يمنيات... معاناة صامتة بانتظار زوج لا يعود
تواجه الكثير من اليمنيات معاناة تتمثل في اغتراب الزوج لسنوات طويلة، وأحياناً انقطاع أخباره، ما يدفع بعضهن إلى طلب فسخ عقد الزواج
قبل حوالي خمس سنوات، ودعت سحر عباس زوجها الذي سافر إلى السعودية للعمل، بعدما باعت مقتنياتها من الذهب من أجل شراء تأشيرة عمل لزوجها، ظناً منها أن غربة الزوج ستساهم في تحسين الأوضاع المعيشية المتردية للأسرة.
لكن بعد اغترابه، ومع مرور الوقت، بدأ الزوج تقليل تواصله مع زوجته، وظل يكرر وعوده لها بالعودة، لتمر خمس سنوات من دون أن يعود، ما فاقم من شعور الزوجة بالحرمان، وعدم قدرتها على تحمل وضعها، فتوجهت إلى المحكمة وتقدمت بطلب فسخ عقد الزواج.
تقول : "ضحيت من أجل تكوين أسرة ناجحة، وبعت مقتنياتي من أجل سفر زوجي للعمل على أمل أن يعود إلينا خلال الإجازات، لكنني فوجئت لأنه صار يعاملني بجفاء. وكلما طلبت منه العودة، قدم لي الأعذار والتبريرات.
عانيت بصمت وأشعر أنني معلقة؛ فلا أنا عازبة ولا أنا متزوجة كبقية النساء. بدأت أصل لقناعة بأنه شق طريقه في الغربة مع امرأة أخرى".
تضيف سحر: "شعرت أن عمري ضاع في انتظار المجهول، وعانيت نفسياً واقتصادياً واجتماعياً، ووصلت إلى قناعة بضرورة إنهاء هذا الوضع. استشرت بعض الصديقات والأهل، وأخذت القرار بالتوجه إلى المحكمة وتقديم دعوى لطلب فسخ العقد".
وضاعفت الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اليمنيون من عدد المغتربين، الذين يتوزعون على عدد من الدول أبرزها السعودية ودول الخليج ومصر وبريطانيا وأميركا ودول شرق آسيا، بحثاً عن فرص عمل تساهم في تحسين أوضاعهم المعيشية.
ويضطر الكثير من هؤلاء المغتربين إلى ترك زوجاتهم وأطفالهم في اليمن، وقد يمتد الأمر لسنوات، ما يضاعف من معاناة الزوجات. وفي حال الغياب الطويل، تضطر بعضهن للتوجه إلى المحاكم لتقديم دعاوى لطلب فسخ الزواج.
وتواجه نساء أخريات انقطاعاً لأخبار الزوج تماماً.
ويقول المحامي محمد مهيوب غالب، إن القانون اليمني لم يحدد مدة زمنية للسماح للزوج بالغربة. وبالنسبة لفسخ عقد الزواج، فيتم لأسباب عدة، منها الهجر وعدم الإنفاق في حال اغتراب الزوج.
وبحسب المادة 52 من قانون الأحوال الشخصية، فإن "لزوجة الغائب في مكان مجهول أو خارج الوطن فسخ عقد نكاحها بعد انقضاء سنة واحدة لغير المنفق، وبعد سنتين للمنفق".
يضيف أن "قضايا طلب فسخ العقد انتشرت مؤخراً بشكل كبير في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وزيادة المغتربين اليمنيين في الخارج، بالإضافة إلى وجود بعض منظمات المجتمع اليمني التي تقدم الدعم للنساء طالبات فسخ عقد الزواج".
ويضطر يمنيون إلى الاغتراب من أجل العمل. وأحياناً، يجبر الزوج على قضاء سنوات متواصلة في بلد الاغتراب بعيداً عن زوجته وأطفاله، سعياً إلى إيجاد حلول لأزماته الاقتصادية والمعيشية الصعبة.
لكن غربته في معظم الأحوال تتحول إلى معضلة تخلق الكثير من الإشكاليات النفسية والاجتماعية لزوجته وأطفاله.
من جهة أخرى، فإن لغياب الأب عن أطفاله لوقت طويل تأثيرا على الوضع النفسي للأطفال. فضل الشميري (11 عاماً) يدرس في الصف الرابع ابتدائي، لا يعرف والده المغترب في بريطانيا إلا من خلال التواصل عبر الهاتف، ما أثر على نفسيته، إذ بات يميل إلى الانزواء، عدا عن تراجع تحصيله الدراسي.
وتقول أم فضل : "تغرب زوجي حين كان عمر طفلنا عامين. مرت تسع سنوات ولم يعد، حتى أن طفلي لا يعرف والده إلا من خلال التواصل عبر الهاتف.
ودائماً ما يسألني لماذا ليس لديه أب كبقية زملائه في المدرسة. بات انطوائياً يتجنب اللعب مع رفاقه، وهو ما أثر كثيراً على تحصيله العلمي".
من جهتها، تقول المعالجة النفسية رقية الذبحاني، إن "المرأة التي فارقها زوجها للعمل في الخارج تشعر بالوحدة والانعزال بسبب غياب شريكها لفترة طويلة، كما تشعر بالقلق والتوتر والاكتئاب وانخفاض الدعم العاطفي.
وأحياناً تتراجع ثقتها في نفسها. وهذا كله مرده إلى عدم الشعور بالأمان والخوف من المستقبل. كما تخشى الزوجة على استقرار زوجها، ومن احتمال ارتباطه بامرأة أخرى".
تضيف: "من الطبيعي جداً أن يشعر الطفل بالتوتر والقلق بسبب غياب والده، خصوصاً إذا لم يعرف سبب الغياب أو وقت العودة، بالإضافة إلى الشعور بالانفصال، وهو ما يؤثر على علاقته بوالده، وسلوكه.
على سبيل المثال، قد يصبح عدوانياً أو انطوائياً لشعوره بالقلق والحزن". وتشير إلى أنه "يحتاج إلى الدعم العاطفي، فتضطر الأم إلى التعويض عن غياب الأب، لتتحول إلى أم وأب في آن".
وتعد معاناة المرأة التي فارقها زوجها من أبرز القضايا الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع اليمني منذ عقود، وقد تم مناقشة هذه القضية من خلال عدد من الأغاني، أبرزها أغنية "مسعود هجر" للفنان عبد الباسط عبسي.
وتصور قصة مغترب يمني يسافر بعد زواجه بأسبوع وينجب طفلاً يكبر دون أن يعود والده، الذي تنقطع أخباره تماماً عن الزوجة. الأخيرة تشيخ وهي تعيش معاناة الانتظار.
وهناك أغنية "وا مفارق" للفنان أيوب طارش، التي تدعو المغتربين للعودة إلى الوطن، مطلقاً صرخة على لسان أسرته التي تقول: "والنقود ما تسلي من معه في الهوى شأن".
فخر العزب
صحافي يمني