واحات "شيخ المترجمين العرب" محمد عناني

 وُلد عناني في مدينة رشيد بمحافظة البحيرة عام 1939، وحصل على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة القاهرة عام 1959، ثم على درجة الماجستير من جامعة لندن عام 1970، وعلى درجة الدكتوراه من جامعة ريدنغ عام 1975، ثم على درجة الأستاذية عام 1986.

عمل مراقب لغة أجنبية في إذاعة "بي بي سي" في الفترة من عام 1968 إلى عام 1975. بعد عودته، عمل محاضراً في اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة منذ عام 1975 ولأكثر من 3 عقود، كذلك تولى رئاسة قسم اللغة الإنجليزية بالجامعة بين عامَي 1993 و 1999. طوال مسيرته التدريسية بالجامعة تَخرَّج على يدَي عناني الكثير من الطلاب، وأشرف على العديد من الرسائل الجامعية، إضافة إلى انتخابه خلال فترة عمله خبيراً في "مجمع اللغة العربية" بالقاهرة.

بين عامي 1986 و2003، شغل عناني موقع المحرّر العام للأعمال المترجمة بين العربية والإنكليزية في "سلسلة الأدب المعاصر" التي تقوم عليها "الهيئة المصرية العامة للكتاب"، كما أدار سلسة "الألف كتاب الثاني" التي تنشرها الهيئة.

خلال مسيرته، حاز عناني عدداً من الجوائز نذكر منها: جائزة الدولة في الآداب، جائزة الدولة في الترجمة، جائزة رفاعة الطهطاوي في الترجمة، جائزة منظمة الأليسكو للعلوم والثقافة، وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى، جائزة الملك عبد الله الدولية في الترجمة.

من أحاديث عناني الأديب 

في حوارٍ معه عام 2018 يتحدّث محمد عناني عن إنتاجه الأدبي السابق بغير رضا، ويحتفي باكتشافه الترجمة وتكريس معظم حياته لها. يقول: "أنا غير راضٍ عن معظم الشعر الذي كتبته ونشرته، وعن بعض مسرحياتي، وفي ظني أن عملي بالنقد والترجمة لفت نظري قبل أنظار الجميع إلى عيوبها. أما روايتي الوحيدة "الجزيرة الخضراء" فأنا أدرى الناس بعيوبها، وهي مزيج من التاريخ والفنتازيا، تقع أحداثها في مدينة رشيد وتنتمي إلى تصنيف التراث الشعبي".

ويضيف: "لا تفسير لدي لذلك، غير أن أضواء الإبداع كانت بهرتني مبكراً، ولم يخرجني من حالة الانبهار إلا دراستي النقد وتخصصي فيه، إضافة إلى علاقتي الوثيقة بالشاعر الراحل صلاح عبد الصبور، وبأستاذي شكري عياد، وهما أكدا لي ضرورة الاستفادة من الطاقة الإبداعية في داخلي، فغيرت وجهة سفينتي مستفيداً من هذه الطاقة في تقديم الفكر الغربي والأدب الغربي إلى قراء العربية".

وفي مكانٍ آخر يقول عناني عن تجربته الشعرية: "خرجت إلى الشعر أحاول أن أثبت شيئاً، فإذا بي قد صادفت دهاقين الشعراء، ممن أنجبهم ذاك العصر، فعرفت بأني «لن أفلح» في أي مصاحبة لهم، ناهيك بأي منافسة، وقنعت بأن أنقل للعربية بعضاً من شعر السكسونيين أو اللاتينيين، وعكفت على تحسين صياغة ما وفقني الله إليه".

 النقد والترجمة كمشروع ثقافي

نقل عناني قرابة 130 مؤلّفاً، كما تشير المراجع، من وإلى العربية والإنكليزية. كما ألّف كتب عدة تدور حول فن الترجمة، تقارب 20 كتاباً تغطي نشاط الترجمة نظرياً وتطبيقياً واتجاهات ومناهج في تداخلها مع العلوم والمعارف الإنسانية الأخرى. أهمها ثلاثيته الشهيرة المرجعية التي صدرت عن (سلسلتيْ "أدبيات" و"لغويات" /لونجمان للنشر) وهي "فن الترجمة"، و"الترجمة الأدبية بين النظرية والتطبيق"، و"مرشد المترجم"، وتُعد هذه الثلاثية مصدراً أصيلاً لكل مترجم.

آمن عناني بالترجمة فعلاً ثقافياً ومعرفياً وتاريخياً، يرتبط بالسياق العام للعلاقات بين المجتمعات والأمم، ويتأثر بها سلباً وإيجاباً، وقد لعب عناني نفسه، كما يقول إيهاب الملاح، دوراً ريادياً وتأصيلياً  قد يوازي جهد مؤسسات وأكاديميات بأكملها.

إلى جانب الترجمة ألّف عناني كتباً مهمة في النقد منها : "دراسات في المسرح والشعر" (1986)، و"النقد التحليلي" (1991)، و"المصطلحات الأدبية الحديثة" (1996)، و"فن الكوميديا" (1998)، و"الأدب وفنونه" (2010).

ومن ترجمات عناني نذكر "الفردوس المفقود" لجون ميلتون، بمقدمة شاملة لميلتون وحياته وعصره ومجتمعه، وترجمته لتراث وليام شكسبير المسرحي بأكمله وسونيتاته  (تشير بعض المراجع أنه ترجم 19 مسرحية له)، وبعض أعمال إدوارد سعيد مثل: "الاستشراق"، و"المثقف والسلطة"، إلى جانب ترجمته العديد من الكتب لغوته وسوزان باسنيت وأندريه ليفيڤير ودايف إيجرز وغيرهم كثر.

كما ساهَم في ترجمة الكثير من المُؤلَّفات العربية إلى الإنجليزية، وعلى رأسها مُؤلَّفات طه حسين (الوعد الحق وخطبة الشيخ وعلى هامش السيرة)، إضافة إلى دواوين ومسرحيات شعرية لكلٍّ من صلاح عبد الصبور، وعز الدين إسماعيل، وفاروق شوشة. 

أما آخر أعماله الكبرى فكان في مجال الترجمة وتحديداً "الموسوعة المعرفية" التي صدرت عن "المركز القومي للترجمة" في العام 2018، وذلك ضمن 3 مجلدات ضخمة تحت عنوان "موسوعة الهرمنيوطيقا". وتضم الموسوعة المذكورة 56 فصلاً كتبها صفوة المتخصصين فى جميع فروع الإنسانيات، من بلدان ولغات تقاليد فلسفية متنوعة، تضمن عدم هيمنة تيار فكري واحد على الموسوعة، وإن كانت مداخلها المختلفة تشترك في مناهجها العلمية الحديثة.

هذا المنجز الموسوعي الذي استمرّ طيلة عقود من حياة محمد عناني هو ما جعل اسمه بارزاً في المكتبة العربية، إذ يمكن لأعماله المتنوعة بين الترجمة والتأليف أن تشكّل مكتبة غنية وموسوعية، وهو ما جعل رحيله مفجعاً للآلاف من طلابه والمتأثرين به وقرائه.

يوسف م. شرقاوي
كاتب فلسطيني مقيم في سوريا