الذهب يتفوق على اليورو.. من هي الدول الأكثر شراء للمعدن الأصفر؟
في تحول لافت يعكس اختلالات عميقة في موازين النظام النقدي العالمي، أصدر البنك المركزي الأوروبي اليوم الأربعاء تقريرا يؤكد فيه أن الذهب قد تجاوز اليورو ليصبح ثاني أهم أصل احتياطي لدى البنوك المركزية العالمية، بعد الدولار الأميركي.
وكشف التقرير أن حصة الذهب بلغت نحو 20% من إجمالي الاحتياطيات الرسمية المعلنة، متفوقا على اليورو الذي تراجع إلى مستوى 16% فقط، فيما ظل الدولار محافظا على صدارته بحصة تقارب 46%.
ويرجع هذا التحول إلى عدة عوامل متشابكة، أبرزها الارتفاع القياسي في أسعار الذهب الذي تجاوز 3,500 دولار للأونصة خلال النصف الأول من 2025، إلى جانب تصاعد التوترات الجيوسياسية والقلق من الإفراط في الاعتماد على العملات الورقية، خاصة في ظل العقوبات الغربية واستخدام النظام المالي سلاحا سياسيا.
كما أشار التقرير إلى أن أكثر من ثلثي البنوك المركزية تعتزم مواصلة شراء الذهب خلال العامين المقبلين، في حين عبرت 40% منها عن اعتمادها على المعدن الأصفر وسيلةَ تحوط ضد المخاطر السياسية والاقتصادية.
ورغم أن الولايات المتحدة لا تظهر في قائمة المشترين النشطين، إلا أنها لا تزال تحتفظ بأكبر احتياطي ذهبي عالمي يبلغ أكثر من 8,133 طنا، دون أن تضيف إليه منذ عقود، إذ تركز سياستها النقدية على أدوات الدولار وسندات الخزانة.
أما روسيا، فرغم احتفاظها بثالث أكبر احتياطي ذهبي في العالم (أكثر من 2,330 طنا)، فقد سجلت بيعا طفيفا بنحو 3 أطنان خلال الربع الأول من 2025، نتيجة ضغوط السيولة التي فرضتها العقوبات، مما يجعلها حاضرة في المشهد رغم عدم كونها من المشترين الصافين خلال العام الجاري.
ويعيد هذا التحول غير المسبوق في بنية الاحتياطيات السيادية، الذهب إلى واجهة النظام المالي العالمي بعد عقود من التراجع النسبي، ويكشف عن خريطة جديدة من اللاعبين الذين باتوا يتصدرون مشهد الشراء، تتقدمهم دول من آسيا، وأوروبا الشرقية، والشرق الأوسط.
وفيما يلي أبرز 10 دول عززت احتياطياتها من الذهب خلال عام 2024 ومطلع 2025، ودوافع كل دولة من شرائها للمعدن الأصفر:
1. الصين
تصدرت الصين بلا منازع قائمة مشتري الذهب على مستوى العالم، بعدما رفعت احتياطياتها الرسمية بما يزيد عن 225 طنا خلال الفترة الممتدة من 2023 إلى بداية 2025.
تأتي هذه الخطوة ضمن خطة بعيدة المدى تهدف إلى تحجيم الاعتماد على الدولار الأميركي، وتعزيز حضور اليوان عملة احتياطية عالمية بديلة.
ومنذ ديسمبر/كانون الثاني 2022، بدأت الصين بشكل منتظم في الإعلان عن مشتريات شهرية من الذهب، في تحول نادر في سياستها النقدية الخارجية.
وبحسب مجلس الذهب العالمي، بلغ إجمالي احتياطي الذهب الصيني نحو 2,260 طنا، وهو ما يجعلها في موقع متقدم على مستوى العالم.
وتأتي هذه المشتريات في ظل توتر جيوسياسي متزايد مع الغرب، لا سيما في سياق الصراع التكنولوجي والاقتصادي مع الولايات المتحدة.
2. الهند
أضافت الهند إلى احتياطياتها أكثر من 77 طنا من الذهب خلال 2024، مدفوعة برغبة في تنويع الأصول وتثبيت الروبية الهندية في الأسواق الدولية.
وينظر إلى هذه المشتريات على أنها امتداد لثقافة اقتصادية راسخة تربط بين الذهب والاستقرار المالي، خصوصا في بلد يعد أكبر مستهلك فردي للذهب في العالم.
ويستخدم البنك الاحتياطي الهندي الذهب كأداة لتحسين مركزه التفاوضي أمام تقلبات أسواق العملات، ولزيادة ثقة المستثمرين الدوليين.
وقد بلغ إجمالي احتياطي الهند من الذهب نحو 822 طنا، ما يضعها في المراتب الأولى عالميا. وتعد هذه الزيادة الأكبر منذ العام 2009، وفق تصريحات مسؤولين نقديين في نيودلهي.
3. تركيا
رغم الضغوط الاقتصادية الداخلية التي تعاني منها تركيا، أقدم البنك المركزي التركي على رفع احتياطياته من الذهب بما يقارب 60 طنا خلال عام 2024، في توجه يعكس سياسة تحوط واضحة من مخاطر انهيار الليرة التركية.
واعتمدت أنقرة منذ سنوات على الذهب أداةَ موازنة نقدية لمواجهة التقلبات العنيفة في أسعار الصرف ونقص العملات الأجنبية. وبلغ إجمالي ما تمتلكه تركيا حتى نهاية 2024 حوالي 552 طنا، ما يجعلها واحدة من أكبر حائزي الذهب بين الاقتصادات الناشئة.
