اليمن تودع عبد العزيز المقالح.. "مات عصرٌ وزمان"

 يعد عبد العزيز المقالح رائد القصيدة اليمنية المعاصرة، وتدين له أجيال من شعراء اليمن الشباب بالأبوة الرمزية، وهو يعد من أبرز الأدباء اليمنيين الذي لهم حضور وحظوة كبيرة في الوطن العربي.

ولد المقالح عام 1937 في قرية المقالح بمحافظة إب اليمنية، وبدأ كتابة الشعر عندما بلغ الــ 14 من عمره. تميزت كتابته بشيء من الكلاسيكية، لكنها سرعان ما انفتحت على الحداثة. عرف عنه كتابته لقصيدة «أن يحرمونا يا حبيب الغرام» وتغنى بها الفنان اليمني أحمد فتحي.

كان المقالح إنساناً بكامل لياقته الأخلاقية، متمتعاً بسمات المبدع، الذي يفيض تسامحاً وتعاطفاً، ملتزماً القيم العليا في علاقته بكل من حوله، بما فيها الأفكار والقضايا، ولهذا تجرع في سبيل مواقفه متاعب كثيرة، ليس أولها مطالبته من قبل نظام السادات بمغادرة مصر عاجلاً في السبعينيات عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

يُعتبر المقالح من أبرز الأكاديميين اليمنيين من جيل الرواد، خاصة بترأسه لجامعة صنعاء، بين 1982 و2001، خلال الفترة 1982- 2001، وبقي رئيسا لمركز الدراسات والبحوث اليمني والمجمع اللغوي اليمني حتى وفاته.

كما كان عضو المجمع اللغوي في القاهرة ودمشق، وعضو مجلس أمناء "مركز دراسات الوحدة العربية" في بيروت، وعضو الهيئة الاستشارية لمشروع «كتاب في جريدة».

حصل على جائرة (اللوتس) عام 1986، ونال وسام الفنون والآداب من عدن عام 1980، وحصل على جائزة الثقافة العربية من منظمة (اليونسكو) باريس عام 2002، وحصل على وسام الفارس من الدرجة الأولى في الآداب والفنون من الحكومة الفرنسية عام 2003، وجائزة الثقافة العربية من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألسكو) عام 2004، كما نال جائزة العويس في الشعر عام 2010.

المقالح الشاعر والأديب 

يعد المقالح أحد رواد الحداثة الشعرية العربية في العصر الحديث، وأصدر عشرات الدواوين الشعرية والكتب والمؤلفات الأدبية والنقدية التي ترجم معظمها إلى لغات عالمية عدة، وأعدت عن تجربته الأدبية عشرات الدراسات والأطروحات في عديد من الجامعات العربية والأجنبية.

للمقالح 33 إصداراً أدبياً وشعرياً وتاريخياً وفكرياً، رفد بها المكتبة اليمنية والعربية، كما أن له المئات من الدراسات والأبحاث المنشورة، ومئات التقريظات للعديد من الأعمال لمؤلفين وباحثين يمنيين وغير يمنيين، وجمع بين الأصالة والمعاصرة في مذهبه الشعري في وقت مبكر، ولهذا كُتبت عنه العشرات من الدراسات التي تناولت إبداعه.

مرت تجربة عبد العزيز المقالح الشعرية، التي انطلقت في عقد الستينيات بعدد من المراحل، ظلت تتطور متجاوزاً الكلاسيكية إلى رحاب الحداثة في علاقته التقنية والموضوعية بالرؤية الشعرية. وتميزت تجربته بقدرته على الاستفادة من موروث عربي زاخر، في صوغ الصورة وإنتاج الدلالة، تعبيراً عن حالته وموقفه من الحياة وما يمور فيها، بدءاً من وطنه وانتهاء بإنسانيته الكبيرة.. فكانت تجربته متميزة كثيراً في علاقتها الحداثية بقصيدة التفعيلة، التي برز اسماً كبيراً في ميدانها، كما تغنى ببعض قصائده عدد من أصوات الأغنية اليمنية أمثال أبو بكر سالم وأحمد فتحي وغيرهما. وتمثل بعض قصائده أيقونات تتردد على الألسن.

ظل صالونه الأدبي مفتوحاً في منزله ليرتاده الأدباء أسبوعياً، خاصة الأحد والأربعاء؛ وهو الصالون الذي تحتفظ ذاكرته بنقاشات ضمت عدداً كبيراً من الأدباء العرب، أبرزهم أدونيس ومحمود درويش وأحمد عبدالمعطي حجازي وكمال أبو أديب وصلاح فضل وغيرهم الكثير.

سقط الجدار

الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم الاثنين الماضي بتوقيت صنعاء، وفي الذكرى الـــ 55 ليوم الجلاء الوطني، رحل شاعر اليمن وأديبها عبد العزيز المقالح.

ونعى الراحل مسؤولون حكوميون ومثقفون وأدباء، مؤكدين مكانته الثقافية والأدبية في اليمن والعالم العربي ومنهم وزير الثقافة اليمنية الأسبق خالد الرويشان الذي وصف رحيله بالقول: "مات الدكتور عبدالعزيز المقالح.. لم يمت لوحده .. مت أنا معه .. كنا نموتُ معاً .. ماتت بلادٌ .. مات عصرٌ وزمان".

أما الشاعر والأديب اليمني سلمان القباتلي فقال  إن "رحيل المقالح هو رحيل قرن كامل من الثقافة والشعر والأدب، رحيل آخر هامة أدبية وجسر ثقافي كان يربطنا بالشعراء الكبار في الداخل والخارج كالبردوني ودرويش وغيرهم".

وأضاف: "حضرت مجلس الدكتور المقالح كثيراً وكان يحدثنا عن هذه الهامات الأدبية الكبيرة ويمدنا في تفاصيلها التي لن يدركها إلا من عايشها عن قرب، وهو اليوم يرحل عنا معلناً إغلاق باب كامل كنا ندخل منه لكثير من مدن الشعر والثقافة الأدب".

ورأى القباتلي أن المقالح "كان نموذجاً فريداً للإنسان والبسيط والأكاديمي والمثقف والمتحضر وابن الريف والثائر والمواطن"، مؤكداً أن الراحل "كان نشيطاً وصاحب عطاء متجدد كشاعر وأديب، وككاتب ومثقف، وكأكاديمي ودكتور، وهذه التجربة فريدة وجديدة وشجاعة على ابناء جيله".

وتابع: "لقد رحل المقالح وترك لنا إرثاً أدبيا وثقافياً يضاف إلى رصيد نشاطه الثقافي الكبير في حياته من الندوات والمحاضرات والأبحاث واحتضان الشعراء والأدباء. لقد كان أباً كبيراً لكل مثقف وأديب يمني، فحزننا الآن برحيله إنما لشعورنا نحن باليتم الأدبي الذي تركه، بعد أن خسرنا شاعراً وإنساناً وأباً كبيراً".

محمد الخيواني  - الميادين نت