ضرائح الأولياء في اليمن مخزون تراثي ديني

 يشتهر اليمن بتراثه وآثاره القديمة وبخاصة التراث الديني. وفي اليمن كثير من مقامات الأنبياء والأولياء الصالحين التي لا حصر لها، وضرائح الأئمة التي حكمت اليمن وضرائح علماء ودعاة بعض الطوائف كالصوفية (العلوية) والبهرة (الإسماعلية) والزيدية، التي أصبحت مزاراً لأبناء الوطن، وخياراً مناسباً للسيّاح الأجانب.

نقطة تواصل
عن سر الزيارة والطابع الذهني المغروس في الذاكرة الشعبية، يقول أستاذ علم الاجتماع علي أحمد بافقيه، إن زيارة المقامات والضرائح يؤمن أبناء الطوائف بأنها مصادر نيل للخير والبركات والرضا الإلهي، وبأنها متنفس يبعدهم من العالم المادي إلى العالم الروحي، وتعدّ أيضاً نقطة تواصل بين الماضي الجميل والحاضر المر، واستذكاراً بشكل غير مباشر لأمجاد الأجداد وبطولاتهم ولذكراهم.

ويضيف بافقيه أن بعض اليمنيين يأتون للتفرّغ للعبادة، ومجالسة مشائخ وعلماء الصوفية، فيما يأتي آخرون للسياحة والتنزه مع الأصدقاء ولشحن طاقاتهم الإيجابية، ومعرفة عادات وتقاليد تلك الطوائف.

وزيارة الضرائح لا تقتصر على فئات محدّدة بعامل السن أو التعلم أو الوجاهات الاجتماعية أو النفوذ والمال، بل هي متاحة لجميع فئات المجتمع، والعامل المؤثر هو الحاجة النفسية والاجتماعية.

مقامات وطوائف

مكانة صاحب الضريح تزيل الفوارق الاجتماعية بين أفراد المجتمع، بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم ويتساوى الجميع أمام حضرة صاحب الضريح.

الطائفة الصوفية تحدد سنوياً اليوم 7 و8 و9 و 10 من شهر شعبان لممارسة طقوسها الدينية المتنوعة، وتبدأ هذه الطقوس بالسلام الجماعي على النبي هود عليه السلام، وجلسات الذكر والتذكير، ثم تأتي ساعات الترويح عن النفس والطلب المستحب (الدعاء)، وجلسات للأناشيد الروحانية التي تحمل الدعاء والصلاة على محمد وآل محمد، فيما تختلف الطقوس من منطقة إلى أخرى.

التجمع الذي يقدر بالآلاف الذي يأتيه أبناء الطائفة الصوفية من كل بقاع الأرض، يخلو من النساء تماماً، ويرتدي الزائرون فيه ملابس خاصة بالزيارة، وهي عبارة عن أزياء وقبعات بيض، ويحملون رايات حمراء وخضراء.

يقول محسن الكاف (أحد أبناء حضرموت) إن هود بالنسبة إلى المجتمع عمق تاريخي، فالموقع يعدّ من أسواق العرب في الجاهلية، كتجمّع للشعراء وعقد الأحلاف والشؤون القبلية والتبادل التجاري والثقافي، والزيارة بمثابة مؤتمر علمي إسلامي، حتى أصبحت زيارة هود أيقونة حضرموت الكبيرة، والمثل الحضرمي يقول ما حضرموت إلا هود.

ويقع ضريح نبي الله هود في حضرموت، في منطقة تسمى شعب نبي الله هود التي تبعد عن مدينة سيؤون 140 كيومتراً في منطقة مهجورة لا تُسكن في العام سوى أربعة أيام، وفي المكان عدد من المواقع الأثرية، كالمساجد والمعابد والخدور..  وقباب لبعض رموز أعلام الصوفية.

وتقصد طائفة البهرة، التي هي أحد فروع الإسماعيلية التي حكمت اليمن 300 عام التي تنتمي إلى إسماعيل بن جعفر الصادق المنحدر من سلالة الحسين بن علي بن أبي طالب، مرقد حاتم بن إبراهيم الحَضرات المسمى حاتم الخيرات، المدفون في منطقة حراز على بعد 90 كيلومتراً من العاصمة اليمنية صنعاء.

