غياب السكن الجامعي يفاقم مشكلات الطلاب في اليمن
في دكان صغير أسفل مبنى في شارع فرعي بمنطقة الدحي بمدينة تعز جنوب غربي اليمن، يسكن الطالب الجامعي حسين القادري الذي يدرس في قسم المختبرات الطبية بجامعة خاصة، ويتشارك المكان مع أربعة طلاب يدرسون تخصصات مختلفة.
جعلت صعوبة الحصول على سكن مناسب حسين يلجأ مع رفاقه إلى استئجار دكان بحمام صغير والعيش فيه من أجل استكمال دراستهم الجامعية، في ظل عدم وجود سكن طلابي للطلاب القادمين من الأرياف، وارتفاع إيجارات الشقق بما يفوق قدرتهم على الدفع.
ويقول "واجهت صعوبة كبيرة في توفير سكن من أجل إتمام دراستي الجامعية، إذ لا يوجد سكن طلابي يقدم خدماته لطلاب الجامعات، كما أن إيجارات الشقق ارتفعت بشكل يفوق قدرات الطلاب. ولم أجد إلا خيار استئجار دكان في مبنى بمبلغ 50 ألف ريال (الدولار يساوي 1617 ريالاً) كحل وحيد لاستكمال دراستي الجامعية.
نعيش نفس الظروف الصعبة، ونتقاسم دفع الإيجار الشهري، ولولا هذا الخيار لما استطعنا مواصلة دراستنا الجامعية، خاصة أن أي جهة حكومية أو خاصة لا تهتم بأوضاع الطلاب الجامعيين، أو تحاول توفير سكن لهم، خصوصاً أولئك القادمين من الأرياف".
البحث عن سكن هو أول الهموم التي يعيشها الطالب اليمني قبل أن يلتحق بالجامعة ويتسجل فيها. وتوفر السكن هو ما يجعل الطالب يقرر إذا كان سيتسجل في الجامعة أم لا، كما قد يحدد الكلية التي سيلتحق بها.
ويعد توفير السكن من أهم المتطلبات التي تساهم في تذليل الصعوبات أمام الطلاب لاستكمال الدراسة الجامعية، خاصة أن معظم طلاب الجامعات من أبناء الأرياف القادمين إلى المدن، والذين يجدون أنفسهم غرباء.
وعموماً تفتقد الجامعات للسكن، باستثناء تلك الرئيسية، لكن الطاقة الاستيعابية لمساكنها محدودة جداً مقارنة بعدد الطلاب والطالبات الذين يحتاجون إلى سكن جامعي خلال سنوات الدراسة.
وهكذا تظلّ هذه المساكن عاجزة عن استيعاب حتى نسبة 1% من الطلاب، وهي تخضع لشروط وقوانين قد يرى طلاب أنها تعجيزية، ولا توفر أي خدمات باستثناء مكان النوم.
ويضاف إلى ذلك أن هذه المساكن غير مجانية، وتتطلب دفع الطالب مبالغ مالية للحصول على مكان فيها، ما يزيل دورها في خدمة الطلاب.
ومن أبرز المشاكل التي يواجهها الطلاب الجامعيون أن المسؤولين عن المساكن يوظفونها لخدمة تيارات سياسية من خلال فرض شروط إلزامية.
وتقول إلهام (اسم مستعار) "تسجلت في كلية بجامعة صنعاء، ووافق مسؤولوها منحي سكناً جامعياً خاصاً بالطالبات، ثم جرى إلزامي بالخضوع لقوانين وشروط حددتها قيادة السكن التابعة لجماعة الحوثيين،
ومن بينها حضور دورات تثقيفية، وتدريبية، والاستماع إلى محاضرات لزعيم الجماعة، وحضور وقفات احتجاجية تابعة للجماعة، والمشاركة في فعّاليات طائفية وغيرها، ما جعلني أترك السكن الجامعي، وأتوقف عن الدراسة نتيجة عجزي عن توفير سكن خاص".
إلى ذلك تزداد تحديات الحصول على سكن جامعي في ظل ارتفاع إيجارات العقارات داخل المدن. وقد تسبب التدهور المتزايد لسعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية في السنوات الأخيرة في رفع أسعار إيجار الشقق السكنية وتحديدها بالريال السعودي بدلاً عن الريال اليمني، وتراوحت بين 300 و1000 ريال سعودي.
أيضاً زادت أزمة صعوبة الحصول على سكن جامعي حالات التسرب من التعليم الجامعي، في وقت تشهد الجامعات نقصاً سنوياً في عدد الطلاب مقارنة بالأعوام السابقة، وصولاً إلى إغلاق أقسام في عدد من الجامعات، أبرزها صنعاء وتعز نتيجة عدم التحاق أي طالب بها.
وتقول الخبيرة التربوية ميادة محمد، "تعد أزمة غياب السكن الجامعي من أبرز أسباب التسرب من التعليم الجامعي لأبناء الريف الذين يعجزون عن توفير سكن طوال فترة دراستهم في ظل ارتفاع قيمة الإيجارات.
وفي الأصل يواجه الطالب الجامعي الكثير من المعاناة في توفير أبسط التزامات الدراسة، ما يجعل السكن عبئاً يمنع إكمال كثيرين التعليم، والذي قد يجعلهم يلجأون للمغادرة إلى الخارج للبحث عن عمل بعد إكمال الثانوية العامة".
تضيف: "تكاد أزمة غياب السكن الجامعي أن تكون العامل الأبرز لتسرب الفتيات من التعليم الجامعي، لأن حصولهن على سكن أصعب بكثير من الشبان نتيجة العادات والتقاليد التي تتعامل مع المرأة بخصوصية أكبر خاصة حين يأتين من الريف،
لذا يُلاحظ أن نسبة الطالبات القادمات من الأرياف في الكليات والجامعات اليمنية ضئيلة جداً".
وتستوعب الجامعات الحكومية 75% من الطلاب وتلك الخاصة 25%. ولا يتجاوز معدل الإناث المقيدات في الجامعات 26% من طلابها، ونسبة مَنْ يحصلون على الفرص في التعليم الجامعي من سكان الحضر تتعدى سبعة أضعاف الفرص المتاحة لسكان الريف، وذلك وفق ما ذكرته الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي في الجمهورية اليمنية.