أدب الكوارث الطبيعية: حاجة إنسانية وصور تعكس هول المآسي

 أمام هول الزلزال، الكارثة التي حلت في جنوب غرب تركيا وشمال سوريا، يقف المرء مذهولاً أمام ما يمكن أن تتسبب به قوى الطبيعة من دمار هائل في المكان الذي تباغت فيه، وعجز أمام أعداد الضحايا، ومدى تأثير ذلك في الضمير الإنساني، إن كان على صعيد الذين سمعوا بها، أو راقبوها عن بعد أو عن قرب، أو على صعيد الذين وقعوا ضحاياها. ولذلك ليس من المستغرب أن يزخر الأدب الحديث نسبياً بكتابات شخصية لتجارب هؤلاء الذين عاشوا هذه الكوارث وأرادوا التشارك بالتجربة مع آخرين. 

إرنست همنغواي و"الشيخ والبحر"

من أسباب تطور هذا النوع من الأدب، تطور الحاجة إليه في السينما والتلفزيون من أجل إنتاج نوع جديد من الدراما القادرة على شد المشاهدين، وبالتحديد إذا ما كان كُتّاب الدراما أشخاصاً عاشوا التجربة. مثال على ذلك فيلم "المستحيل" "The Impossible" المستوحى من القصة الحقيقية لماريا بيلون، الطبيبة التي نجت من زلزال المحيط الهندي عام 2004 وتسونامي في خاو لاك بتايلاند مع زوجها إنريكي وثلاثة أطفال (لوكاس وسيمون وتوماس). حيث عملت ماريا الحقيقية بشكل مباشر مع كاتب السيناريو سيرجيو جي. ومن منّا ينسى رائعة إرنست همنغواي "الشيخ والبحر"، والصراع الذي خاضه في قارب صيد مع هجوم أسماك القرش خلال عاصفة هبت وهو في داخل البحر، والتي تطورت لتصبح من أقوى الأفلام من بطولة أنطوني كوين.

للأسف، فإن أدبنا العربي لا يزخر بهذا النوع من الكتابات، إلا ما ترجم منها إلى اللغة العربية من اللغات الأخرى، وبصراحة فإن الجزم حول غنى الأدب العالمي، ما عدا ما كتب باللغة الإنكليزية، فإن ذلك يحتاج إلى بحث مطول وعميق، وهو أدب كما قلنا يعتبر حديثاً نسبياً وله علاقة وثيقة بثلاثة أسباب: أولهما، تطور العلم والتعليم، وتطور فن الكتابة لدى الأفراد، وإن لم يكونوا كتاباً مختصين. وثانيهما، حاجة الذين عاشوا التجربة للتنفيس عما مروا به، بعد أن وجدوا أنفسهم فجأة بلا حول ولاقوة أمام قوى الطبيعة. وبالتالي فقد ساعدتهم الكتابة على التحرر من هذه المشاعر القاسية التي خبروها، حين استطاعوا التشارك مع الملأ بعمق المشاعر التي خالجتهم بكل صدق ودونما خجل. وثالثهم، الموقع الجغرافي وتأثر السكان بتقلبات المناخ واستقرار الأرض.

الكتابة عن الكوارث الطبيعية

وكان هناك نوع آخر في الكتابة عن الكوارث الطبيعية بوصفها رواية لحوادث الآخرين والكتابة عنهم ومحاولة فهم ما حدث معهم وما تعرضوا له من آلآم وهم يرون الموت وهو يطبق على صدورهم. يصف هذا النوع من الرواية أو القصة اللحظات الأخيرة لهؤلاء الذين وقعوا في براثن الطبيعة وإن لم يكن هناك ناجون ليخبروا بما حدث معهم. مثال على ذلك رواية "العاصفة المثالية" من تأليف سيباستيان جونغير، وقد تم نقلها إلى العربية تحت عنوان "غضب العاصفة". والعنوان الأساسي للرواية هو: "The Perfect Storm: A True Story of Men Against the Sea"، أي "العاصفة المثالية: قصة حقيقية عن رجال ضد البحر"، وهي تعكس قصة حقيقة قام بكتابتها جونغير بعد أن قاد بحثاً حقيقياً استمع فيه إلى جميع التسجيلات التي حدثت بين البحارة وإلى العديد من قصص المعاناة، التي عاشها ناجون بحارة وصيادون من عواصف حقيقية لم يصدقوا أنهم قد خرجوا أحياء من بين براثن العواصف الهوجاء التي واجهوها في البحر. 

