أطفال اليمن في ظل الحرب: اللعب أو الموت

 يعيش الأطفال في العاصمة صنعاء واقعهم بصورة تختلف من حيّ إلى آخر، ولا سيما فيما يتعلق بممارسة اللعب، ومحاولة التأقلم مع الحياة في ظل منغصات الحرب والحصار.

يتذمر الطفل إبراهيم حسين (12 عاماً) كثيراً من الواقع الذي يعيش فيه في ظل استمرار الحرب والحصار المفروض على اليمن للعام الثامن على التوالي، ويعيش في ظروف نفسية معقدة للغاية، وتقول والدته إنه يخاف كثيراً من أي أصوات مزعجة.

يعيش إبراهيم وأسرته في منزل شعبي بالعاصمة صنعاء، بالقرب من حديقة "فان سيتي" بمديرية السبعين، وقد تعرضت الحديقة لاستهداف من قبل طيران التحالف في شهر شباط/فبراير  2016، وأسفر القصف يومها عن اشتعال النيران في الحديقة، وسقوط عدد من الجرحى، وتضررت عدد من المباني المجاورة، وكان منزل إبراهيم واحداً منها.

ويقول إبراهيم إنّ القصف كان شديداً للغاية، وأنه منذ ذلك اليوم لا يستطيع الخروج إلى الشارع للعب مع أصدقائه، ولم يدخل الحديقة على الإطلاق بعد القصف، وأنه حينما يسمع بأصوات الطائرات يصاب بحالة من الخوف والهستيريا.

وبصوت مكلوم، تعبّر والدة إبراهيم عن خشيتها على ابنها، فهي تلاحظ عليه حركات غريبة، وكثيراً ما يصيبه المرض، وتصدر منه بعض التصرفات الغريبة كالانفعال الزائد على اللزوم، وتكسير النوافذ، والصراخ بالصوت العالي، وهي حالات لم تكن تلازم إبراهيم قبل حادثة قصف الحديقة.

محمد لطف عامر، وهو أب لخمسة أولاد، يقول إن الجانب النفسي للأطفال في اليمن معقد للغاية بسبب الحرب، غير أن ذلك لم يحول دون إفساد المتعة التي يعيشها الأطفال، لافتاً إلى أنه يأخذ أبناءه باستمرار إلى حديقة السبعين بالعاصمة صنعاء، وأنهم يعيشون الفرحة والسعادة، على الرغم من منغصات الحرب وبؤس المعيشة.

أطفال اليمن في ظل الحرب: اللعب أو الموت

يعشق الكثير من هؤلاء الأطفال كرة القدم، حيث تجدهم ينتشرون في الحواري، وفي بعض الشوارع الفرعية، وخاصة بعد العصر، كون أغلبيتهم ينتظمون في المدارس بالصباح، ولا يحلو لهم ممارسة هذه الرياضة إلا بعد الظهيرة.

ويقول مجد الدين البكيلي (13 عاماً) إنهم يمارسون الرياضة واللعب في ملاعب ترابية وسط الحواري، ويفضلون ركلة كرة القدم وهم بدون أحذية، وغالباً ما يتسببون بمشاكل مع سكان الحارة، الذين يتذمرون من الازعاج، ووصول الكرة إلى نوافذ البعض منهم وكسرها.

ويتمنى البكيلي لو كان لديهم ملعباً مخصصاً في الحارة لممارسة هذه الرياضة، لافتاً إلى أنهم مجبرون على اللعب بهذه الطريقة لانعدام البدائل الأخرى، فصنعاء تكتظ بالسكان، وهي ليست كبقية المناطق الريفية التي فيها أماكن مفتوحة ويستطيع الأطفال ممارسة اللعب في مكان بكل راحة واطمئنان.

ليست كرة القدم هي اللعبة الوحيدة للأطفال في صنعاء، فهناك الكثير منهم لا يمارسونها على الإطلاق ولديهم ميولاً لممارسة ألعاب أخرى، لكن تظل صنعاء مكاناً غير آمن بسبب حرب التحالف المستمرة على اليمن، وهنا يقول محمد جابر والد 5 أطفال في حي شميلة بصنعاء، إنه يمنع أبناءه من الخروج إلى الشارع لممارسة أي لعبة، فهو يخاف عليهم من الحوادث أو الموت، ولهذا فإن أطفاله مجبرين على المكوث في المنزل لأيام كثيرة.

ويشير إلى أن منزله صغير جداً، ولا توجد فيه أماكن يستطيع فيها أبناؤه ممارسة ألعابهم، كما لا يستطيعون اللعب في سطح المنزل، ولهذا فإنهم يبحثون عن بدائل أخرى، ومنها اللعب في تطبيقات هاتفية، أو المكوث لساعات طويلة أمام شاشة التلفاز لمشاهدة مسلسلات الكرتون.

ويتابع جابر: "أفضل الأيام بالنسبة لأولادي هي حين نخرج إلى الحديقة، فهناك يجدون مساحة للعب، وحين أرى أولادي يطاردون بعضهم البعض، أو يركلون كرة القدم، أو يمارسون السباحة في الحديقة أشعر بالارتياح، وأفرح لفرحهم".

يوجد في صنعاء عشرات الحدائق التابعة للحكومة ورجال الأعمال، كما تنتشر في الكثير من الحارات، حدائق صغيرة يستطيع الأطفال الدخول إليها، وممارسة الألعاب فيها بدون دفع مبالغ مالية.

وخلال العامين الماضيين، أنشئت بعض الملاعب العشبية في المدارس غير الحكومية في صنعاء، والتي تمتلك ساحات كبيرة، وإلى جانب هذه الملاعب العشبية توجد حدائق صغيرة، يجد فيها الأطفال في الحواري الملجأ لهم.

ويقول علي دحان وهو مالك حديقة الرحاب في صنعاء إن إقبال المواطنين يزداد عليها خلال أيام عيد الفطر والأضحى، وكذلك خلال يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع باعتبارهما عطلة رسمية.

وإلى جانب الملاعب العشبية في المدارس الأهلية، لجأ عدد من المستثمرين إلى افتتاح مسابح في عدة أماكن بصنعاء يدخلها الكبار والصغار، حيث يجد الأطفال أماكن يستطيعون السباحة فيها.

وأمام هذا فإن الصورة لم تكتمل بعد، فثمة نوع آخر من الأطفال في صنعاء يفضلون أن يسلكوا طريقاً آخر، لإدخال السعادة إلى قلوبهم، وخاصة الذين يسكنون بالقرب من الأسواق، حيث تنتشر محلات ألعاب الكترونية في بعض الأماكن، وتجد شاشات كبيرة، يمارس الأطفال عبرها ألعاب الفيديو القتالية، أو ألعاب كرة القدم، وغيرها، وهي بمبالغ مالية قليلة يستطيع الأطفال دفعها بكل سهولة.

وإلى جانب هذه المحلات توجد عدد من مقاهي الانترنت، حيث تجد بعض الأطفال يدخلون إليها، ويقضون أوقاتهم إما في متابعة الألعاب، أو مشاهدة المسلسلات، ومتابعة المباريات عبر الانترنت.

نوال النونو -   الميادين نت