Logo

مئوية "في الشعر الجاهلي".. أسئلة لم تحسمها الثقافة العربية

 لم ينته الجدل حول كتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي" بعد مئة عامٍ على صدوره، وما زالت المنطقة العربية عالقة في سجالات مشابهة حول علاقة الدين بالسياسة، والعلاقة مع التراث.

 ما يفتح باباً للنقاش حول إعلان معرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته السابعة والخمسين، مطلع العام المقبل؛ الاحتفاء بالكتاب، إلى جانب اختيار نجيب محفوظ شخصيةً للمعرض.

صدر الكتاب بطبعته الأولى عام 1926، ولم تحسم الثقافة العربية أيّاً من تلك الأسئلة التي اقترحها، وابتكر طه حسين أفقها. 

ومن بين الأسئلة التي أثارها العلاقة مع التراث وكيفيّة قراءته. إذ عدا عن مقولاته نفسها، قدّم الكتاب قراءةً ديكارتية تعتمد الشك والتحقيق لتفكيك السرديات المستقرة. 

وهو من الكتب المؤسسة لمنهج البحث العلمي في ما يخصّ اللغة العربية ودعوته إلى الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي، وقد صدر ضمن محاولات لإنجاز أدبيات تُحقّق نهضة عربية، في بلدان كانت تخرج من حكم عثماني استمر أربعة قرون، وتبحث عن هوية تمثلها، مع بدايات الاستعمار الحديث.

جعلت هذه الصراعاتُ إصدارَ الكتاب ساحةً لتفسيرات أيديولوجية، مع الإشارة إلى أنّ صدوره كان بعد سنة من إصدار كتاب "الإسلام وأصول الحكم"، الذي رأى مؤلفه، شيخ الأزهر علي عبد الرازق، أن الخلافة الإسلامية ليست من أصول الدين، مميّزاً بين الإسلام ديناً روحياً، وبين السياسة باعتبارها شأناً دنيوياً.

في ذلك الجوّ النقدي الذي كان يطرح أسئلةً جوهرية في صلب مشروع النهضة، صدر كتاب طه حسين. 

ومقولة الكتاب الجوهرية هي الشكّ في صحة الشعر الجاهلي، ورؤيته بأن هذا الشعر موضوعٌ انتحله المسلمون بعد الفتح ونسبوه إلى الشعراء الجاهليين لأسباب سياسية أو قبلية، 

مع ما ينطوي عليه هذا القول من عدم الاعتراف بصحة النصوص التي وصلت من الشعر الجاهلي، والشك بما تمثله تاريخياً. 

ويعتمد طه حسين في هذا القول على اللغة نفسها في مسألة التدوين، باعتبار أن التدوين حدث في عصور لاحقة للجاهلية، في العهد الإسلامي، 

واعتمدت فيه اللغة الفصحى، أي لغة القرآن الكريم. في حين كان لكل قبيلة في الجاهلية لغتها وشاعرها ومذهبها في الكلام، حتى أن الشعر كان حيّزاً يظهر فيه اختلاف اللهجات بين القبائل، قبل أن تُفرض لغةٌ واحدة على الشعر الجاهلي عند تدوينه.

هذا جانب من طروحات طه حسين. إلا أن إصدار الكتاب تحوّل إلى معركة حزبية دفعت، في ذروتها، سعد زغلول إلى التهديد بالاستقالة من البرلمان، كي يُسحب الاستجواب الذي قدّمه نواب من حزب الوفد، بسبب ما كان يمثله طه حسين باعتباره عضواً في حزب الأحرار. 

إضافةً إلى تقديم صحافيين مذكرات بحق طه حسين، وقد سُحب الكتاب من الأسواق، وصدر في طبعة حذفت منها بعض المقاطع الإشكالية، ثم أعاد نشره بعنوان "في الأدب الجاهلي" عام 1927.
 
مع ذلك، استمر السجال، وأُلفت كتب في الرد على طروحاته، من بينها: "تحت راية القرآن: المعركة بين القديم والجديد" لمصطفى صادق الرافعي، و"نقض كتاب في الشعر الجاهلي" لمحمد الخضر حسين، و"نقد كتاب في الشعر الجاهلي" لمحمد فريد وجدي، و"النقد التحليلي لكتاب في الأدب الجاهلي" لمحمد أحمد الغمراوي، و"الشهاب الراصد" لمحمد لطفي جمعة.

كذلك حملت واقعة "في الشعر الجاهلي" إلى التقاليد الثقافية العربية وجهاً آخر، غائباً اليوم، ويمثله قاضي النيابة الذي حقّق مع طه حسين، وهو النائب محمد نور. 

وقد اكتشف الروائي المصري خيري شلبي هذه المرافعة، مصادفة، ونشر وقائعها في كتاب "محاكمة طه حسين"، 

إذ اضطر القضاء المصري، لكثرة البلاغات ضد الكتاب ومؤلفه، إلى حسم تلك المعركة، وبرّأ القاضي طه حسين بلغة النقد الأدبي.

يمكن أن يكون احتفاء المعرض بمئوية الكتاب فرصةً لإعادة طباعته، مع الردود عليه، والوثائق التي رافقت تلك المعارك ووسمت تلك الفترة.

سومر شحادة
روائي من سورية