"العاصفة المثالية"

تم نشر الرواية أول مرة في العام 1998 من قبل فيرست هاربرباكس. وتروي الرواية قصة ستة أشخاص ابتلعهم البحر وكانوا قد انطلقوا إلى الصيد على ظهر المركب أندريا غايل. ذهب هؤلاء إلى الصيد في منطقة تدعى ضفة روجرز، وهي منطقة رملية مغمورة بالمياه في المحيط الأطلسي شرق ولاية ماساشوستيس الأميركية، وتعتبر بقعة مهمة لصيد الأسماك، لكن الملاحة فيها محفوفة بالمخاطر بسبب التيارات العنيفة والضباب، فكيف إذا ما كان الصيد خلال عاصفة هوجاء.

في 20 أيلول/ سبتمبر غادرت المركب أندريا غايل ميناء غلوستر متجهة إلى غراند بانكس، مع أمل البحارة بملء مخزنها بسمك أبو سيف، إذ كانت هناك طائرة تنتظر تحميله، مما سيضمن للصيادين والبحارة مبلغاً محترماً من المال سيكفي حاجتهم لمدة طويلة. خرج هؤلاء في طلب الرزق، معتمدين على الحظ. ولكن حظهم العاثر أوقعهم بين جبهة باردة جاءت من الساحل الشرقي للولايات المتحدة وموجة من الضغط المنخفض، والتي واجهت سلسلة من الضغط العالي في المحيط الأطلسي حيث خلق التقاء الجبهتين دوامة من الرياح بينما كان الهواء يتحرك بين مناطق الضغط المرتفع والمنخفض. حتى هذه التفاصيل التي خلقت العاصفة المثالية يشرحها الكاتب. مع  أنه يقول في المقدمة إنه كان يحاول الهروب من التفاصيل التقنية حتى لا يمل القارئ، ولكنها كانت في الوقت نفسه ضرورية ليفهم القارئ ما الذي كان يحدث مع الطبيعة بالتفاصيل.

التقط الكاتب الخبر عن السفينة عبر الإعلام، وكان قد عُثر على حطام السفينة على شواطئ كندا وفيها رسالة حشرت في قنينة يقول فيها من كتبها: "لا أظن بأننا سننجو الليلة". تعابير وكلمات استخدمها الكاتب ببراعة لينقل الحدث الذي حاول أن يكشف الغموض حوله، حتى أن ماريان شاتفورد، شقيقة الطاقم المفقود بوب شاتفورد، علقت: "أعتقد أن الكتاب كان حقيقياً ومدروساً جيداً ومكتوباً بشكل جيد". ليندا غريتلو كانت قبطان آخر سفينة تواصلت مع أندريا غايل في البحر. وقالت إنه بينما أرادت معرفته هو تقرير عن الطقس فإن ما أراده صاحب السفينة هو تقرير عن الصيد، والذي لم يكن منه أمل في تلك الليلة. ولم يبلغ صاحب أندريا غايل، روبرت براون، عن انقطاع أخبار السفينة إلا بعد مرور ثلاثة أيام على انقطاع التواصل معها.

إعصار كاترينا و"خمسة أيام في ذكرى"

هناك أنواع مختلفة من الروايات التي تخبر عن الكوارث الطبيعية والتي فازت بجائزة بوليتزر، ومنها رواية "خمسة أيام في ذكرى: الحياة والموت في مستشفى دمرتها العاصفة" وقد نشرت في العام 2013 من قبل كراون للنشر. كتبت الرواية شيري فينك، وهي طبيبة ومراسلة. الرواية اعتمدت على تحقيق فينك الصحافي معتمدة فيه على شهادة 500 شخص تواجدوا في المستشفى من أجل إكمال العمل على الكتاب. وتروي قصة موت مرضى في مستشفى نيو أورليانز خلال إعصار كاترينا، الذي ضرب الولاية. تحولت الرواية في آب/ أغسطس الماضي لتصبح مسلسلاً من ثلاث حلقات. 

