ما هي الحياة؟
ما هي الحياة؟
سؤال قد نبحث عن إجابته في مجالات شتى. يمكن البحث في مجال العلوم الطبيعية من بيولوجيا وكيمياء وربما فيزياء عن إجابة لهذا السؤال، وهذا ما قدمه عالم الفيزياء إرفين شرودنجر في كتابه "ما الحياة؟..
الجانب الفيزيائي للخلية الحية"، حيث خلص إلى أننا، من خلال كل ما تعلمناه عن تركيب المادة الحية، يجب أن نكون مستعدين لأن نجدها تعمل بأسلوب لا يمكن اختزاله في قوانين الفيزياء المعتادة.
فالأحداث المتكشفة في دورة حياة الكائن الحي تظهر نظاماً وانتظاماً مثيرين للإعجاب، ليس لهما نظير في عالم المادة الجامدة.
إننا نجد الكائن الحي محكوماً بمجموعة من الذرات الفائقة التنظيم، التي تمثِّل جزءاً صغيراً جداً فقط من إجمالي ما تحتويه كل خلية.
وهكذا "يبدو الكائن الحي أروع تحفة فنية أنجزت في ضوء ميكانيكا الكم الخاصة بالرب".
وقد بحث الفيلسوف والكاتب المصري مصطفى محمود عن معنى الحياة في كتابيه لغز الحياة ولغز الموت، مستخدماً العلوم الطبيعية إلى جانب الفلسفة والرياضيات والفكر بشكل عام.
وخلص إلى أن حقيقة الحياة غير معروفة؛ إنها حركة دبت في المادة، حركة واعية هادفة حرة، وطبيعة هذه الحركة لا يعرفها أحد، لكنها أبداً ليست الجثة على أي حال.
والغريب أن محمود، في بحثه عن سؤال الحياة، بدأ بالموت أولاً في كتاب لغز الموت الصادر عام 1958، ثم ألحقه بكتاب لغز الحياة عام 1967.
وربط الموت بالحياة أمر بديهي؛ لأنَّ الموت هو الضد الذي نعرف به معنى الحياة أو هكذا نظن!
وربط الموت بالحياة أمر بديهي؛ لأنَّ الموت هو الضد الذي نعرف به معنى الحياة أو هكذا نظن! وعلى الرغم من ذلك، فقد قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش: "الحياة التي لا تُعرَّف إلا بضد الموت.. ليست حياة!"
ولو بحثنا عن إجابة سؤال الحياة في الفلسفة، فسنجد إجابات مختلفة عما نجده في العلوم؛ فالحياة عند الفيلسوف اليوناني أبيقور تستحق أن تعاش، وعلى الإنسان أن يبحث عن المتعة واللذة (عش اللحظة الحاضرة). بينما ترى الرواقية أنه يجب تقبل الحياة كما هي.
ويرى الفيلسوف الألماني جورج هيغل أن الحياة لم توجد من أجل السعادة، بل لتحقيق الأعمال وإنجازها، في حين يراها الفيلسوف أرتور شوبنهاو شراً مطلقاً.
أما العدميون كنيتشه فيرون الحياة بلا معنى، ومع ذلك فقد عدها نزاعاً والبقاء فيها للأصلح. وعند الوجوديين، رأى الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو الحياة مجرد عبث، بينما اعتبرها الفيلسوف جون بول سارتر حرية للفرد، لكنها حرية تحمله مسؤولية اختياراته.
ولو تتبعنا كل الآراء حول الحياة، لاحتجنا إلى مجلدات. وما هذه السطور إلا شذرات من هنا وهناك. في حقيقة الأمر، كل طائفة من الناس ترى الحياة من زاويتها الخاصة؛ فالشعراء يرونها قصيدة،
كما قال الشاعر المهجري إيليا أبو ماضي: "إن الحياةَ قصيدة، أعمارنا / أبياتُها والموتُ فيها القافية".
والفنان التشكيلي يراها لوحة جميلة أو قبيحة بحسب نفسيته. والملحن يراها نغمات تتنوع تبعاً لما جهزته الأقدار المكتوبة على "نوتة" الحياة قبل مجيئنا.
والتاجر المتمرس يراها صفقة رائجة يجب أن يكسبها، فتجده منافساً في ميدانها كل الخصوم.
أما السياسي فيعتبرها مغامرة محفوفة بالمخاطر، وكأنها انتخابات لا يعرف نتائجها. والزاهد يراها اختباراً طويل الأمد من إله العالمين لعباده.
أمّا أنا فقد كتبتُ ذات زمن: ما أعظم الحياة من جامعة شاملة، موادها حية، ولا تنتهي الدراسة فيها، بل لكل وقت دروسه. ومع مرور الزمن تتبدل الوجوه، وتسقط الأقنعة، وتبرز المواقف معبرة أصدق تعبير عن أصحابها.
فتمر السنوات وكأنها "مبرد" يصقل الحقائق، حتى إذا ما انتهى العمر وقفنا "عارين" من كل حجبنا وأقنعتنا أمام الحي القيوم، وقد بدت حقيقتنا جلية.
فسبحان مَن له الأمر من قبلُ ومن بعد.
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية