Logo

الوظيفة تؤرق اليمنيين: تهاوي القطاع العام وتدهور الأنشطة الاستثمارية

 أجبرت الحرب واستفحال الصراع في الجانب الاقتصادي في السنوات الثلاث الماضية تحديداً كثيرا من اليمنيين على اتباع نمط الحياة التشاركي حيث تعيش أكثر من أسرة أفرادها غالباً من الأبناء والأخوة ممن كانوا قد استقلوا في حياة خاصة بهم في مسكن واحد يتشاركون فيه كل بقدر استطاعته للمساهمة في تكاليف ومتطلبات السكن والمعيشة.

ودخل اليمن مرحلة صعبة على كافة المستويات بفعل الصراع الاقتصادي المشتعل والذي كانت له تبعات كارثية على معيشة اليمنيين ومصادر الدخل وإفراغ الأسواق بشكل تدريجي من فرص العمل المتاحة في القطاع الخاص ومختلف الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، في ظل أزمة طاحنة يمر بها القطاع العام المشغل الرئيسي في اليمن وانقسامه بين طرفي الصراع، الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين وما نجم عن ذلك من انقطاع رواتب الموظفين المدنيين.

وتعد ظروف العمل في اليمن صعبة للغاية، والتي كانت أقل من مثالية حتى في فترة ما قبل تصعيد الصراع، في حين يشير تقرير للبنك الدولي صادر في أغسطس/ آب الماضي إلى أن الاستيلاء على العاصمة صنعاء كان له آثار قوية متباينة على العمالة في اليمن. بالمقابل، يمر سوق العمل أخيراً في عموم مدن ومناطق اليمن بحالة اضطراب وعدم استقرار وسط اهتزاز في إنتاجية الأسر بسبب تراجع مصادر الدخل مع انخفاض عدد العاملين، حيث كان هناك بالمتوسط اثنان على الأقل يبلغان من العمر 15 عاماً أو أكثر يعملان في كل أسرة.

ويعزو خبراء اقتصاد هذا الوضع الراهن المتشكل في اليمن وسط محاولات واسعة تقودها سلطنة عمان للتهدئة الشاملة وإيقاف الصراع المشتعل في الملف الاقتصادي، إلى مجموعة من الأسباب أهمها السياسات التدميرية التي تنتهجها بعض الأطراف والتي ساهمت في ارتفاع الفقر والبطالة إلى مستويات قياسية تفوق قدرات تخفيف تبعاتها الكارثية.

ويقول الخبير الاقتصادي مطهر عبدالله، إن الوضع الراهن أمر طبيعي أنتجه الصراع الدائر والتعسفات التي قيدت الاستثمارات متبوعة بسياسة السلطات المعنية المعتمدة بشكل أساسي على الجبايات، خصوصاً الحوثيين، بالنظر إلى استيلائهم على العاصمة اليمنية صنعاء وهي المركز الرئيسي للقطاع الخاص والمصارف والبنوك.

الباحث الاقتصادي صادق علي، يقول ، إن القطاع العام في اليمن تاريخياً كان أكبر مصدر للوظائف والمشغل الرئيسي لليمنيين، في حين ساهمت الحرب في تخلي القطاع العام عن هذه المهمة حيث تعرضت مؤسسات الدولة لتدمير، يعتبره ممنهجاً، لمقدرات ومكتسبات الوطن والشعب بحيث سمح ذلك بهيمنة سلطات أطراف الحرب وفرض سياستها واتباعها، في حين نال القطاع الخاص نصيب وافر من الاستهداف الممنهج، بحسب هذا الباحث الاقتصادي، خاصة البيوت التجارية الوطنية العريقة التي كان لها دور كبير في التشغيل واستقطاب الأيدي العاملة بأعداد كانت تفوق في بعض الأحيان قدراتها الاستيعابية.

إجراءات تعسفية

ويجمع مسؤولون في القطاع الخاص وتجار وخبراء اقتصاد على أن سلطة الحوثيين في صنعاء انتهجت سياسات اقتصادية مقيدة وإجراءات تعسفية على القطاع الخاص وطاردة للمستثمرين وخانقة للمواطنين اليمنيين في مناطق نفوذها، والتي تقوم على الجبايات والإتاوات، حيث عملت على رفع معدل الجبايات من الضرائب المختلفة والزكاة على القطاع الخاص بمستويات غير مسبوقة في ظل أزمة خانقة في توفير الخدمات مثل الكهرباء، ومستلزمات الإنتاج والبنية التحتية والنقل.

ويشير رئيس لجنة الصناعة في الاتحاد العام اليمني للغرف التجارية والصناعية أنور جارالله ، إلى خدمات الدعم ومستلزمات الإنتاج والكهرباء باعتبارها من أهم المشاكل والتحديات التي يعاني منها القطاع الخاص بالنظر إلى تبعاتها على الإضرار بالقطاع الصناعي ومختلف أنشطة الأعمال الاقتصادية والاستثمارية وتحجيم قدراتها على التوسع والتطور الذي يسمح باستيعاب الأيدي العاملة، لافتاً إلى أن القطاع الخاص بالرغم من ذلك يقوم بدور كبير في التشغيل وتوفير فرص العمل.

بدوره، يتطرق التاجر أحمد جشيع ، إلى التحدي الأهم، كما يصفه، والمتمثل بسياسة إنهاك القطاع الخاص الوطني في اليمن وإضعافه بالجبايات والإتاوات والضرائب المضاعفة وقائمة طويله من الرسوم الجبائية. ويعتبر خبراء اقتصاد أن الرسوم الجبائية والإتاوات سياسة منظمة تستهدف من خلالها بعض الأطراف رأس المال الوطني لفرض اتباعها من تجار السوق السوداء ممن كونتهم الحرب على حساب معاناة اليمنيين.

خسائر فادحة

تشير التقديرات الحكومية الأخيرة الصادرة عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية إلى أن خسائر القطاع الخاص المباشرة وغير المباشرة بلغت 27 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب، علاوة على ذلك، أغلقت 25 في المائة من إجمالي عدد الشركات في اليمن بعد عام 2014، وشهد أكثر من 80 في المائة منها انخفاضا حادا في المبيعات، في حين ترجح وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل واتحاد عمال اليمن عدد العمال الذين فقدوا وظائفهم بفعل الحرب والصراع بنحو 5 ملايين عامل.

تتضمن الأسباب الرئيسية لإغلاق الشركات القضايا الأمنية في مناطق الصراع، والخراب الاقتصادي، والركود المالي، وتدمير أصول الشركات. أما الشركات التي نجت من هذه الأسباب فقد عانت من انقطاعات في الخدمات الرئيسية وتناقص في قواعد عملائها.

في استجابة لهذه الظروف، خفضت الشركات من عدد العاملين فيها، وتحولت نسبة 52 في المائة من الشركات الكبيرة إلى متوسطة، والمتوسطة إلى صغيرة، والصغيرة إلى متناهية الصغر أثناء الصراع، ونقلت 20 في المائة أخرى من الشركات عملياتها إما إلى مناطق داخل البلد أو إلى الخارج.