عادات الأسرة والعشيرة والقبيلة اليمنية تحضر في طقوس الزواج الشعبية

تساهم العادات والتقاليد في تشكيل نمط معيشة الإنسان والتعبير عنه على هيئة ممارساتٍ ونشاطات معيّنة يزاولها أبناء المجتمع ويتوارثونها جيلاً بعد جيل.

للثقافة المجتمعيّة تأثيرٌ بالغٌ في تكوين هذه العادات والتقاليد وتشكيل نسيج النظام الاجتماعي. يمكن القول إنّ العادات والتقاليد توليفةٌ من خلفيّة المجتمع الثقافية وأصوله التاريخية، وكذا العوامل الجغرافية، انتهت إلى ولادة أنماطٍ سلوكية وأساليب وممارسات معيّنة.

تعبّر العادات والتقاليد عن الإرث الثقافي المتناقَل من جيل إلى آخر عبر العمليات الاجتماعية التي تسمح بترسيخ هذه العناصر في وعي الأفراد وفكرهم، إذ إنَّ هؤلاء يمتثلون لثقافتهم التي تكفل تنظيم حاجاتهم المختلفة وإشباعها. يتجلى ذلك التعبير عن الإرث الثقافي عبر صيغ مختلفة، أبرزها الاحتفالات الدينية والاجتماعية التي تعكس صور التراث المنقول إلينا، بحسب المصادر. ويذكر تالكوت بارسونز أنّ العادات والتقاليد تشكّل الجوانب التي تسمح للأفراد بتحقيق تكيّفٍ مع البيئة الخارجية.

ومراسم الزواج وطقوسه انعكاس حيّ للعادات والتقاليد اليمنية، إذ يقدّم المواطن نموذجاً فريداً ومميزاً في أن تكون الأسرة والعشيرة والقبيلة حاضرة، وتمثّل السَّند وتقدم الدعم والمعونة، وتشارك الفرد أفراحه وأتراحه.

حضور القيم اليمنية في مراسم الزفاف

يشير أستاذ علم الاجتماع والعلاقات الدولية في جامعة صنعاء الدكتور ماجد الوشلي، إلى أنّ إيجابية العادات والتقاليد أو سلبيتها يرجع إلى نمط الحياة في المنطقة الجغرافية التي يعيش الإنسان فيها: "في كل مجتمع، نلحظ أنّ هناك عادات إيجابية وأخرى سلبية. هذا الأمر بطبيعة الأمور يرجع إلى نمط الحياة في المنطقة التي يعيش فيها الإنسان، فهناك الكثير من العادات والتقاليد الإيجابية التي تعزز الوجود الإنساني والمعيشي للمجتمع، تتعلق بمبادئ التعاون والتكافل وتحمّل المسؤولية الجماعية".

وأضاف: "لا تزال هذه القيم حاضرة في اليمن، ومراسم الزواج وطقوسه انعكاس حيّ لها، إذ يقدّم الإنسان اليمني نموذجاً فريداً ومميزاً في أن تكون الأسرة والعشيرة والقبيلة حاضرة، وتمثّل السَّند وتقدم الدعم والمعونة، وتشارك الفرد أفراحه وأتراحه، وما نحتاجه اليوم هو نمط التعاون المعيشي الذي يقوي الروابط الاجتماعية ويسعى لتوثيقها وتعزيزها".

تشير المصادر الأنثروبولوجية إلى أنّ الثقافة تعدّ ترجماناً حياً لمختلف الأساليب والوسائل التي سعى من خلالها الإنسان للتكيّف مع ظروف البيئة، فالإنسان عبر العناصر الثقافية ساهم في تشييد واقعه المعيش. وقد شكَّلت العناصر الثقافية وسيطاً لإعادة بعث النظام الاجتماعي ضمن سياقٍ مجتمعي معين، إذ شكلت العادات والتقاليد أبرز مصادر الثقافة في صيغها المادية والمعنوية.

