Logo

ماذا يفعل قادة الاقتصاد العرب في واشنطن هذه الأيام؟

 

 لا أعرف ما الذي يفعله قادة الاقتصاد العرب وكبار صانعي السياسات المالية والنقدية في دول المنطقة في واشنطن هذه الأيام سوى تمهيد الطريق نحو مزيد من الاستدانة، والبحث عن "خرم ابرة" ينفذون منه للحصول على قروض تضاف للديون القائمة، وتزيد أعباء الأوطان والاقتصادات المحلية، وترهق المواطن، وتدخل الدول والأجيال المقبلة في نفق مظلم، وترهن مقدرات الدولة وأصولها للخارج والدائنين، وتهدد الأمن القومي الاقتصادي.

هذه الأيام تدافع وزراء المالية والاستثمار والاقتصاد ومحافظو البنوك المركزية العربية نحو العاصمة الأميركية للمشاركة في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين والتي يشارك فيها كبار المسؤولين الاقتصاديين حول العالم وصناع القرار المالي وأباطرة أسواق المال، وتأتي في وقت عاصف للاقتصاد العالمي حيث حرب تجارية مشتعلة وتقلبات في البورصات واسواق المال.

وفيما انكب زعماء الاقتصاد والمال في العالم للبحث عن قضايا جادة ومقلقة من أبرزها ارتدادات الحرب التجارية التي يقودها ترامب وفريقه على الاقتصاد العالمي،

 وسيناريوهات "الهبوط الناعم" للاقتصاد العالمي، وتصاعد وتيرة التضخم، ومخاطر شبح الركود العالمي الذي يلوح في الأفق، 

فإن الفريق العربي راح يبحث في ملفات أهم، من وجهة نظره، وهو كيفية إقناع المؤسسات المالية الدولية بمنح مزيد من القروض لدولهم المتعطشة للنقد الأجنبي، 

أو إقناع صندوق النقد الدولي وغيره من مؤسسات الإقراض بالدخول في مفاوضات وابرام اتفاقات جديدة يتم في نهايتها استدانة معظم دول المنطقة مزيد من مليارات الدولارات.
 
الوفد السوري الذي قاده وزير المالية محمد يسر برنية، وحاكم مصرف سورية المركزي، عبد القادر الحُصرية، كان الأكثر حضورا حيث قاد ملف إعادة اعمار سورية ودعم استقرارها السياسي والاقتصادي وإعادة دمجها في النظام المالي الدولي إلى اجتماعات واشنطن، 

وعقد اجتماعات مطولة مع ممثلين عن البنك الدولي وصندوق النقد ووزارة المالية السعودية والمؤسسات المالية. 

وفيما لم تتم الإشارة إلى رغبة سورية في الحصول على قروض من صندوق النقد وغيره فإن الصندوق أرسل إشارات إيجابية للنظام الجديد في دمشق حيث عيّن اليوم الأربعاء رون فان رودن رئيسًا لبعثته إلى سورية،

 ليُمثّل مرحلةً جديدةً من التعاون بين الطرفين التي ربما تتوج باتفاقية قروض يعقبها تعويم الليرة وتطبيق برنامج تقشفي وتقليص الدعم وخصخصة الشركات العامة وبيع أصول الدولة.
 
الوفد اليمني الذي يقوده وزير المالية اليمني سالم بن بريك، بدا متحمسا للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة تصل إلى 6 مليار دولار 

وفق تصريحات الوزير الذي قال إن اليمن بدأ بالفعل مفاوضات بهذا الشأن، على أن يتولى فريق من خبراء الصندوق زيارة عدن في وقت لاحق وجمع المعلومات المالية والاقتصادية اللازمة. 

الوفد اللبناني الذي يرأسه كل من وزير المال ياسين جابر والاقتصاد عامر بساط وحاكم البنك المركزي كريم سعيد، سعى خلال وجوده في واشنطن لإحراز تقدم في ملف ابرام اتفاقية مع صندوق النقد والحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار.

أما وفد الأردن فواصل في واشنطن استكمال المفاوضات التي بدأها في العاصمة عمان قبل أيام للحصول على قرض جديد والاتفاق على برنامج "التسهيل الموسع"، 

ومحاولة تسريع الترتيبات والتي تهدف إلى ابرام اتفاق طويل الأجل مع الصندوق يساهم في تعزيز استدامة الاقتصاد الوطني، لا سيما في قطاعات المياه والطاقة، ودعم قدرة المملكة على الاستجابة للطوارئ الصحية.

 علما بأن حكومة المملكة توصلت قبل أقل من التوصل لاتفاق مع صندوق النقد يسمح بصرف قرض جديد بقيمة 130 مليون دولار.

الوفد المصري انشغل بملفات منها تسريع الحصول على قرض جديد من صندوق النقد قيمته 1.3 مليار دولار، والترويج لبرنامج الاصلاح القائم على بيع أصول الدولة والتقشف والتعويم

لا يختلف الأمر مع وفد المغرب الذي حاول تسريع اجراءات القرض الجديد مع صندوق النقد والبالغة قيمته 4.5 مليارات دولار لمدة عامين ويتم منحه بهدف دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز قدرته على مواجهة الصدمات الخارجية، 

علما بأن صندوق النقد الدولي وافق يوم 18 مارس الماضي على قرض جديد بنحو نصف مليار دولار للمغرب.

أما الوفد المصري فانشغل بملفات عدة منها التفاوض حول تسريع حصول الحكومة على قرض صندوق النقد الاستثنائي والبالغة قيمته 1.3 مليار دولار، 

والترويج لبرنامج الاصلاح الاقتصادي القائم بشكل أساسي على بيع أصول الدولة والتقشف المالي وتعويم العملة المحلية وخفض الدعم الحكومي وزيادة أسعار السلع والخدمات وتوسيع القاعدة الضريبية. 

كما التقى أحمد كجوك، وزير المالية مع أكثر من 60 مستثمرًا على هامش اجتماعات واشنطن في محاولة لإقناعهم بضخ مزيد من الأموال الساخنة والاستثمارات المباشرة في مصر، 

مكررا وعوده بأن الدولة تستهدف الحفاظ على تحقيق فائض أولي، وخفض العجز الكلي للموازنة، وتقليل أعباء خدمة الدين ومعدلاته إلى الناتج المحلي.
 
لكن في الناحية الأخرى من الاجتماعات كانت أكثر الدول المدينة تحت مجهر صندوق النقد الدولي الذي أعلن عن مراجعة أسلوب عمله بما في ذلك كيفية تصميم برامج القروض، وتحديد مدتها وشروطها، 

لا سيما مع الدول التي تلجأ إليه بشكل متكرر، مثل مصر وباكستان، والأرجنتين، وأوكرانيا وفق تصريحات المدير العام للصندوق كريستالينا غورغييفا.

لا يختلف الأمر كثيرا لدى وفود عربية أخرى منها البحرين وتونس والسودان وموريتانيا والصومال وجيبوتي وغيرها من الدول التي تلهث للحصول على قروض خارجية، وكأن هذه هي المهمة المقدسة للحكومات العربية التي جاء أغلبها بطريقة غير منتخبة.

مصطفى عبد السلام
صحافي مصري