعظم النواحي الفنية لأن القفز على المواقع وتصدر المشهد بالدعاية والإعلان من الممكن أن يحول الشخص العادي إلى نجم مشهور ، لكن أبداً لا يُحقق له النجاح ولا يضمن له الاستمرار .

 النماذج المعنية بهذا الوصف كثيرة ، لا يفرق بينهم طابع مُعين في الأداء التمثيلي ولا في المدرسة الإخراجية ولا الجُملة الحوارية المكتوبة في سيناريو جيد ، وإنما هم مجرد كمالة عدد يزاحمون الموهوبين ويقتنصون فرصهم بغير حق ، فقط يصلون إلى ما يرجونه بالاعتماد على أسماء الآباء والأمهات من الفنانين والفنانات ، الأحياء منهم والأموات !

 كمال القاضي
كاتب مصري