تعيد فينك بناء ما حدث خلال خمسة أيام من الإعصار في مركز ميموريال الطبي. إذ ضرب إعصار كاترينا الولاية في 25 آب/ أغسطس في العام 2005، ومن خلال الرواية يجذب القارئ إلى حياة أولئك الذين كافحوا بشدة من أجل البقاء والحفاظ على الحياة وسط الفوضى. فبعد أن ضرب إعصار كاترينا، ارتفعت مياه الفيضانات، وانقطعت الكهرباء، وارتفعت درجة الحرارة. قيل إنه خلال الإعصار اتخذ بعض الكادر الطبي المنهك مرضى محددين لإنقاذهم. وبعد أشهر من جلاء الكارثة، واجه العديد من الكادر الطبي مزاعم جنائية بأنهم حقنوا عمداً العديد من المرضى بالعقاقير للإسراع في وفاتهم. 

يُقسم الكتاب إلى جزئين. الأول بعنوان "الخيارات القاتلة"، ويركز على الأحداث التي وقعت في مركز ميموريال الطبي على مدى "الأيام الخمسة". خلال هذه الأيام، أثبتت خطط الطوارئ الخاصة في المستشفى أنها غير كافية حيث انقطعت خلال المدة القصيرة الطاقة وتعطلت المولدات الاحتياطية، مما تركه من دون أضواء ومن دون تكييف وأنظمة صرف صحي ومعدات طبية أساسية. وحوصر الآلاف من الموظفين والمرضى والأشخاص الذين تم إجلاؤهم بسبب مياه الفيضانات في طوابق عليا في داخل المبنى في انتظار الإخلاء بالقوارب أو المروحية. تبنى الطاقم الطبي سياسة قاسية، حيث تم إعطاء الأولوية للمرضى القادرين على التنقل للإخلاء وتم وضع المرضى ذوي الأوضاع الصعبة جداً ضمن تصنيف "عدم الإنعاش" وفي القائمة الأخيرة. 

ابتدأ إجلاء المرضى في اليوم الثالث واستمر بطيئاً حتى اليوم الخامس. حينئذ قرر بعض الطاقم الطبي التعجيل بوفاة مرضى مصابين بأمراض خطيرة بحقن زائدة من المورفين، معتقدين أنهم لن يستطيعوا النجاة. هذا الموقف تمت إعادة توصيفه من قبل العديد من المشاركين في المقابلات وقد تم تجميع القصص حول ذلك عبر المقابلات ورسائل البريد الإلكتروني وسجلات الهاتف.

"الحساب"

الجزء الثاني من الكتاب بعنوان "الحساب"، ويناقش التداعيات القانونية والسياسية لاستجابة ميموريال للأزمة وخاصة قرارات القتل الرحيم للمرضى. وفي المجموع العام، فقد توفي 45 مريضاً قبل إخلاء المستشفى، وعبر تشريح 23 جثة تعود للمرضى، اكتشف تحليل أنسجتهم، أنّهم أعطوا جرعات عالية جداً من المورفين والأدوية الأخرى. تركز تحقيقات خلال هذا القسم بشكل مكثف على تصرفات الدكتورة آنا بو وممرضي العناية المركزة: شيري لاندري ولوري بودو، والذين جميعهم اتُهموا بالقتل من الدرجة الثانية. يوضح الكتاب تعاطف الجمهور الكبير مع الموظفين الثلاثة المتهمين، إذ تم إسقاط التهم الموجهة إلى لاندري وبودو. وقررت هيئة المحلفين عدم توجيه الاتهام إلى بو في العام 2007. تناقش فينك هنا القضايا الأخلاقية المحيطة بالأحداث في مستشفى ميموريال وخاصة تلك المتعلقة بحالات الكوارث والقتل الرحيم بشكل عام. وفي الخاتمة تنتقد بشدة بروتوكولات الرعاية الصحية في حالات الكوارث، مستدلة بذلك على ما حدث خلال إعصار ساندي في العام 2012، وافتقار المستشفيات القدرة على الإستجابة للكوارث وفشل حكومة الولايات المتحدة في تطبيق معايير "الاستعداد للطوارئ".

"رعب الزلزال"

"رعب الزلزال"، قصة كتبت في العام 1996، بقلم بغ كهرت وطبعت لأول مرة في العام 2000، من قبل مجموعة بينغوين للشباب. الكتاب من تأليف  بيج كريت. وبالتأكيد فإن القصة تستند على أحداث زلزال حقيقي ضرب منطقة توهوكو في اليابان. مع أن الرواية تعد من الخيال، وتدو أحداثها المروية على لسان جوناثان بالمر. تدور الحبكة في الكتاب حول الصبي جوناثان، الذي كان عليه مساعدة شقيقته آبي، وهي مشلولة خلال وقوع الزلزال بينما كان والداه في المستشفى. تبدأ القصة بوصف رائع للأصوات التي خرجت من باطن الأرض وكان يستمع إليها جوناثان والأرض تهتز من تحته ومن حوله. إذ كان من المفترض أن تقضي العائلة نهاية أسبوع ممتعة في التخييم في جزيرة ماغبي، ولكن التواء كاحل الوالدة اضطر الوالد لنقلها إلى المستشفى، تاركاً الأخت الصغرى في عهدة أخيها.