وعبرت هذه المصادر عن نمطية الممارسات والنشاطات التي زاولها الأفراد في الماضي والحاضر، في محاولٍة منهم لتحقيق تكيّف واندماج اجتماعيين يكفلان لهم إشباع حاجاتهم المختلفة ضمن نمط ثقافي معين. وقد شكّلت العادات والتقاليد نموذجاً توصيفياً تأسَّست عليه مفاهيم "الهوية - الانتماء والخصوصية الثقافية" عبر مستوياتها المختلفة.

في السياق ذاته، يقول الدكتور ماجد الوشلي: "المجتمع اليمني ينتمي إلى ثقافة دينية ملتزمة. ولهذه الثقافة خصوصيتها وميزتها، لكونها ارتبطت بالقيم المجتمعية التي انعكست في صور عادات وتقاليد. وفي هذا المسار، نرى أن هذه العادات لا تتجاوز الإطار الديني والثقافي، بل تجعل من الثقافة الدينية الإطار الحامي لها، كما أن المرونة التي تتمتع بها العادات والتقاليد في اليمن تجعل الثقافة اليمنية صورة مشرقة نفخر بها".

بدورها، علّقت الباحثة في علم الاجتماع رويدا الطاهش بالقول: "الهوية الإيمانية في اليمن يقتضي بموجبها تطبيق التعاليم الدينية التي بمجرد مخالفتها يتم افتعال عواقب صارمة، خصوصاً فيما يتعلق بمسائل الزواج، إذ يعتبر الشرف قيمة مقدسة في المجتمع اليمني".

عادات وتقاليد متجذرة 

اليمن كغيره من الدول يمتلك الكثير من العادات والتقاليد التي ترتبط ببيئته الخارجية، وتعبّر عن موروثه الثقافي، وتساهم في تشكيل نسيجه الاجتماعي. من هذه العادات والتقاليد ما هو مرتبطٌ بالزواج والأعراس، إذ يوليها المجتمع اليمنيّ أهميةً بالغة.

من أبرز الخصائص التي تميّز عادات وتقاليد الزواج في اليمن أنّ اختيار العروس - غالباً - يكون عبر الوالدين أو الأهل، إذ لا تسمح خصوصية المجتمع اليمني بعلاقات التعارف قبل الزواج، إلا فيما ندر، فتسعى أم العريس جاهدةً أو أخواته وقريباته للبحث عن عروس المستقبل وفق معايير معينة، أبرزها طيب الأصل وحسن الخلق وجمال المظهر، وتوافق العروس أيضاً بناءً على المعايير ذاتها.

يذكر الدكتور ماجد الوشلي أنّ لليمن في عادات وتقاليد الزواج ميّزات وخصائص تختلف في كثيرٍ من الحيثيات المكانية والزمانية، وتتسم بكونها محافظة وملتزمة بأعراف القبائل والعشائر اليمنية، قائلاً: "تتسم تقاليد الزواج في اليمن بالبساطة والتواضع في عملية التعارف بين الأسرتين، من خلال التعارف الكلاسيكي القديم. وبعد اختيار العروس تخبر أم العريس ولدها عن مواصفات عروسه. وبعد موافقة الطرفين، تبدأ مراسم الخطبة الخاصة بكلٍ من الرجال والنساء، ويحرص الأهل على تحديد موعد الخطبة أو عقد القران في أيامٍ مباركة اعتقاداً منهم بأنّ ذلك يعود بالبركة على حياة العروسين المستقبلية".

يردف قائلاً: "وقد يعمد البعض لإقامة العزائم والولائم بين الأسرتين بهدف توطيد العلاقة وتوثيقها. وعادةً ما تكون الخطبة مقدّمة لعقد القران. وفي أحيانٍ أخرى، تتم الخطبة والعقد في يومٍ واحد، وربما في يوم الزفاف نفسه، تفادياً للتكاليف الباهظة وتيسيراً للزواج. أما المهر فيختلف في المحافظات الشمالية عنه في المحافظات الجنوبية. وقد يكون الأمر مطروحاً للأسرة أو العائلة بتحديد ما تراه مناسباً، ويكون المهر معجّلاً على خلاف كثيرٍ من الدول التي يكون المهر فيها معجّلاً ومؤجّلاً ما يعسّر عملية الزواج".

