اللغة العربية.. أين أصبحت في اليمن أصل العرب؟

 تعاني اللغة العربية مأزقاً خطراً يهدد مكانتها ويقوض قدرتها على مجابهة أخطار العولمة وثورة الاتصال الحديثة التي تلقي بظلالها وانعكاساتها مباشرةً على واقعها، وبالتأكيد الأمر نفسه ينطبق على المجتمع الناطق بها، وفي مقدّمهم المجتمع اليمني في بلاد معروفة بأنها أصل العرب.

يمكن القول إن اللغة العربية الفصحى لم تعد متداولة يمنياً إلا في الكتب. إذ يلجأ إليها الباحثون والأكاديميون في بحوثهم في قضايا اللغة. أما لغة التخاطب والحديث بين اليمنيين في الشارع أو في الجامعات فهي اللغة الدارجة، التي لا ترقى إلى اللغة العربية البسيطة، وفق تصريحات الأستاذة المساعدة في اللسانيات في جامعة صنعاء وفاء الغرباني.
 
وتعزو الغرباني السبب إلى ما تسميه "التفاخر باللغة الإنجليزية على حساب اللغة العربية"، ونتيجة لذلك "تحولت اللغة العربية إلى مزيج هجين من الألفاظ الأجنبية والعربية واللهجات المحلية، وساهم في نشر هذه الحالة بعض من يعتقدون أن التحدث بهذه الطريقة دليل على المكانة الاجتماعية الراقية ومستوى التعليم الرفيع".
 
وتتساءل الأستاذة في جامعة صنعاء: "كيف يتحدث الإنسان بالعربية وهو لا يسمع إلا العامية؟ (الانسان لا يتحدث إلا بما يسمع)، والآن أصبحت كلمات الأغاني باللهجة العامية وانتشرت بكثرة وأصبحت سائدة في الوسط اليمني".
 
على الرغم من الجهود التي بذلت لافتتاح مجمع لغوي عامي 2006 – 2007، بقيادة الراحل عبد العزيز المقالح، ونخبة من الأساتذة والباحثين في اللغة العربية، إلا أن المكتب المفتوح آنذاك أغلق من دون معرفة الأسباب.
 
ترى الغرباني أن اللغة العربية اليوم "في مرحلة موت سريري، ولولا أنها لغة القرآن لاندثرت من فترات سابقة"، وحرصاً منها على ألا تندثر اللغة أمام الأجيال القادمة، ولتكون لها بصمة في هذا المجال، فإنها ما زالت تتحين الفرصة للمشاركة في فتح المجمع اللغوي اليمني أسوة بسوريا ومصر باعتبار اليمن أصل العرب ولغتهم.
 
"أعداء" اللغة العربية 

يرى لغويون أن من أكبر العوامل التي تلحق الضرر باللغة العربية ومستقبلها استعمال اللهجات المحلية في السينما ‏والمسرح والإذاعة والتلفزيون، إذ تجمع لغة القرآن بين الشعوب العربية، والعدول عنها إلى اللهجات المحلية هو انتقاص من هذه ‏الوحدة.
 
ويقول البروفسور وأستاذ الإذاعة والتلفزيون في جامعة صنعاء محمد عبد الوهاب الفقيه إن: "من أخطر الوسائل التي تحارَب بها اللغة العربية في هذه الأيام وسائل الإعلام. ومن أكثرها خطراً البرامج الموجهة إلى الأطفال، وخصوصاً برامج «الكرتون»، التي يجري من خلالها توجيه أفكار النشء الجديد لاتباع خط ثقافي واجتماعي بعيد من الاعتزاز باللغة العربية والتمسك بقيم الدين الإسلامي".
 
ويضيف أن العامية في حياة الأمم واقع لا يمكن نكرانه، أو القفز عنه، فهي في جميع الحالات تمثل جزءاً من شخصيتنا، بسلبياتها ‏وإيجابياتها، ومع ذلك "ينبغي لنا أن نؤكد حقيقة مهمة، وهي أن العامية لا يمكن اعتبارها رافداً يغني العربية، بل قد تشوّه ‏حقيقتها، وتقوّض أعمدتها وأصولها".‏
 
من جهته، يرى أستاذ الإذاعة والتلفزيون في جامعة صنعاء محمد عبد الكافي أن اللهجات المحلية والعامية باتت مصدر تهديد لسلامة نطق الأطفال باللغة العربية، خصوصاً بعد تعمد بعض القنوات الفضائية عرض برامج الكرتون المدبلجة باللهجات العامية ومختلطة بكلمات أجنبية؛ ما أثّر في المخزون اللغوي لدى الطفل.
 
أدت وسائل الإعلام دوراً خطراً في ترسيخ هذه الفكرة الاستعراضية بالابتعاد عن الفصحى، فصورت التحدث بكلمات أجنبية على أنه دليل على "التمدن" و"الثقافة"، على النقيض ممن يتحدث الفصحى، فقدمته على أنه شخصية تقليدية وتوجهاتها الفكرية محدودة في ثقافة واحدة.
 
وحين يكون الحديث عن برامج "الكرتون"، فإننا بالضرورة نتحدث عن أكثر عناصر الإعلام الموجه إلى الطفل تشويقاً ومتابعة، وأكثرها أيضاً تأثيراً في ذهنه وعاطفته ولغته وربما سلوكه.
 
ولعل أخطر ما يمكن أن يتركه الإعلام الموجه إلى الطفل في لغته، هو مأزق الازدواجية اللغوية التي تفسد قاموسه، وتربك تفكيره اللغوي ومستويات نطقه الصوتية، ثم ينعكس ذلك لاحقاً على هوية الطفل وثقافته وسلوكه.
 
لغتنا هويتنا

إذا كانت العامية تستمد ألفاظها من ينابيع لا حصر لها، وإذا كانت وسائل الإعلام تشكل المصدر ‏الأساس لتداول الألفاظ والمفردات، فمن الأنفع استغلال هذه الوسائل - كل واحدة بحسب طبيعتها - من أجل تزويد الناس رصيداً لغوياً جديداً يساهم في ترقية لهجاتهم، أو يصحّح نطقهم للألفاظ العامية ذات الأصول العربية.‏
 
تقول سعاد سالم السبع، أستاذة مناهج اللغة العربية في جامعة صنعاء، إن: "حال اللغة العربية في اليمن لا يسرّ الخاطر، والسبب أن كثيراً من القائمين على التعليم والأمر لا يضعون في حسابهم أن اللغة هي الهوية".
 
وتضيف: "فمثلاً على المستوى المحلي يجب أن نهتم باللغة العربية على الأقل بالتخلص من التسميات في الشارع من لوحات ومسميات أماكن غير اللغة العربية، واستبدالها بالعربية ما دامت لغتنا واسعة وثرية وقادرة على احتواء جميع العلوم".
 
السبع قالت إن من المفترض أن يكون هناك قرار سياسي حازم يقضي بتوحيد لغة التعليم ومتابعة تفعليه، وأن تكون العربية في قاعات التدريس اللغة الأولى لا الثانية،بعدما حلّت مكانها اللغات الأجنبية واللهجات المحلية في كل المحافظات اليمنية.
 
وتابعت قائلة "يا للأسف، أكثر المسؤولين يفرحون بالتحدّث بلغات أخرى في تصريحاتهم وكلماتهم أمام العالم، فيما زعماء العالم جميعاً يعتزون بلغتهم يتحدثون بها، فلماذا لا نرغم العالم على احترام لغتنا وهويتنا؟".

محمد الحيواني - الميادين نت