وتتنوع طقوسهم في أثناء الزيارة، بدءاً بالتجمع والسير على الأقدام وصولاً الى منطقة الضريح، ثم قراءة سورتي الفاتحة ويس والدعاء بالأدعية الخاصة بهم كدعاء النصر والمهابة ودعاء الجوشن ودعاء كميل ويذكرون بعض القصائد والأناشيد القديمة الخاصة بهم، وتكون تلك الزيارة في الـ22 من شهر شعبان من كل عام.

ويقدر عدد الطائفة في اليمن بأكثر من 25 ألفاً بحسب إحصاء للجماعة وينتشرون في حراز وصنعاء والحديدة وإب، وعدن، وهم ليس لهم أي نشاط سياسي.

وتعرض قادة ودعاة هذه الطائفة للتضييق ما أدى إلى هجرتهم إلى الهند، حيث استقروا هناك، ولا يعودون إلى اليمن إلا لزيارة ضريح الحضرات وضريح الملكة أروى بنت أحمد الصليحي في محافظة إب التي حكمة اليمن 50 عاماً، وسلطانهم الحالي هو المفضل سيف الدين، نجل محمد برهان الدين.

قليل من كثير

وهناك كثير من الضرائح والقباب في محافظة حضرموت منها: قبة صالح خونب في وادي سر، وقبة عبد الرحمن الجفري في تريس، وقبة علي الحبشي في سيئون، وقبة أحمد بن زين الحبشي في الحوطة، وقبة الهدار في القطن، وقبة النبي هادون في دوعن، وقبة المحضار في تريم، وقبة علي بن حسن العطاس في المشهد.

أما ضرائح محافظة الحديدة منها: أحمد مقبول الأهدل في الدريهمي، والشريف في الدريهمي، والبجلي والحكمي بالسخنة، وعبد الرحيم البرعي في برع، وعجيل بيت الفقيه، والحضرمي في الضحي، والزيلعي في اللحية، وأحمد الفاز في الفازة.

ومن مقامات محافظة ريمة: مقامات شهاب الدين الدروبي في كسمه، وسيدي أحمد في مديرية مزهر، المساوي في الجعفرية، والنهاري في رباط النهاري، والجلاني في الجبين، وأبو بكر الريمي في بلاد الطعام، والحسني في الجعفرية، والحداد في شرهب.

ضرائح دمّرت

يعتقد تنظيم القاعدة أن القباب وزيارتها من الشرك بالله، ولذلك يقوم بهدمها كما حصل في محافظة الحديدة حزيران/يونيو عام 2018 في مديرية الفازة من هدم لضرائح الأولياء، وفي 6 كانون الأول/ديسمبر عام 2021، حيث أقدموا على هدم عدد من القباب والضرائح الدينية في مدينة حيس التاريخية

وفي حضرموت يوم 13 أيلول/سبتمبر 2015، أقدم تنظيم القاعدة الذي كان يسيطر على مدينة المكلّا، على تدمير وهدم أكثر من 10 ضرائح وقباب ومزارات صوفية بالمتفجرات، ونبش قبور رموز دينية وإخراج رفاتهم، وهناك كثير من الضرائح والمقامات التي هدمها.

وفي 16 نيسان/أبريل عام 2020، عقدت وزارة الإرشاد مؤتمراً صحافياً في صنعاء اتّهمت فيه التحالف بتدمير 1052 مسجداً ومدرسة دينية وضريح في جميع أنحاء اليمن.

اتفاقيات عدة

في عام  1972، عقدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) اجتماعها السابع عشر بشأن حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي في باريس من 17 أكتوبر/تشرين الأول إلى 21 نوفمبر/تشرين الثاني، الذي نصّ على أنها ستحافظ على المعرفة وتنمّيها وتنشرها من خلال ضمان صون تراث العالم وحمايته، وإصدار التوصيات للأمم المعنية بشأن الاتفاقيات الدولية اللازمة.

وفي عام 2017 اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 2347 بالإجماع في شهر آذار/ مارس من عام 2017، ضمّت بموجبه الضرائح والمقامات إلى قائمة التراث العالمي.

واعتمدت اتفاقية أخرى لحماية الممتلكات الثقافية من النزاعات المسلحة عام 1954، واتفاقية اليونسكو لمكافحة الإتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية لعام 1970.

هاشم طه - الميادين نت