Logo

خطط السعودية لأسواق المال: هل تغير وجه المنطقة؟

 تشهد أسواق المال في السعودية تطورات غير مسبوقة، وسط مساعٍ حثيثة لتعزيز تنوع مصادر التمويل، وتقليل الاعتماد على النفط، وفتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية، مما يعيد رسم المشهد المالي في المنطقة بأكملها.

وفي ظل التحولات الاقتصادية المستمرة التي تشهدها المنطقة، تتجه الأنظار إلى المملكة، والتي تسابق الزمن لتعزيز مكانتها كمركز مالي إقليمي وعالمي.

تطور أسواق المال

تتجه أسواق المال السعودية نحو مزيد من الإصلاحات الجذرية ضمن خطة التحول الاقتصادي "رؤية 2030"، حيث لم يقتصر هذا التغيير على السوق المحلية فقط، بل امتد تأثيره إلى منطقة الخليج بأكملها.

ومع توسع المشاريع في قطاعات غير نفطية مثل البنية التحتية والتكنولوجيا والترفيه، تصاعدت الحاجة إلى مصادر تمويل إضافية خارج نطاق القطاع المصرفي التقليدي، مما عزز نشاط أسواق الائتمان الخاص.
 
وتلعب صناديق الثروة السيادية دوراً محورياً في تحفيز الأسواق المالية؛ عبر تمويل المشاريع وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، ما يسهم في وضع دول الخليج على خارطة الاستثمارات العالمية.

وأشارت صحيفة إندبندنت عربية، بتقرير نشرته في 27 فبراير الماضي، إلى أن الإصلاحات التشريعية التي أقرّتها المملكة، مثل تعديل قوانين الطرح الأولي للأسهم وتنظيم إصدارات سندات الدين، ومساعدة الشركات في الحصول على التمويل من الأسواق المالية، بعيداً عن الاعتماد على القروض المصرفية، عززت السيولة والاستثمار المؤسساتي في الاقتصاد.

وأضافت أنّ هذه الإصلاحات ساهمت أيضاً في إدراج سوق الأسهم السعودية ضمن المؤشرات العالمية، مما عزز جاذبية المستثمرين المؤسساتيين، ومن المتوقع أن يواصل تحسين القوانين المتعلقة بملكية الأجانب ومتطلبات الإدراج جذب مزيد من الاستثمارات الإقليمية والعالمية.

وفي هذا السياق، أكدت مجموعة "تداول" السعودية سعيها إلى تعزيز عمليات الاندماج والاستحواذ لتطوير السوق المالية وجذب المستثمرين الأجانب.

وأوضح الرئيس التنفيذي للاستراتيجية في "تداول"، لي هودجكينسون، في تصريح لصحيفة بلومبيرغ الاقتصادية في 20 فبراير الماضي، أن الفرص المقبلة تتركز في مجالات البيانات والتحليلات، مشيراً إلى صفقة حديثة مع "شبكة مباشر المالية" في السعودية، مما يعكس توجه "تداول" نحو تعزيز أدوات الاستثمار المتاحة.

وعلى صعيد سوق الأسهم، ارتفع متوسط ​​القيمة اليومية المتداولة إلى نحو ملياري دولار عام 2024، وبحسب بيانات "تداول"، شكّل المستثمرون الأجانب من خارج دول الخليج العربي، بما في ذلك الإمارات وقطر، قرابة ثلث إجمالي التداولات بنهاية عام 2024، أي ثلاثة أضعاف النسبة المسجلة في عام 2020.

بيئة جاذبة

ويرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي أحمد صدام أن تطوير أسواق المال في المملكة قد أسهم في تمويل المشاريع التنموية الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل.

ويضيف  أن هذه الأسواق ساعدت القطاع الخاص في الوصول إلى التمويل المطلوب من خلال أسواق المال ورفعت مستوى مساهمته في الاقتصاد إلى أكثر من 40%، إذ شكلت بيئة جاذبة للاستثمارات في المملكة.

ويوضح صدام أن تأسيس مدن اقتصادية خاصة بالتوازي مع إصلاحات اقتصادية مهمة أسهم في جذب المستثمرين وعزز من مستوى تنافسية السوق.

ويشير إلى أن أبرز الفرص الاستثمارية الجديدة تمثلت في قطاعي السياحة والرياضة اللذين نوعا الاستثمارات بفضل وجود سوق مالية متقدمة سهلت التمويل لهذه المشاريع.

ويعتقد أنه يمكن تجاوز العقبات التشريعية الخاصة بالضرائب من خلال الاستثمار في المناطق الاقتصادية الخاصة مثل نيوم، فضلاً عن الاستفادة من الشراكة مع مستثمرين محليين، إذ تحصل من خلالها على إعفاءات ضريبية، وكذلك يمكن للشركات الأجنبية الاستثمار في المشاريع المدعومة حكومياً بما يقلل من العبء الضريبي.

