مأساة اليمنيين العالقين في السودان .. موت بطيء وليالٍ خانقة

تسابقت كلّ الدول، ذات العلاقة بالسودان، إلى إجلاء رعاياها، في وقتٍ لم ينجُ من آلاف اليمنيين العالقين سوى 450 عالقاً، أبحروا عبر السفينة السعودية (أمانة)، وما يقارب 791 آخرين غادروا السودان عبر شركة الطيران اليمنية، وهم الذين تسنّى لهم الهرب من جحيم الحرب في السودان، من بين مجموع اليمنيين الذي يُقَدَّر بـ 2800 يمني، كانوا عالقين في منطقة بورتسودان، بينما تزداد المعاناة، من يوم إلى آخر، نتيجة تأزم الوضع في المدن السودانية، وعدم اهتمام الجهات المختصة في الحكومة بأوضاعهم ومصيرهم، الأمر الذي نتج منه أيضاً حالات وفاة وإجهاض واختفاء.

يقول الباحث الاجتماعي، محمد العزي، إنّ "كثيرين من أبناء الجالية اليمنية في ميناء بورتسودان ينتظرون متى تصل إليهم قذائف المتصارعين، وبعانون نقصاً في الإمدادات الإنسانية والطعام والشراب والأدوية، وانقطاعاً في المواصلات، ويفتقدون كل ما يساعدهم على مواصلة الحياة".

ويضيف العزي أن "صالة الأفراح ريم الذهبية يسكن فيها نحو 450 من أبناء الجالية اليمنية، ولا يوجد فيها دورات مياه كافية لهذا العدد الكبير، وخُصِّص للعالقين فيها طبيب واحد فقط، لا يملك لا الأدوية ولا مختبراً بسيطاً، في ظل انتشار الأمراض بين الأطفال وكبار السن".

ويؤكد العزي أنّ "مستحقات المسؤولين عن سفارة اليمن في السودان، التابعين للتحالف، إلى جانب ما يقومون بنهبه من مستحقات الطلاب والوافدين، كفيلة بإعادة العالقين إلى ديارهم، في أسبوع واحد".

حيث أنّ هناك طالبات عالقات في منفذ أرقين السوداني المصري، بحيث تم منع اليمنيين فقط من العبور من مصر، وأهالي هؤلاء الطالبات فقدوا الاتصال بهن، فكان الواقع مؤلماً جداً لهنّ ولأهاليهنّ، بسبب تجاهل المعنيين والجهات المختصة، فناشد تجار يمنيون في القاهرة السلطات المصرية من أجل السماح لهن بالعبور، بموجب تقديم ضمانات تقضي بعدم الاستقرار فيها".

أذن من طين وأذن من عجين

بجملة "أذن من طين وأذن من عجين"، علّق المئات من العالقين اليمنيين في السودان، في مواقع التواصل الاجتماعي، على كيفية التعامل مع شكاويهم، وأطلقوا حملة تحت وسم #إجلاء_اليمنيين_في_السودان، من أجل إيصال مظلوميتهم إلى العالم، وبهدف إغاثتهم ومساعدتهم، بعد أن تركتهم الحكومة التابعة للتحالف يواجهون مصيرهم المجهول، إما قتلاً برصاص الفرقاء، وإمّا غرقاً في البحر.

ويقول محمود الدبعي (ماجستير علاقات دولية) إنّ "العالقين أطلقوا هذا الوسم بعد أن واجهوا كثيراً من المواقف الصعبة نتيجة غياب الدور الرسمي، وبسبب التجاهل المتعمد من جانب السفارة ووزارة الخارجية، الأمر الذي تسبّب بالوفاة والإصابة لعدد منهم، في حين حُوصِر جزء منهم في الخرطوم، وبعضهم اختفى، ولا أحد يعلم شيئاً عنه.

ويضيف الدبعي أنّ "عدداً من العالقين مات في حادث في أثناء مغادرة الخرطوم إلى منطقة بورتسودان، ومنهم من دُفِنوا تحت ركام المنازل من دون أي تحرك من جانب السلطات الرسمية من أجل انتشال جثثهم، أو معرفة هويّاتهم".

أمّا بشأن الانزعاج الكبير، فيقول الدبعي إنّ "أفراد طاقم السفارة اليمنية كانوا أول المغادرين إلى جانب أبنائهم، بينما تركوا الطلاب عالقين، لا أرض تتقبل وجودهم، ولا حكومة تساعدهم، والحكومة اليمنية تتعامل معهم، وفق قاعدة: أذن من طين وأذن من عجين، إذ إنّها أظهرت بعض الاهتمام في البداية من أجل ذر الرماد في العيون، لكنها أطلقت كعادتها وعوداً فارغة، كانت بمثابة كذب وخداع وتنصُّل من أداء الواجب".

ويؤكد الدبعي أنّ إجلاء الدفعة الأولى من ميناء بورتسودان الى جدة تم نتيجة جهود فردية، في ظل غياب تام للسفارة والحكومة، وقبل أن تكلف وزارة الخارجية لجنة ومندوباً. وانتقل الطلاب والجالية من الخرطوم إلى مدينة مدني، على حسابهم الخاص، على رغم المعاناة التي واجهوها خلال هربهم من مناطق الاشتباكات، وبسبب ارتفاع أسعار المواصلات".

إجلاء سمَوي

طالب اللواء الركن السوداني، محمد عثمان محمد حمد، في تصريح، مبعوثَ الأمم المتحدة، بحل مشكلة تأخر إجلاء اليمنيين، أو سيدخلهم معسكرات اللاجئين.

في يوم الخميس، الـ4 من أيار/مايو الجاري، تُوُفِّيت اليمنية وفاء محمد عبد الله (41 عاماً) وطفلتها مرام ليث عبد الواحد، في حادث مروري، خلال نزوحها مع عائلتها إلى مدينة بورتسودان، وجُرح طفلاها مصطفى ومريم بجروح بليغة.

أما الحاجّة سعدة الشميري (81 عاماً) فعجز نجلها عن إنقاذها عند إصابتها بكسر في ساقها في مدينة الخرطوم، فتم نقلها طوال مدة يومين إلى مدينة بورتسودان، فتأثرت إلى حد الدخول في غيبوبة لمدة ثلاثة أيام، ووُضعت في العناية المركزة، وورد حينها اسمها كحالة خاصة من أجل السفر في كشوفات رحلة الإجلاء السعودية، لكنها مُنعت من جانب الضباط السعوديون بحجة عدم امتلاك السفينة طاقماً طبياً، وأيضاً بسبب التحجّج بعذر عدم التنسيق مع وزارة الخارجية اليمنية، فناشد أهلها الحكومة اليمنية، لكن من دون جدوى، فتركت الأمر للقدر، فوصلها "الإجلاء السمَوي" في تاريخ 11 أيار/مايو الجاري. كما أن هناك عدداً من حالات الإجهاض للنساء الحوامل.

ويقول الدبعي إنّ "هناك 3 حالات وفاه و3 جرحى من عائلة المأمون، في إثر سقوط قذيفة على منزلهم في شارع المك نمر في الخرطوم. أما المفقودون فهم بالعشرات، ومنهم محمد المطري، وهو أحد العاملين في منطقة بحري في العاصمة الخرطوم، وتعرّض لهجوم من عصابة في أثناء عبوره إلى نقطة التجمع من أجل أن يتم إجلاؤه، في حين تتعمد السفارة اليمنية في السودان إخفاء سائر الأسماء".