Logo

برد اليمن... أسر بلا تدفئة وصقيع يهدد النازحين

 تخوض آلاف من الأسر في اليمن معركة مواجهة برد الشتاء القارس مجردة من مختلف سبل الوقاية في ظل غياب الخدمات العامة الأساسية، وانقطاع رواتب مئات آلاف الموظفين، 

وتردي الأوضاع المعيشية في بلد يعيش كارثة إنسانية تعد الأكبر في العالم بحسب الأمم المتحدة، نتيجة تبعات الحرب والانقسام الحكومي المستمر منذ أكثر من عشر سنوات.

وتزداد الأوضاع سوءاً في القرى الجبلية النائية، وفي مخيمات النزوح المنتشرة في عدد من المحافظات، والتي تضم عشرات آلاف النازحين.

وحذر المركز الوطني للأرصاد من موجات الصقيع في المرتفعات الجبلية بمحافظات صعدة، وعمران، وصنعاء، وذمار، والبيضاء، والضالع، وإب، والجوف، ومأرب، وحضرموت، وشبوة، وتعز، وريمة، والمحويت، وحجة، مع أجواء باردة في أثناء الليل وفي الصباح الباكر،

 مع احتمال تشكل الضباب المائي، إضافة إلى أمطار متوقعة على مناطق متفرقة. ودعا المركز كبار السن والأطفال إلى ارتداء الملابس الشتوية للوقاية من البرد، 

كما نبَّه السائقين إلى توخي الحذر على الطرق نتيجة تدني الرؤية الأفقية بسبب الضباب، خصوصاً في المنعطفات الجبلية.

ويضاعف البرد الحالات المرضية، خاصة بين الأطفال وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، 

كما يفاقم حجم الكارثة الإنسانية القائمة. في منطقة العروس بجبل صبر جنوبي محافظة تعز (جنوب غرب)، يظهر جفاف الجلد على وجوه الناس وأجسادهم نتيجة البرد المستمر طوال أشهر السنة، والذي يتحول إلى صقيع خلال فصل الشتاء،

 فالمنطقة تقع حرفياً فوق السحاب، على ارتفاع 3200 متر فوق سطح البحر، وتصل درجات الحرارة إلى ما دون الصفر.
 
وتُعد محافظة ذمار جنوبي العاصمة صنعاء، والواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثيين، واحدة من أشد المحافظات اليمنية برودة، إذ تصل درجات الحرارة في بعض مناطقها إلى ما دون الصفر،

 ما يزيد من معاناة آلاف السكان الذين يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على وسائل التدفئة، خاصة في ظل أوضاعهم المعيشية بالغة السوء.

ويعاني الآلاف ظروفاً غاية في الصعوبة ناتجة عن عجزهم عن توفير أدنى الاحتياجات لمواجهة موجات الصقيع. 

يقول اليمني محمد سيف "أسكن في قمة جبل صبر، وأسرتي مكونة من خمسة أطفال،

 ونعاني البرد طوال العام، ونحاول قدر الإمكان مقاومته بما يتاح خشية الأمراض التي يسببها، وما يزيد من معاناتنا أن أوضاعنا المعيشية صعبة،

 ولا أملك سوى بطانيتين في البيت، واحدة أتغطى بها مع زوجتي، والأخرى لأطفالي الخمسة الذين يضطرون إلى النوم على فراش واحد".

لكن الأوضاع أخطر في مخيمات النزوح، مع تحذيرات من تزايد الحاجة إلى مساعدات عاجلة لحماية الأسر من التعرض لأضرار البرد القارس، خصوصاً أن الغالبية يعيشون في خيام قماشية أو بلاستيكية لا تقيهم من البرودة، خاصة خلال ساعات الليل،

 ما يجعل المخيمات بيئة خصبة لانتشار الأمراض والأوبئة.
 
تقيم النازحة فاطمة مع أسرتها في مخيم الأشروح للنازحين غربي تعز، وتقول "نعيش مأساة حقيقية داخل المخيم، وأصبحنا فريسة سهلة للبرد الذي ينهش أجسادنا، والأمراض لا تغادر أفراد أسرتي، ومثلهم بقية سكان المخيم، 

ولا نملك أي شي، وحتى أبسط احتياجات العيش غائبة، وكل ما نملكه هو بعض البطانيات الصغيرة التي لا تفعل شيئاً، وللأسف لا الدولة ولا المنظمات ولا فاعلو الخير يلتفتون إلى معاناتنا".