تسبب الزلزال بتدمير العربة الخاصة بهما "الكرفان"، وبتدمير الجسر الوحيد المؤدي إلى البر، ثم ابتدأت المياه بغمر أرض الجزيرة. كان على جوناثان أن يقوم بإنقاذ كل من كلبهما موس، وأخته آبي، حيث قام الجميع بالصعود على جذع شجرة وطافوا فوق المياه المتصاعدة بنتيجة الزلزال العظيم. بلغت شدة الزلزال، الذي تركز تحت سطح البحر في المحيط الهادئ، 9.0-9.1 على مقياس ريختر، على بعد 72 كيلومتراً شرق شبه جزيرة أوشيكا في منطقة توهوكو، واستمر حوالى ست دقائق، مما تسبب في حدوث تسونامي. وآخر زلزال ضرب المنطقة وبنفس قوة زلزال العام 1993، الذي بنيت على أساسه القصة في العام 2011، وتسبب بتسونامي بلغ ارتفاع أمواجه أكثر من 10 أمتار، أي بارتفاع أربعة طوابق تقريباً.

تنتهي القصة باستيقاظ جوناثان في المستشفى، ولكن أجمل المشاعر التي يصفها الكتاب في النهاية، حين يتساءل الصبي عن مصير أخته، وهو غير قادر على تصور الحياة من دونها مع أنها تتسبب دائماً وبسبب وضعها الصحي بتأخيره عن المدرسة. وتزاحمت الأفكار في رأسه حول مكان تواجد والديه وإذا ما كانا يعلمان بمصير أخته ومكان تواجده، ولسنا هنا في وارد كشف النهاية. الأحداث وطرق تعاطي الصبي مع أخته وكلبهما هي أهم ما في حوادث القصة. والأمر الآخر الذي يميّز القصة أنها للناشئة، وهذا أمر مهم جداً، أي أن قصص الكوارث التي تهتم بها دور النشر لا تتعلق فقط بروايات الكبار وإنما أيضاً بروايات إنسانية تخاطب الشباب الصغار أيضاً.

"عاصفة إسحاق" أو إعصار غالفستون

بينما تستند رواية "عاصفة إسحاق: رجل وزمان وأخطر إعصار في التاريخ"، إلى حقائق الإعصار، الذي ضرب غالفستون في ولاية تكساس، في 8 أيلول/سبتمبر من العام 1900. قُتل بسبب الإعصار في المدينة وحدها ما بين 9000- 12000 شخص، ويعرف بإسم "إعصار غالفستون العظيم" ويعتبر واحداً من أخطر الكوارث الطبيعية في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، وثالث أعنف إعصار يضرب شواطئ المحيط الأطلسي. سميت الرواية بإعصار اسحاق نسبة إلى اسحاق مونرو كلاين، الذي روى الكاتب قصته. إذ القصة ليست من الخيال، بل هي قصة حقيقية.

"عاصفة إسحاق: رجل وزمن وأخطر إعصار في التاريخ"، هو واحد من أكثر الكتب مبيعاً في قائمة نيويورك تايمز لعام 2000، وهو من تأليف إريك لارسون. ونشرته دار راندوم هاوس. 

يتتبع الكاتب الأحداث التي سبقت الإعصار مباشرة وأثناءه وبعده عام 1900. واعتمد لارسون في كتابه على ما رواه اسحاق كلاين عن أحداث إعصار غالفستون. مع العلم، أن إسحاق ولد في العام 1861 في شرق ولاية تينيسي، ونشأ في مزرعة في مقاطعة مونرو الريفية. 

