هل يتم منح أبناء السعوديّات المُتزوّجات من أجانب الجنسيّة السعوديّة؟

منْح الجنسيّة لأبناء المُواطنات، في الدول الخليجيّة، والعربيّة، ملف مُعقّد وجدلي، وتتوقّف عند تطبيقه الحكومات، لعدّة أسباب، أهمها منح حُقوق المواطنة، لمُواطنين يُفترض أنهم يتبعون والدهم “الأجنبي” الذي يحمل جنسيّة غير جنسيّة الأم المُواطنة، وفي ذلك جدل كبير، ومع هذا يُعاني أبناء المُواطنات عادةً من ضياع الحُقوق، والتشتّت، والمُماطلة بالوعود، وعدم الحُصول على وظيفة في بلد الأُم، مع وجود بعض الاستثناءات والمزايا لأبناء المُواطنات لجأت لها دول مِثل الأردن.

العربيّة السعوديّة، واحدة من تلك الدول التي يُطالب فيها أبناء المُواطنات الحكومة منحهم جنسيّتها، وقد دخل ذلك الملف أكثر من مرّة مجلس الشورى وجرى رفضه، ويبدو أن المملكة، تُريد هذه الأيّام الذّهاب بعيدًا في ملف تجنيس أبناء المُواطنات، وفي توقيت تشهد فيه البلاد خطوات إصلاحيّة مُتسارعة على صعيد حُقوق المرأة، من إسقاط ولاية الرجل عنها، السّماح بالسّفر وقيادة السيارة، رفع قيود إجبار اللباس الخارجي (العباءة)، ومن ثم في قرارين لافتين مُتتالين، السّماح لها بالحج والعمرة “دون مُحرم”، وبعدها أمر ملكي لافت يتعلّق بتعديل قانون نقل الجنسيّة لأبناء المُواطنات.

في قراءة القرار الملكي الجديد، لا يُوجد بعد نص صريح يقضي بمنح الجنسيّة السعوديّة لأبناء المُواطنات السعوديّات بمُجرّد الولادة لأم سعوديّة، وإنما تعديل شخص مانح الجنسيّة من وزير الداخليّة، إلى رئيس الوزراء السعودي، فتُصبح العبارة في المادة الثامنة من الجنسيّة السعوديّة “بأمر من رئيس مجلس الوزراء” تُمنح الجنسيّة السعوديّة.

ويشغل منصب وصلاحيّات رئيس الوزراء في المملكة حاليّاً، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي كانت قد انتقلت له صلاحيّات رئيس الوزراء نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي من والده العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وهي سابقة في السعوديّة أن يملك ولي العهد صلاحيّات رئيس الوزراء، فهي عادةً ما تكون بيد الملك، وبالتالي سيكون الأمير بن سلمان هو صاحب صلاحيّة تجنيس أبناء المُواطنات أيضاً.

الجنسيّة السعوديّة كانت تُمنح لمن وُلِدَ في السعوديّة من أب أجنبي، وأم سعوديّة، بقرارٍ من وزير الداخليّة، ولكن بشُروط مطلوبة، تختلف فيها الحالات، وقد يصعب في بعضها التطبيق، ويطول الأمر مُماطلةً في بعضها الآخر، فعند تقديم طلب الجنسيّة، المادة 9 تشترط على ابن المُواطنة أن يكون بلغ سن الرشد، واكتسب صفة الإقامة لمدة لا تقل عن عشر سنوات مُتتالية، وأن يكون حسن السيرة والسلوك، ويُجيد اللغة العربيّة قراءةً وكتابة، وكُل هذه الشروط لم تتغيّر أو تتعدّل، سوى أن المُوافقة على منح الجنسيّة، سيكون بأمر من رئيس الوزراء، وليس بقرار من وزير الداخليّة، أيّ قرار بنقل صلاحيّات.

