الأمن المائي... أولوية يمنية وسط تحديات الصراع والتغير المناخي
أكدت الأمم المتحدة أن اليمن من بين أفقر دول العالم في الموارد المائية، محذرةً من أن استمرار الحرب وتدهور البنية التحتية والتغيرات المناخية يدفع البلاد نحو أزمة مائية وغذائية متفاقمة.
وفي حين قالت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً إن الأمن المائي والغذائي يمثل أولوية قصوى، كشف مسؤول رفيع عن عجز تمويلي واسع في قطاع المياه والصرف الصحي نتيجة توقف البرنامج الاستثماري الحكومي بسبب الحرب التي أشعلها الحوثيون،
ما أثّر بشكل مباشر على استدامة الخدمات الأساسية للسكان.
وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقرير حديث إن اليمن يُعد من أكثر بلدان العالم معاناةً من ندرة المياه، إذ لا تتجاوز حصة الفرد من الموارد المائية المتجددة 80 متراً مكعباً سنوياً، وهو رقم يقل كثيراً عن الحد الأدنى العالمي البالغ 1000 متر مكعب.
وأوضح أن اليمن لا يمتلك أي أنهار دائمة، ويعتمد بشكل كبير على هطول الأمطار والمياه الجوفية التي تتناقص بسرعة.
وأشار التقرير إلى أن أكثر من 14.5 مليون شخص في اليمن يفتقرون إلى خدمات مياه الشرب المأمونة والصرف الصحي، وأن النساء يتحملن العبء الأكبر في عملية جلب المياه،
إذ يقطعن مسافات طويلة في بعض المناطق الريفية لجلبها، مما يؤثر على صحتهن وسلامتهن، ويزيد من معدلات تسرب الفتيات من المدارس، ويحد من مشاركتهن الاقتصادية والاجتماعية.
وبحسب التقرير، فإن ما بين 70 و80 في المائة من الصراعات الريفية في اليمن مرتبطة بالمياه، وهو ما يعكس هشاشة المجتمعات المحلية التي تعاني أصلاً من محدودية المصادر المائية.
كما أن عوامل مثل النزوح وتغير أنماط هطول الأمطار زادت من الضغط على شبكات إمدادات المياه، مما فاقم الصراع المستمر منذ عقد من الزمن.
وأضاف التقرير أن الأمن الغذائي في اليمن يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتوفر المياه، مشيراً إلى أن أكثر من 17 مليون شخص يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي منذ عام 2024، وأن هذه النسبة ترتفع بشكل خطير خلال فترات الجفاف أو اشتداد الصراع.
فجوة تمويلية
من جهته، قال وزير المياه والبيئة اليمني توفيق الشرجبي خلال ورشة عمل حول تحديث الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه وبرنامجه الاستثماري - نُظمت بالشراكة مع الأمم المتحدة - إن توقف البرنامج الاستثماري الحكومي الذي كان يغطي نحو 45 في المائة من تمويل قطاع المياه والصرف الصحي،
خلق فجوة تمويلية كبيرة أثرت على استدامة خدمات المياه والإصحاح البيئي، نتيجة لتراجع موارد الدولة وارتفاع النفقات التشغيلية.
وأوضح الشرجبي أن عملية تحديث الاستراتيجية الوطنية للفترة من 2025 إلى 2030 تهدف إلى جعلها أداة فاعلة لربط التدخلات الإنسانية الطارئة بالمسار التنموي طويل المدى، وبناء قاعدة توافق حول نطاق الأهداف والمنهجيات الجديدة، في إطار مراجعة السياسات المائية المعتمدة منذ عقدين.
وأشار الوزير إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً كبيراً في قدرة المؤسسات على الاستمرار في تقديم الخدمات الأساسية بسبب تضرر البنية التحتية وارتفاع تكاليف التشغيل، لا سيما في ظل أزمة الوقود وعجز الطاقة، رغم جهود وزارة الكهرباء لضمان استمرار تزويد السكان بالمياه والطاقة.
ولفت إلى أن التغيرات المناخية أثّرت بشكل مباشر على قطاعات المياه والزراعة وسبل العيش، ما يتطلب دمج اعتبارات المناخ في السياسات الوطنية لضمان الاستدامة واستمرار التمويل.
وأوضح أن الوزارة عملت على مواءمة الرؤى الاستراتيجية لقطاعي المياه والبيئة بما ينسجم مع التوجهات الدولية في مجالات التكيف مع التغير المناخي، والتوسع في استخدام الطاقة النظيفة.
وأضاف أن الوزارة بدأت، بشراكة وثيقة مع الحكومة الهولندية، في إعداد خريطة طريق لمشاريع تحلية مياه البحر، بدءاً من مشروع استراتيجي لتزويد مدينة عدن بالمياه، ليكون نموذجاً يمكن تعميمه في مدن ساحلية أخرى.
تحديات هيكلية
في سياق متصل، أكد المشاركون في الورشة أن الانقسام السياسي والجغرافي وضعف القدرات المؤسسية ونظم المعلومات المائية والمناخية تمثل أبرز التحديات أمام تحقيق إدارة مستدامة وعادلة للموارد المائية.
وتعاني مدينة تعز أزمة مياه خانقة بسبب وقوع معظم الآبار في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين، ما أدى إلى تفاقم معاناة السكان في الحصول على المياه، واضطرارهم للاعتماد على الصهاريج بأسعار مرتفعة.
وفي مداخلات حكومية ضمن اجتماعات مسؤولي المياه والزراعة العرب، شدّد الوفد اليمني على أهمية التكامل بين قطاعي المياه والزراعة لتحقيق إدارة مستدامة للموارد الطبيعية في المنطقة العربية.
وأكد الوفد أن التغيرات المناخية وازدياد الطلب على المياه يفرضان على الدول العربية ضرورة تبني سياسات منسقة، وشراكات فعّالة لضمان تحقيق الأمنين المائي والغذائي.
وأشار إلى أن اليمن، رغم التحديات الاستثنائية، ماضٍ في تنفيذ برامج وطنية للإدارة المتكاملة للموارد المائية، وتعزيز استخدام تقنيات الري الحديث، وتشجيع الممارسات الزراعية المستدامة القائمة على كفاءة استخدام المياه.
وقال الوفد إن الحكومة تضع قضية الأمنين المائي والغذائي في صدارة أولوياتها ضمن خططها المستقبلية، وتسعى إلى مواءمة سياساتها مع أهداف التنمية المستدامة واتفاق باريس للمناخ، مشيداً بدور جامعة الدول العربية والمنظمات الأممية والإقليمية في دعم جهود الدول العربية لتحقيق التكامل المؤسسي في هذا القطاع الحيوي.