يُفتتح لارسون القصة بحركة إسحاق كلاين الذي لم يهدأ في ليلة 7 أيلول/سبتمبر 1900 عشية سقوط إعصار غالفستون على اليابسة. إذ لم يستطع الرجل، وعلى الرغم من كل ما طمأنت به الأرصاد الجوية، أن يهدئ الشعور المضطرب في داخله بأن شيئًا ما غير صحيح. ويتبع لارسون هذه المقدمة بإلقاء نظرة على علم الأعاصير وجميع العوامل الجوية غير العادية التي ربما أدت إلى الإعصار. وُصفت الولادة الأولية للعاصفة بـ"تكهنات لارسون" والتي حاولت إيجاد الصورة الأولية لتكوّن الإعصار، وفي الوقت نفسه يحاول أن يوصف حركة سكان غالفستون وحيوية المدينة. ثم يتتبع لارسون مسار العاصفة من كوبا وحتى غالفستون، من خلال سرد مدعوم بإدخال الرسائل والبرقيات الحقيقية المتعلقة بأحداث العاصفة في ذلك العام.

كما يُشيد لارسون خلال الرواية بمهارة خبراء الأرصاد الجوية في كوبا في مجال عملهم، في حين تم تجاهل تحذيرهم من قبل مكتب الطقس "المفرط الثقة" ويوصف الجهل الذي تعاطى به المكتب وعلماء الأرصاد الجوية في الولايات المتحدة. فقد توقع الكوبيون أن الإعصار سوف يتجه نحو تكساس بعد أن مرّ فوق كوبا. ومع ذلك، فإن مكتب الطقس أصر على اعتقاده أن العاصفة ستتجه نحو فلوريدا. وخلال كتابته، يلقي لارسون نظرة على حياة العديد من سكان غالفستون عشية العاصفة، وبالتحديد إسحاق كلاين وبالتفاصيل ويرويها خلال الكتاب. كان كلاين رجل يتوق إلى المعرفة ورجل عائلة خاطر بحياته لإنقاذ أسرته، وحاول بخاصة حماية زوجته الحامل بطفلهما الرابع، والتي كانت تعاني من بعض المضاعفات. 

تبدأ العاصفة بالهبوط وبدأت الشوارع بالفيضان، وسرعان ما ساءت الظروف واستمرت نسبة المياه في الارتفاع فجأةً. ظن مسؤولو البر الرئيسي، أن الصمت الذي لف غالفستون وعدم وصول أية أخبار أو برقيات أن العاصفة قد مرت بسلام. ولكن ما حدث في الحقيقة أن العاصفة بمجرد وصولها اقتلعت حرفياً نصف الجزيرة وقتلت الآلاف، تاركة وراءها دماراً كاملاً نظر نحوه الناجون بعد إنحسار العاصفة والذهول في عيونهم. وابتدأت الشائعات بالإنتشار في البر الرئيسي، وسرعان ما ابتدأت ساعات الرعب الكامل عندما بان للعيان الدمار الذي أصاب المدينة والجزر التي حولها، لقد كانت البيوت هباء منثوراً وخراباً يمتد. وفقد إسحاق زوجته كورا وكان يشك في نفسه أنه لم يفعل ما يكفي لإنقاذها. تُرك سكان الجزر لوحدهم لإعادة بناء مدينتهم المدمرة. وأعيد بناء الجزيرة فعلياً، لكن المدينة لن تعود أبداً إلى سابق مجدها، فقد صعدت مدينة هيوستن المجاورة على حسابها واستولت على موقع غالفستون كميناء بارز في تكساس.

في أدبنا العربي، لا يزال هذا النوع من الكتابات نادراً، ربما لأننا لم نواجه هذا النوع من الكوارث في بلادنا، التي لطالما كانت وديعة وحاضنة رحوم لنا. نحن لم نعش هذا النوع من الكوارث فبحرنا المتوسط بحر هادئ وغضب أمواجه في أيام الشتاء لا يتجاوز غضب طفل صغير، نسبة لما يحدث في المحيطات الواسعة. لذلك فقد جاء الزلزال مفاجأة كبرى في حلب وفي الساحل السوري، وارتداداته في لبنان والأردن وفلسطين شكلت رعباً ارتبط برعب هول المأساة في حلب وإدلب، وحتى في تركيا، والتي تعد منذ سنوات منطقة زلزال.

وقد كتب عدد من المدوّنين السوريين يوميات الزلزال الأخير في سوريا على صفحاتهم على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي. ولعل ذلك سيكون بدايات لما قد نشهده من روايات قادمة ستحمل في طياتها هول المأساة وكبرها. 

عبير بسام
صحافية لبنانية