ويؤكد صدام أنه من الطبيعي أن تقود التقلبات الجيوسياسية وأسعار النفط إلى زيادة مخاطر الاستثمار، فعلى سبيل المثال انخفاض أسعار النفط قد يقود إلى إعادة هيكلة بعض المشروعات ويقلل من السيولة في الأسواق المالية.

ويلفت إلى أنه رغم ذلك تسعى المملكة إلى تقليل هذه الآثار من خلال تنويع الاقتصاد غير النفطي وتعويض ركود الأسواق من خلال الأدوات المالية الأخرى مثل السندات الحكومية.
 
استراتيجيات الاستثمار والنمو

وسجّلت السعودية منذ بدء الإصلاح الاقتصادي في 2016، معدلات نمو لافتة في قطاعات مثل العقارات والتكنولوجيا والسياحة، مستهدفة استثمار أكثر من تريليوني دولار بحلول 2030.

كما تخطط حكومة المملكة لجذب 1.3 تريليون دولار إضافية من استثمارات القطاع الخاص، لتصل قيمة الاستثمارات المستهدفة إلى 3.3 تريليونات دولار ضمن الاستراتيجية الوطنية للاستثمار.

وتهدف السعودية إلى رفع مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الاستثمارات إلى 40%، بما يضمن استدامة المشاريع الاقتصادية ويدعم البيئة الاستثمارية.

وفي ظل حجم الخطط الاستثمارية الحالية، الذي يعادل 1.5 ضعف دفتر قروض القطاع المصرفي، تبرز الحاجة إلى وسائل تمويل مبتكرة مثل السندات ورأس المال الهجين والائتمان المباشر، وهو ما يعمق الأسواق المالية ويتيح فرصاً جديدة للمستثمرين.

وتتوقع "موديز" أن تحقق القطاعات غير النفطية في الخليج، وخاصة السعودية، نمواً بين 4% و5% في 2025-2026، مستندة إلى متوسط سعر النفط عند 75 دولاراً للبرميل.

وعلى الرغم من ارتفاع عائدات صادرات النفط بين 2021 و2023، فإن ودائع القطاع المصرفي زادت بنحو 70 مليار دولار فقط، نتيجة توجيه جزء كبير من العائدات لتمويل الاستثمارات.

وبلغ صافي القروض في السعودية خلال تلك الفترة نمواً بنسبة 127%، متجاوزاً الودائع المحصلة بأكثر من 100 مليار دولار، ولردم الفجوة التمويلية، اتجهت البنوك السعودية إلى إصدار السندات، ما عزز من نمو السوق المالية.

وصرّح المدير التنفيذي لشركة "تداول" السعودية لـ"العربية Business"، محمد الرميح، في 18 فبراير الماضي، أن السوق السعودية طرحت في عام 2024 أكثر من 45 طرحاً جديداً، محققة نسبة تغطية تجاوزت 1000% في السوق الرئيسية و400% في السوق الموازية، وهو ما جعلها الأسرع نمواً عالمياً من حيث عدد الشركات المدرجة.

وبدوره، أكّد الرئيس التنفيذي لشركة "الإنماء المالية"، مازن بغدادي، أن سوق أدوات الدين شهد نشاطاً ملحوظاً خلال العام الماضي، حيث ساعدت "الإنماء المالية" أكثر من شركة على إصدار الصكوك.

وتوقع بغدادي خلال حديثه مع "العربية Business"، في 18 فبراير الماضي، زيادة هذا النشاط مع توجه السياسة النقدية إلى خفض أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة، مما يعزز جاذبية أدوات الدين كخيار تمويلي.

وأضاف بغدادي أن السوق السعودية تمضي قدماً في تنويع الطروحات الأولية، وهو ما يفتح الباب أمام المستثمرين لتنويع محافظهم في قطاعات متنوعة، في ظل استمرار إدراج شركات من مجالات مختلفة خلال السنوات الماضية.


 
التحديات والعقبات

ورغم الزخم الذي اكتسبته الأسواق المالية، يراقب المستثمرون الأجانب بعض التحديات التي قد تؤثر على النمو، مثل التطورات الجيوسياسية وتقلب أسعار النفط، والتي قد تفرض ضغوطاً على السيولة في المنطقة.

كما تظل الإصلاحات التشريعية أولوية لضمان جذب الاستثمارات، خصوصاً فيما يتعلق بضريبة القيمة المضافة والضرائب غير المباشرة، بالإضافة إلى الحاجة لتحديث قوانين مثل ضريبة الزكاة المفروضة على الشركات، والتي تشمل المستثمرين الأجانب، وفق تقرير إندبندنت عربية.

ولتخفيف هذه العقبات، أنشأت السعودية مناطق اقتصادية خاصة مثل مدينة الملك عبد الله الاقتصادية ومدينة "نيوم"، والتي توفر مزايا ضريبية وتسهيلات لإعادة الأرباح، ما يعزز ثقة المستثمرين الأجانب ويدفع عجلة الاستثمار الإقليمي.