تؤوي مخيمات النزوح بمحافظة مأرب (شمال شرق) نحو 62% من النازحين في اليمن، 

وقال وكيل المحافظة، عبد ربه مفتاح، مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول، إن "النازحين يواجهون برد الشتاء القارس بأجساد شبه عارية، مع نقص غذائي حاد، ومأوى مهترئ، وهم بحاجة إلى تدخلات سريعة لمساعدتهم على الصمود".

وتشير تقارير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمحافظة مأرب إلى أن نحو 400 ألف نازح يعيشون في أكثر من 200 مخيم نزوح بالمحافظة الصحراوية،

 وأن غالبيتهم يقاسون ظروفاً إنسانية بالغة الصعوبة من جراء النقص الحاد في الخدمات الأساسية، وضعف بنية المخيمات التحتية، ومحدودية التدخلات الإنسانية.

وفي ظل غياب التدخلات الحكومية، أو تدخلات المنظمات الدولية لدعم الأسر اليمنية في مواجهة موجة الصقيع التي تضرب البلاد، برزت مبادرات شبابية ومجتمعية للقيام بالحد الأدنى من مهام تقديم المساعدة للأسر الفقيرة والمعدمة. 

في مدينة مأرب، قامت مجموعة من الشبان بإطلاق مبادرة تحت اسم "نبع العطاء" لجمع التبرعات، وتخصيصها لشراء بطانيات وملابس شتوية لتوزيعها على الأسر الأشد فقراً، وعلى المشردين في الشوارع.

ويقول ناجي يحيى، وهو أحد أعضاء المبادرة، لـ"العربي الجديد": "مبادرتنا لا تتبع لأي جهة، وتعتمد في عملها على توثيق حالات إنسانية لأسر فقيرة أو معدمة، ومشردين بلا مأوى، 

ويتم تسجيل وتوثيق بيانات هذه الحالات، وإرسالها إلى فاعلي الخير من أجل تقديم مساعدات عينية لهم، 

كما نطلب من الخيرين شراء عدد محدد من البطانيات، والملابس الشتوية، ونكون حلقة وصل بين الداعم والمستهدفين، وزاد الإقبال على دعمنا كوننا لا نطلب مساعدات مالية بل عينية".
 
تدرك الطالبة الجامعية تهاني العمودي، أن جمع التبرعات لشراء الملابس الشتوية للأطفال الفقراء مهمة صعبة، خاصة أن غالبية السكان يعانون فقراً مدقعاً، مع صعوبة توفير أبسط الاحتياجات اليومية،

 لكن ذلك لم ينل من رغبتها في وضع بصمة لها في سجل العمل الخيري، وحماية الأطفال من البرد.

بادرت العمودي إلى إنشاء صندوق لتدوير الملابس الشتوية، مستغلة وجودها في أكثر من مجموعة في تطبيق واتس آب، تضم زميلات الجامعة والأقارب والصديقات. 

وتقول "لاحظت أن الصقيع هذا العام أشد من الأعوام السابقة، وعندما أنظر إلى الأطفال وهم يرتجفون من شدة البرد أشعر بالحزن، فقررت أن يكون لي دور مجتمعي لمساعدة هؤلاء الأطفال وفق المتاح، 

وبدلاً من تبادل أشياء عامة عبر تطبيق واتساب مع صديقاتي، رأيت أن نناقش أفكار مبادرات مجتمعية تعود بالنفع على مجتمعنا الذي يعاني، ويحتاج إلى التكافل".

وتضيف: "طرحت فكرة إنشاء صندوق لتدوير ملابس الشتاء، بحيث يملك ملابس شتوية قديمة أو لا يحتاجها يمكنه أن يتبرع بها للصندوق، كي يستخدمها أشخاص آخرون في حاجة إليها،

 وهكذا يستفاد من الملابس القديمة وإعادة تدويرها، وقد حقق الصندوق حتى الآن نجاحاً مميزاً على الرغم من أنه حديث الإنشاء".

فخر العزب
صحافي يمني