Logo

عبدالله البردوني… معرّي اليمن!!

 لم تكن الإعاقة الجسدية يومًا عائقًا أمام الإبداع والتميّز، فهناك الكثير من العلماء والأدباء الذين أثروا الساحة بعلمهم ومؤلفاتهم رغم معاناتهم الجسدية.
 
ومن هؤلاء الشاعر اليمني عبدالله البردوني، الذي لُقّب بـ “مِعرّي اليمن” نسبةً إلى الشاعر الأعمى أبي العلاء المعري. وُلد عام 1929م في قرية البَرْدون باليمن، وفي السادسة من عمره أصيب بالعمى بسبب مرض الجدري، وتوفي في أغسطس 1999م.
 
تذوّق الشعر في سن الثالثة عشرة، وانكبّ يحفظ ما يروق له من قصائد، وينظم ما تجود به قريحته. درس في جامع صنعاء الكبير، ثم انتقل في بداية الأربعينيات إلى دار العلوم وتخرج فيها بدرجة إجازة العلوم الشرعية والتفوّق اللغوي.
 
تألّق البردوني رغم وجود شعراء كبار في عصره مثل نزار قباني، ومظفر النواب، ومحمود درويش، وسميح القاسم.

 وخلال أحد المهرجانات الشعرية في مدينة الموصل بالعراق في سبعينيات القرن الماضي، استطاع أن يحصد الإعجاب بشعره وصوته المميز رغم آثار الجدري على وجهه، لا سيما عندما ألقى قصيدته الشهيرة “أبو تمام وعروبة اليوم” التي عارض فيها الشاعر العباسي أبا تمام، وكانت تلك القصيدة بداية شهرته العربية الواسعة.
 
صدر له أول ديوان شعري عام 1961م بعنوان «من أرض بلقيس»، كما أعدّ أحد أشهر البرامج الإذاعية في إذاعة صنعاء بعنوان «مجلة الفكر والأدب». وكان أول من أسّس اتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين، وتولى رئاسته الأولى.
 
ومن مواقفه الخالدة معارضته الشجاعة لغزو العراق للكويت عام 1990م، حيث كتب قصيدته «تميمية تبحث عن بني تميم»، التي صوّر فيها مأساة الأمة العربية آنذاك، وقال في مطلعها:
 
يا مُنَدَّى، لي واحةٌ في (حَوَلِّي)… قُل لها: ما الذي؟ وكيف؟ وقل لي
 
ومن الطرائف التي تُروى عنه، ما حدث بينه وبين نزار قباني بعد انتهاء قراءة البردوني لقصيدته في الموصل، إذ قال له نزار:
 
نعتذر يا أستاذ عبدالله لأننا قرأنا قصائدنا وأنت في المجلس.
 
فأجابه البردوني: ولماذا تعتذر؟
 
قال نزار: لأنك قلتَ كل ما نريد قوله ولم نقدر.
 
فسأله البردوني: من أنت؟
 
قال نزار: أنا نَزار.
 
فقال له البردوني مبتسمًا: قل نِزار لا نَزار، لأن النَّزْر هو الشيء القليل.
 
فضحك نزار وقال: اليوم عرفت اسمي!
 
قدّم البردوني للمكتبة العربية عددًا من الدواوين، منها: «طريق الفجر» (بيروت – 1967م)، و*«السفر إلى الأيام الخضر»* (دمشق – 1974م)، و*«فنون الأدب الشعبي في اليمن»* (1982م). ومن مؤلفاته النقدية: «رحلة في الشعر اليمني قديمه وحديثه» (1972م)، و*«قضايا يمنية»* (1977م).
 
نال البردوني العديد من الجوائز العربية والدولية، منها جائزة أبي تمام بالعراق (1971م)، وجائزة شوقي في القاهرة (1981م)، وجائزة اليونسكو، ودرع مهرجان جرش الأردني (1984م).
 
رحل البردوني، لكن شعره بقي شاهدًا على أن البصيرة أعمق من البصر، وأن الكلمة الصادقة قادرة على أن تُبصر طريقها إلى قلوب الناس مهما غاب النور عن العيون.

* د. بكري معتوق عساس