4. بولندا
برزت بولندا لاعبا قويا في سوق الذهب السيادي بعدما أضافت نحو 45 طنًا من المعدن الثمين إلى احتياطياتها خلال عام 2024.
وتأتي هذه الخطوة ضمن خطة رسمية أعلنها البنك المركزي البولندي قبل عامين تهدف إلى رفع الاحتياطي الذهبي إلى 400 طن بحلول عام 2030. وتهدف وارسو من خلال هذه الاستراتيجية إلى تقوية العملة الوطنية "الزلوتي"،
ورفع مستوى السيادة النقدية في ظل حالة التوتر الإقليمي شرق أوروبا بعد الحرب في أوكرانيا. وتُعد بولندا اليوم من أسرع الدول الأوروبية نموًا في حجم الذهب السيادي، ما يضعها في صدارة اقتصادات المنطقة من حيث نسبة الذهب إلى الناتج المحلي.
5. كازاخستان
استمرت كازاخستان في نهجها الحذر والمستقر تجاه الذهب، بعد أن قامت بشراء 6 أطنان خلال الربع الأول من 2025، مما رفع إجمالي احتياطيها إلى 291 طنًا.
ويُنظر إلى هذا السلوك باعتباره جزءًا من سياسة نقدية شاملة تهدف إلى حماية العملة الوطنية "التينغي" من التقلبات، وضمان الاستقرار في مواجهة أزمات الطاقة الإقليمية.
ويمتلك البنك الوطني الكازاخي صلاحيات شراء الذهب المنتج محليًا من المناجم الوطنية مباشرة، ما يمنحه سيطرة واسعة على سياسة التراكم. وتُعد كازاخستان من بين الدول القليلة في آسيا الوسطى التي تُدرج الذهب ضمن أدوات الاستقرار النقدي.
6. قطر
واصلت دولة قطر تعزيز احتياطياتها من الذهب بإضافة 3 أطنان خلال الربع الأول من عام 2025، وهو ما يعكس استراتيجية نقدية واضحة تستند إلى تنويع الأصول وتقوية مركز الدولة في مواجهة أي تقلبات في الأسواق العالمية.
وتستفيد قطر من فوائضها المالية الناتجة عن ارتفاع صادرات الغاز المسال، ما يمنحها مرونة في بناء احتياطيات صلبة دون الضغط على العملة المحلية.
ويُعتبر الذهب في المنظور القطري أصلًا سياديًا دفاعيًا، يُستخدم لحماية الريال القطري دون الدخول في تقلبات العملات الأجنبية، خاصة في ظل اضطرابات الأسواق العالمية.
7. مصر
رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، أضاف البنك المركزي المصري نحو 1 طن من الذهب خلال الربع الأول من عام 2025، في خطوة رمزية لكنها تعبّر عن التزام الدولة بالحفاظ على قاعدة احتياطيات متوازنة.
وتواجه مصر ضغوطًا متعددة تشمل ضعف العملة المحلية، وارتفاع مستويات الدين الخارجي، وعجز الميزان التجاري، إلا أن الذهب يبقى من أدوات الدعم المعنوي للاستقرار النقدي.
ويبلغ إجمالي الاحتياطي الرسمي من الذهب في مصر نحو 126 طنًا، معظمها في صورة سبائك مخزّنة داخل البلاد.
8. الإمارات
لم تصدر الإمارات بيانات دقيقة عن مشترياتها من الذهب خلال عام 2025، لكن آخر تقرير موثق من مجلس الذهب العالمي أشار إلى إضافة 25 طنًا من الذهب في عام 2022، مما يشير إلى سياسة هادئة لكن ثابتة في تعظيم الاحتياطي الذهبي.
وتُعتبر الإمارات من بين الدول التي تفضل الحفاظ على درجة عالية من السرية في إدارة احتياطاتها، ضمن توجه عام لتعزيز الاستقلال المالي وتعزيز الثقة بالدرهم.
ويُقدَّر أن إجمالي احتياطي الذهب الرسمي تجاوز 75 طنًا، ويُعتقد أنه في تصاعد مستمر.
9. سنغافورة
رفعت سلطة النقد في سنغافورة (MAS) احتياطياتها من الذهب بنحو 10 أطنان خلال عام 2024، في إطار نهج يتسم بالدقة والاحتراف في إدارة الأصول السيادية.
وتُعرف سنغافورة بأنها واحدة من أكثر الاقتصادات انفتاحًا وذكاءً في سياساتها المالية، حيث تستخدم الذهب ليس فقط تحوّطاً، بل ركيزة سيولة عالية الجودة في وقت الأزمات.
وقد بلغ إجمالي احتياطيها من الذهب 222 طنًا، وهو رقم متقدم مقارنة بحجم الاقتصاد الصغير نسبيًا.
10. روسيا
في تحول غير معتاد، أقدمت روسيا على بيع 3 أطنان من الذهب خلال الربع الأول من عام 2025، رغم احتفاظها بإجمالي احتياطي ضخم يتجاوز 2,330 طنًا.
ويُعد هذا التراجع جزءًا من تكتيك مالي لمواجهة أزمة السيولة المتفاقمة جراء العقوبات الغربية واسعة النطاق، والحرب الدائرة في أوكرانيا.
وكانت روسيا قد اعتمدت في السنوات الماضية على شراء مكثف للذهب بهدف تقليل الاعتماد على النظام المالي الغربي.
وتُستخدم احتياطيات الذهب في روسيا أداة لسداد بعض المعاملات الخارجية بعملات غير خاضعة للرقابة الأميركية.
إلا أن الاحتياج المحلي للنقد الأجنبي دفع موسكو إلى تقليص مؤقت لحيازتها.