ونظرًا لأن رئيس الوزراء هو الأمير بن سلمان، الذي يُسارع الخُطى في الإصلاحات ويملك صلاحيّات واسعة في بلاده، فهذا يعني تقديرات في الأوساط السعوديّة بمزيدٍ من التسهيلات لمنح الجنسيّة السعوديّة، ولعلّها دلالة ومُقدّمة على تسهيل الشّروط الصّعبة وتعديلها، أو حتى إلغائها، واستماعاً لنداءات طالت لسنوات للقيادة السعوديّة، من مُواطنات سعوديّات عانين طويلاً، أملاً في منح الأبناء لأب أجنبي جنسيتهن، والتي ستُسهّل بطبيعة الحال حياة الأبناء غير السعوديين من جهة الأب.

وفي حال إصدار الأمير بن سلمان، وبأمره بصفته رئيساً للوزراء بعد نقل الصلاحيّات له من وزير الداخليّة، قرارًا بمنح أبناء المُواطنات السعوديّات من مواليد سنوات مُعيّنة وتطبيقه على الجميع تباعاً من أبناء السعوديّات، والأهم دون الالتفات للشّروط المُطبّقة سابقاً، سيأتي ذلك استمرارًا لقرار والده الملك سلمان، بمنح الجنسيّة السعوديّة لعدد من الكفاءات، والخبرات والتخصصات النادرة (جرى تجنيس عدد منهم)، وكسْرًا لقاعدة تبعيّة جنسيّة الأبناء للأب في العالم العربي، وإغلاق الباب تماماً على انتقادات غربيّة تقول بأن حريّة المرأة السعوديّة تقتصر على جوانب مُعيّنة، دون جوانب أخرى، ويخدم مصالح شخصيّة، وهي دوناً عن النساء الخليجيّات ستكون باستطاعتها منح جنسيتها لأبنائها، ولعلّ القرار الأكثر شعبيّة، هو منح أبناء المُواطنات الجنسيّة السعوديّة تلقائيّاً، تماماً كما يحصل مع أبناء المواطن السعودي الذي يمنح الأبناء جنسيّته فور ولادتهم.

لا يملك أحد صلاحيّات الاعتراض على قرار مُتوقّع بمنح أبناء المُواطنات الجنسيّة، كون صلاحيّات رئيس الوزراء هي الأعلى في المملكة، ولكن هذه الصلاحيّات، لا تمنع الجدل المنصّاتي والسياسي حول منح الجنسيّة السعوديّة لأبناء المُواطنات، والاعتراض من البعض على منح الأبناء لأب من جنسيّات عربيّة مُعينّة، واعتباره خطرًا على الثقافة السعوديّة والخليجيّة، الأمر الذي رفضه آخرون، وعدّوه عنصريّة.

ومن غير المعلوم، فيما إذا كانت السعوديّة ستُعدّل أيضاً قانون منع ازدواجيّة الجنسيّة، فالنظام السعودي لا يسمح للشخص حامل جنسيّة بلده الأصلي بحملها مع الجنسيّة السعوديّة.

الأمير محمد بن سلمان، بكونه صار المسؤول المُباشر عن أمر التجنيس، مُطّلعٌ بكُل الأحوال على الإحصاءات التي تُقدّر عدد أبناء السعوديّات المُقيمين في المملكة بحوالي مليون و500 ألف قابل للزيادة، وهذا رقم كبير حال جرى تجنيسه، ويضع على الدولة عاتق توظيفهم، وتحمّل كُل ما يتعلّق بمُواطنتهم، كما يطرح تساؤلات اقتصاديّة وأمنيّة عند البعض، في حين يبلغ عدد السعوديّات المُتزوّجات بأجانب 700 ألف إمرأة، وبطبيعة الحال وضعن أنفسهن بعد تعديل القانون، موضع الترقّب والانتظار.

وعُموماً تتشابه قوانين منح الجنسيّة لأبناء المُواطنات في بقيّة دول الخليج بصُعوبتها أو مُماطلتها بالأحرى لأسبابٍ سياسيّة وأخرى أمنيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، وهي الأسهل في الإمارات كشُروط مُمكنة، فيما تأمل المُواطنات في الكويت، وقطر، وعُمان، والبحرين أن يتمكّنّ من منح جنسيّة بلادهن للأبناء، على غرار الرجال، وبانتظار أيّ حلحلة تلوح في الأفق أو بارقة أمل تحتذي بالسعوديّة.

“رأي اليوم”- خالد الجيوسي