العيد في اليمن.. جلسات واحتفالات تُطفئ مرارة الحرب

 بروح الفرح والسعادة والتراحم تجتمع العائلات اليمنية في المنازل والمجالس لتحتفل بعيد الفطر بصورة جماعية متميزة، مستمتعة بأطباق الطعام الشعبية الشهية التي تحضّرها كُل أسرة. وتنوُّع العادات والتقاليد والطقوس المستمَدّة من الإرث الثقافي المتميز، يُظهر بهجة أيام العيد بطريقة متفردة الإبداع والروعة.

يتميز اليمن بتنوع ثقافي خاص، كما تتنوع تقاليد الأعياد من قبيلة إلى أخرى من حيث الملابس العيدية المتنوعة، وفولكلور الرقص الشعبي، على نحو يعكس قدسية هذه المناسبة العظيمة ومكانتها في قلوب اليمنيين.

منذُ بدء العشر الأواخر في شهر رمضان، يهرول اليمنيون إلى شراء الملابس الجديدة للأطفال والنساء والرجال، وادّخار جعالة العيد (المكسرات، كالزبيب واللوز وغيرهما)، بينما تباشر النساء في تجهيز مائدة الضيوف، عبر تحضير الكعك العادي والكعك المسكر (البِتيفور) وتنظيف المنازل.

في اليوم الأول للعيد، تبدأ المراسم عند إشراقة الضوء، بحيث يقوم الرجال والأطفال بلبس الجديد والذهاب إلى المقابر لزيارة أمواتهم، وأيضا زيارة روضات الشهداء، ثم التوجه إلى المساجد لصلاة العيد وسماع الخطبتين. وعندما يعودون إلى منازلهم تكون وجبة الصبوح الجماعي عند أكبر شخص في العائلة جاهزة، ثم يتم الانتقال إلى زيارة الأرحام والعائلة وما جهزته، وتقديم العيدية (العسب)، فتليها العودة إلى المنازل لتناول وجبة الغداء.

أمّا بشأن معوّقات زيارة الأرحام، فيقول محمد عبد الكريم - موظف حكومي –، إن "الحرب والحصار، وما يتعلق به من أزمة مالية لنا، نحن الموظفين، وارتفاع أسعار الوقود، وسيطرة وسائل العصر والحداثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لم تؤثر في عاداتنا وتقاليدنا المتعلقة بزيارة الأرحام. فقاطع الرحم يُعَدّ فاسداً، كما قال الله في القرآن الكريم " فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ "".

اليمن دولة محافظة، لا توجد فيها الاجتماعات المختلطة، وهذا ما يجعل الرجال والنساء يتباينون في طريقة إتمام طقوس الاحتفالات بالعيد. فجلسات الرجال يسيطر عليها القات إلى جانب المداعة والشيشة والسجائر، ويتطرق الحاضرون إلى القصص التاريخية والحكايات المفيدة والذكريات. وأهم عناصر الحديث تذكر المواقف المضحكة التي تجمع بين اثنين أو أكثر في المجلس الواحد. 

ومجالس النساء عادة ما يحضر القات فيها، لكن يكون الحضور الكبير للمكسرات والحلويات والمشروبات والقهوة والحليب.

ويقول عبد الله المريسي - مزارع - "إن أهم الجلسات تكون في أيام العيد الثلاثة، لأننا في الريف نترك الزراعة ونستمتع بالجلسات مع العائلة، أو بالاجتماع في حضور شيخ القبيلة وأبنائها، من أجل كسر الروتين اليومي، ومناقشة القضايا التي لم نستطع مناقشتها".

وتقول سميرة الصلوي، وهي مالكة مشروع خاص: "لا أحب إمضاء إجازة العيد في الريف، بل أمضيها في المنزل، حيث إن لديّ مجلساً كبيراً، فأقوم أول أيام العيد بدعوة صديقات المدرسة، وأدعو في اليوم الثاني صديقاتي في الجامعة، وأجتمع في ثالث أيام العيد بالزميلات في العمل، ونحضّر ما يشبه حفلة كبيرة، في محاولة منا للخروج من المألوف، وعيش تجربة متميزة خلال أيام العيد".

كما أن هناك جلسات عيدية داخل المنازل. ويحب البعض، على الرغم من الظروف الصعبة والقيود المالية الشديدة، بسبب الحرب وتوقف المرتبات، السفر مع العائلة، أما إلى الريف، وإما إلى المناطق التراثية التاريخية. والبعض يكتفي بالذهاب إلى الحدائق والمتنزهات والسدود والشلالات والمناطق الزراعية والوديان. أمّا البعض الآخر فيحب زيارة المناطق الساحلية السياحية، مثل عروس البحر الأحمر في محافظة الحديدة ومحافظة عدن ومحافظة سقطرى الجميلة. وحالياً سقطت محافظتا عدن وسقطرى من قائمة الزيارات، بسبب الحرب والصراع، والانفلات الأمني ، والذهاب إليهما أشبه بدخول حقل ألغام.

ويقول محمد عبد الكريم: "أقوم كل عيد بالانتقال إلى قبيلتي، لأنها تُعَدّ فرصة في لقاء العائلة لاستعادة دفء العلاقات الأسرية، ولقاء أبناء منطقتي التي خف التواصل معهم نتيجة زحمة الانشغالات اليومية، والبحث عن لقمة العيش، والأهم من ذلك محاولة نسيان مرارة الحرب والحصار المطبق على الشعب اليمني".

والبعض يشارك في حفلات رقص شعبي في ساحات كبيرة، تعبيراً عن البهجة، ويشهد بعض المناطق الاحتفالات بأعراس (حفلات زفات) جماعية وفردية، كون شوال وذي الحجة شهرين تكثر فيهما الأعراس. وأيضاً تُقام خلال أيام العيد الأولى مهرجانات فنية، تجمع بين إحياء التراث الاجتماعي والتراث الثقافي ومهرجانات اجتماعية دينية ومسابقات ترفيهية.

هاشم طه