"قلعة صيرة" تشكو الشيخوخة... بعد حراسة عدن لقرون
لم تكن نتائج الصراع الدامي في اليمن مقتصرة على أوضاع البلاد السياسية والإنسانية فحسب، فآثار التصدع امتدت لتطال أركان المعالم التاريخية وأسواره الأثرية في البلد الغني بإرثه الإنساني الزاخر.
وعندما انشغلت السلطات المتعاقبة بتمويل أحداث تجاذباتها السياسية المختلفة، كان لا بد لقلعة "صيرة" التاريخية في مدينة عدن اليمنية (جنوب) أن تحني رأسها شاكية عقوداً طويلة من الإهمال وعوامل الحرب والتعرية التي تتهدد مكانة المعلم الشامخ الذي يزين الجانب الشرقي للمدينة الساحلية، وهي بهذا تقدم نموذجاً لمئات المعالم الأخرى التي يتهددها الاندثار والضياع.
أخيراً تزايدت التحذيرات والمناشدات التي أطلقها سكان ومؤرخون ونشطاء بشأن الحال التي وصلتها، وطالبوا باتخاذ إجراءات للحفاظ على القلعة التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الـ11 بعدما ظهرت عليها علامات التدهور لغياب الصيانة من خلال تصدعات في أسوارها تهدد بناءها الحجري المنتصب على قمة بركانية صخرية في جزيرة صيرة لما تمثله من رمزية حضارية تطل على ميناء المدينة القديم وخليج عدن.
خطوة وأخرى
نقلنا هذه التحذيرات إلى سفير اليمن لدى منظمة العلم والثقافة الـ"يونيسكو" محمد جميح، الذي قال إن العمل جار لإنجاز مشروعين يختصان بترميم القلعة.
وأوضح لـ"اندبندنت عربية" أن المشروع الأول يُعنى برفع الأحجار الآيلة للسقوط التي تتهدد الزوار والمارة أسفل القلعة، فيما المشروع الآخر المقدم من وزارة الخارجية الأميركية وتنفذه مؤسسة هيريتج فور بيس الإسبانية وقيمته 290 ألف دولار يشمل إجراء أعمال الترميم على البوابة الرئيسة وجدران القلعة الداخلية ورفع الأنقاض التي خلفها تهدم المتحف التابع للقلعة جراء الحرب الحوثية الأخيرة.
وأشار إلى أن عمليات الترميم ستستمر حتى تشمل كل الجوانب في حال توفر التمويل اللازم خصوصاً والمبلغ المقدم من الولايات المتحدة استقطع جزءاً منه لتمويل حملات توعية في المدارس إضافة لدعم بريطاني آخر خصص لتدريب العمال والمهندسين المكلفين بترميم القلعة ولهذا تواجه مثل هذه المشاريع "شح التمويل كمعضلة دائمة".
خشية الروتين
على رغم من تلك الإجراءات فإن مخاوف المهتمين تزايدت أخيراً من بطء المعالجات اللازمة خصوصاً وأعمال الصيانة تمر بروتين طويل مرتبط بالدعم الدولي والتنفيذ بمعايير تراثية مطابقة للمبنى الأصلي في ظل ظروف الصراع؛
ولهذا يحذر خبراء في الآثار من التأخر في إنجاز عملية الترميم الكامل للقلعة التي يحيط بها البحر من جميع الاتجاهات وتقع على ارتفاع 430 قدماً فوق مستوى سطح البحر.
والقلعة مبنى عسكري بني من الحجر البركاني بسمك عريض جداً محصنة بأبراج وتحصينات منيعة، وكانت قديماً ترتبط بسور عدن، كما تضم بئراً تاريخية تسمى بئر الهرامسة ومهمتها مراقبة حركة السفن المقبلة والخارجة من وإلى ميناء عدن.
وتتكون من برجين أسطوانيين متساويين في الارتفاع يفصل بينهما المدخل الرئيس الواقع في الجهة الغربية للحصن، وفي البرجين فتحتان كبيرتان وفتحات صغيرة عبارة عن فوهات تضيق في المقدمة وتتسع للداخل بحيث تسمح بحرية الحركة للمرابط عليها والتصويب بدقة.
وعلى رغم تدهور حالتها، فإن القادم إلى مدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية الشرعية عاصمة موقتة للبلاد بدلاً من صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، يحرص على زيارة القلعة التي ظلت واجهة سياحية مميزة بفضل مكانتها وموقعها البري والبحري المميز لتغدو رمزاً لأهمية عدن التاريخية كمركز للتجارة البحرية والدفاع خلال حقب زمنية مختلفة أدت فيها دوراً دفاعياً في حياة تاريخ المدينة التي تشكلت من خلالها التحصينات الدفاعية في الجبل.
ومن فوهات نيرانها، تم صد كثير من الهجمات والغزوات التي سعت إلى السيطرة على المدينة حتى أضحت في الحكي الأدبي والثقافي رمزاً للصمود أمام هجمات الغزاة والطامعين للسيطرة على الميناء الاستراتيجي كان آخرها معركة التصدي التي خاضها سكان عدن للدفاع عن المدينة بأسلحتهم التقليدية المتواضعة في وجه الاحتلال البريطاني في 19 يناير (كانون الثاني) 1839.
وعقب دحر ميليشيات الحوثي من المدينة في عام 2016 أعيد افتتاحها أمام الزوار الذين تمتلئ بهم منذ الصباح وحتى لحظة الغروب.
توفيق الشنواح
صحافي يمني