عمال اليمن.. ديون تثقل كاهلهم وفقر يعجزهم عن توفير احتياجات أسرهم

يواجه عمال اليمن للعام التاسع على التوالي صدمات الحرب وما رافقها من تبعات، أهمها توقف صرف رواتب الموظفين المدنيين لتمتد إلى بقية الفئات المجتمعية من خلال تعثر مرافق ومؤسسات الدولة الاجتماعية والخدمية، وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية الأساسية، ومستويات التضخم مع انكماش حاد في متوسط دخل الفرد.

تزامن ذلك مع ظهور سلسلة مديونية في المجتمع لم يعد يستطيع كثير من اليمنيين التعامل معها، إذ يرجح وجود 80% من الديون لمؤجري المساكن ومحال بيع الغذاء والخدمات العامة.

 لا يستطيع الأربعيني مختار السلامي توصيف حالة الإنهاك التي يعاني منها نتيجة الجهد الشاق الذي يبذله في سبيل الحفاظ على تماسك أسرته من خلال إيجاد قنوات ومنافذ تمكّنه من الوصول إلى ما أمكن من السلع ومصادر الغذاء المتاحة.

يتحدث هذا المواطن اليمني، وهو موظف مدني في إحدى الدوائر الحكومية في العاصمة صنعاء، عن أنه طرق أبواب الشركات والمؤسسات الخاصة لفترة طويلة بعد انقطاع راتبه كموظف في الخدمة المدنية، لكن دون جدوى، فما كان منه إلا التوجه للأعمال الحرة والتي يتنقل فيها من عمل لآخر ما بين الخياطة وأعمال البناء والمحال التجارية لتوفير ما يسد رمقه وأسرته المكونة من 6 أفراد، والتي تعتمد على الديون بنسبة كبيرة كغيرها من الأسر في اليمن لمواجهة متطلبات الحياة المعيشية.

نفس الأمر ينطبق على وضعية كثير من العمال والموظفين في عدن جنوب اليمن، إذ يؤكد ناصر شايع، عامل في إحدى المؤسسات العامة، أن التضخم يلتهم بسهولة بحسب وصفه ما يحصل عليه من أجر زهيد لم يطرأ عليه أي تغيير منذ أكثر من تسع سنوات.

ويرزح عمال اليمن تحت وطأة ديون متراكمة أثقلت كاهلهم للتعامل مع الاحتياجات المعيشية والغذائية والخدمية، بعد أن تقطعت بهم السبل نتيجة فقدان الكثير منهم لمصادر الدخل المتاحة.

ومن خلال استطلاع تم رصد  عدد واسع من اليمنيين في 7 محافظات يمنية، اعتماد أكثر من 60% من المواطنين خصوصاً الفئة العاملة من موظفين مدنيين وعمال في القطاع الخاص، على الديون لتغطية احتياجاتهم من الغذاء والمتطلبات المعيشية، والإنفاق على بعض الخدمات العامة الضرورية كالصحة والتعليم وتوفير المياه والكهرباء وإيجارات المساكن.

يرجع منير حسن، عضو في اتحاد عمال اليمن، الجزء الرئيسي من أسباب تفاقم أوضاع عمال اليمن إلى التداعيات الناتجة عن نقل وظائف البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن بدون أي ترتيب لتلافي تبعاته وأضراره وضمان استمرار خدماته والتزاماته، والذي أدى إلى توقف صرف المرتبات وتضرر عمال وعاملات اليمن وعدم قدرتهم على الوصول إلى السلع الرئيسية ومياه الشرب الصحية وأصبحوا الاكثر احتياجاً للمساعدات الإنسانية.

بينما يبرز التضخم كمشكلة كبيرة تتجاوز نسبتها 70%، وتسببه في التهام ما يتم صرفه من رواتب للموظفين المدنيين في جزء من المناطق في اليمن، والمداخيل والأجور الشحيحة التي تجد الفئة العاملة صعوبة بالغة في الإيفاء بالتزاماتها المعيشية والمواءمة بين الدخل والإنفاق والمصروفات.

يقول العامل مهدي أبوبكر، من سكان حضرموت جنوب اليمن، ويعمل في مجال التعليم، إن راتبه الذي لا يتجاوز 80 ألف ريال (الدولار يساوي 1200 ريال) لا يكفيه لدفع أجور المواصلات والتنقل للوصول إلى مقر عمله في منطقة بعيدة عن سكنه.

في حين يشكو العامل في مجال الشحن والتفريغ بميناء عدن، فهمي عبده، من مشقة العمل وضآلة الأجر الذي يحصل عليه مع ارتفاع سلسلة مديونيته التي يرجع الجزء الرئيسي من أسبابها إلى فوارق العملة المحلية وتكاليف التحويلات المالية عندما يقوم بإرسال المصاريف الشهرية لأسرته التي تسكن في منطقة تابعة لمحافظة إب وسط اليمن.

يرى المحلل الاقتصادي صادق علي، أن تدني الأجور مع توسع الفجوة الغذائية وتدهور النظام الغذائي لليمنيين وتقلص عدد الوجبات وتلاشي عديد السلع والمنتجات من قائمة اهتمامات المواطنين كاللحوم ومنتجات الألبان والبيض والدواجن والخضروات والبقوليات، كان له تأثير كبير في انهيار قوة العمل وتراجع الإنتاجية وتضاؤل الفرص المتاحة وعدم القدرة على شغل الوظائف المتوفرة التي تتاح بشروط ومعايير تفوق قدرات وإمكانيات نسبه كبيرة من الأيدي العاملة المتوفرة.

وتشير آخر بيانات صادرة قبل الحرب والخاصة بالمسح الشامل للقوى العاملة، إلى ارتفاع معدلات البطالة وتدني نسبة السكان في سن العمل الذين ينشطون اقتصادياً في اليمن، وتراجع معدل المشاركة في القوى العاملة من 45.9% من السكان في سن العمل إلى 36.3%.

ويعاني اليمن من تأثير المشاكل المزمنة المرحلة منذ ما قبل الحرب في البلاد والاختلالات في سوق العمل على تفاقم الوضع وزيادة الأعباء وتفاقم الوضع ووصوله إلى ما يشبه الانفجار في البطالة وسوق العمل ومعاناة وتردي أوضاع العمال.

يتصدر الفساد المنتشر على نطاق واسع قائمة هذه المشاكل والتحديات، إضافة إلى تعطل المؤسسات الرسمية، وضعف القطاع الخاص والقيود المفروضة على النقابات العمالية وتدني الأجور وتدهور ظروف العمل، وعدم قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على الوصول إلى العدالة بسبب المحسوبية والروتين.