ترى الباحثة في علم الاجتماع هند شبيطة أنّ الزواج في الريف يختلف عن المدينة، إذ تتسم أعراس الريف بالبساطة، فيما بات طابع الترف والمبالغة يغلب على أعراس المدن، تقول: "الزواج في الأرياف اليمنية يتّسم بالبساطة على عكس المدن. في الريف، يقوم أهل العروس بتجهيزها وإقامة احتفال متواضع يدعى إليه أهل العروسين وأقاربهما وأهل القرية، ثم تؤخذ العروس مع مقتنياتها من الملابس والذهب إلى بيت الزوجية".

كيف يحتفي اليمنيون في أعراسهم؟

تختلف عادات خروج العروس إلى بيت زوجها من منطقة إلى أخرى؛ ففي بعض المناطق، تؤخذ العروس من قاعة الزفاف مع عريسها. وفي مناطق أخرى، يخرجها أهلها بموكبٍ إلى بيت زوجها، ليكون في استقبالهم هناك مع أهله، وهناك مناطق يرفض أهلها أن تؤخذ ابنتهم في يوم الزفاف نفسه، فتعود إلى منزل أبيها، ثم تؤخذ بعد أيامٍ قليلة إلى بيت زوجها. وفي اليوم الذي تخرج فيه من بيت والدها - والذي يكون الخميس عادةً - يتم تجهيزها تماماً كيوم حفل الزفاف، وتدعى النساء من الأقارب والجيران للاحتفاء والاحتفال بالعروس قبل مغادرتها.

فيما يتعلق بطقوس العرس ومراسيمه، فالبعض يكتفي بيوم واحد، وهو يوم الزفاف، لكن جرت العادة أن تقام مراسيم العرس على مدى 3 أيام، وفي بعض الأحيان 7 إلى 10 أيام. أحد هذه الأيام يسمى بيوم الحمام. وفيه يذهب العريس مع أصدقائه وأهله إلى حمام البخار. في بعض المحافظات، يترك العريس لمدة لا تقل عن ساعة في المناطق التي تشتدّ فيها حرارة الحمام لاختبار مدى احتماله. وفي مناطق أخرى، يوضع شوك الصبار على كرسي العريس بعد خروجه من حمام البخار.

أما مراسم عرس النساء في هذا اليوم الذي يسمى "يوم الحمام" أو "الذبّال"، فترتدي فيه العروس لباساً خاصاً يسمى القميص، مع لثام من القماش الشفاف أو الفضة، وترتدي حلية مميزة من الفضة تثقَل بها، كما تحرص على ارتداء المرجان الأصلي لحمايتها من العين، كما تجري العادة.

إضافةً إلى "يوم الحمام" يُقام يوم الحناء وحفل السَّمَر للرجال. وفيه يرتدي العريس لباساً خاصاً، ويزَفّ من منزله بما يسمى "البرع"، إذ يقوم مجموعة من الشباب يسمون "المبرّعين" بالضرب على الطبول بعصيانٍ مخصصة، وبإيقاعٍ مميز ومتنوع، ترافقها رقصات "البَرَع" من الحضور، إذ يشكّلون حلقة يبترعون فيها بالجنابي فرحاً وابتهاجاً بالعريس، ثم يسيرون راجلين في موكبٍ فرح ترافقهم رقصات البرع إلى مكان إقامة حفل السَّمَر.

أما النساء، فيقام لهنّ "يوم المَشَاجب" أو "النَّقش". وفيه ترتدي العروس فستانَين من قماش الجرز الفاخر، مع تغطية وجهها تماماً مع الفستان الأول ولثام يغطي نصف وجهها أثناء ارتدائها الفستان الثاني، وتتزين بحلية من الذهب الخالص.

وفي يوم الزفاف، يدعى الرجال عصراً لحضور حفل الزفاف في قاعة العرس أو منزل العريس، بعدما تكون قد أقيمت وليمة غداء في المناسبة، ثم يزَفّ العريس ليلاً أمام منزله مع رقصات البرع المتنوعة. وتمتاز زفّة العرس اليمنية بإيقاعها المميز وكلماتها التي يغلب عليها الذكر والصلوات على النبي وآله.

كذلك الأمر بالنسبة إلى النساء، إذْ تقام لهنّ حفلة الزفاف بحضور أهل العروسين وأقاربهم وجمع من النساء. وهناك الكثير من العادات والتقاليد المرتبطة بطقوس العرس، مثل كسر البيض عند وصول العروس إلى بيت زوجها. أيضاً حمل العروس القليل من نبات الشَّذَاب بيدها، وهي نبتة ذات رائحة جميلة يعتقد بأنها تحصّن العروس وتحميها من العين والأرواح الشريرة.

هُوية ثابتة تاريخياً

مراسم الزفاف في اليمن تعكس بدورها مدى الترابط والتلاحم بين أبناء العشيرة أو القبيلة الواحدة، إذ يتداعى أبناء العشيرة أو الأسرة الواحدة لحضور حفل الزفاف، على اعتبار أن إحياء هذه المراسيم والاحتفاء بها يعدّ لبنة في تشييد القيم الإسلامية الحنيفة والحفاظ على النسيج المجتمعي.

والبعض يقدّم المعونات والهبات المادية للعريس لإتمام عرسه إن كان وضعه المادي متعسّراً. وفي بعض القرى، تشارك النساء في إعداد أطباقٍ وأصنافٍ من الطعام يأخذنها إلى منزل العرس، مساهمةً منهنّ في إعداد وليمة العرس، وبعض المقتدرين يقيم الولائم أياماً عدّة.

يقول رئيس المركز الوطني للوثائق الدكتور فؤاد الشامي: "كان لبعض عادات وتقاليد الزواج في اليمن تأثير كبير في تشكيل البنية الاجتماعية للمجتمع اليمني، فقد كان من ضمن عادات الزواج في اليمن الزواج من الأقارب أو داخل القبيلة. لذلك، حافظت القبيلة على وجودها وتماسكها وقوتها في تلك المناطق إلى يومنا هذا أو الزواج ضمن المنطقة الواحدة أو من الفئة الاجتماعية نفسها مع وجود استثناءات محدودة لهذه القاعدة".

ويضيف: "ساعدت هذه العادات في تكوين البنية الاجتماعية للمجتمع اليمني، وأثرت في تركيبة مكوناته، وما زالت هذه العادات موجودة إلى اليوم، ولكن بشكل أقل حدة، وخصوصاً مع توسع المدن وانتقال الكثير من أفراد المجتمع إلى المدن الرئيسية، ما ساعد على تكوين مجتمعات مختلطة وظهور عادات جديدة".

أما الدكتور ماجد الوشلين فيعلّق بالقول: "القيم المجتمعية في اليمن تتعلق غالباً بالتراث التاريخي والثقافة الدينية. هذا المزج بين التاريخ الحضاري والثقافة الدينية للقيم والمبادئ والعادات اليمنية له خصوصيته ورونقه الجميل، وهو يعكس الحفاظ على التاريخ والحضارة ومراعاة القيم الدينية والاجتماعية في الوقت ذاته"، مؤكداً أنّ عادات الزواج في اليمن تستند إلى هوية ثابتة ذات قيمٍ راقية، سواء فيما يتعلق بمراسيم الخطبة أو عقد القران أو التعارف الأسري أو الزفاف.

ويضيف: "لعلّ أبرز صورة مشرقة هي مبادرات الزواج الجماعي الذي تنظمه هيئة الزكاة والحكومة اليمنية في صنعاء لآلاف الشباب". والجدير بالذكر أن هيئة الزكاة أقامت في الآونة الأخيرة عرساً جماعياً لما يقارب 8 آلاف عريس وعروس في أمانة العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، بحسب وكالة "سبأ" اليمنية.

في المقابل، عمدت قوى التحالف لاستهداف الأعراس وتحويل الفرح إلى فاجعة ومصيبة والعرس إلى مأتم عزاء، أبرزها جريمة استهداف القاعة الكبرى الذي سقط ضحيتها ما يقارب ألف شخص بين شهيدٍ وجريح، وغيرها من الجرائم التي استهدفت عدداً من الأعراس في تعز وذمار ومأرب والضالع، إذ يبلغ ضحايا غارات قوى العدوان على الأعراس ما يقارب 1500 شخص بين شهيد وجريح.

ملاك محمود -  الميادين نت