رسوم ترامب تثقل الاقتصادات العربية
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيفرض رسوماً ثقيلة بداية من شهر أغسطس/ آب المقبل على مجموعة من الدول، بينها االجزائر والعراق وليبيا بنسبة 30% وتونس بنسبة 25%، ضمن موجة جديدة من السياسات الحمائية التي أعادت التوتر إلى مشهد التجارة العالمية.
وفيما تعتبر التأثيرات محدودة على غالبية هذه الدول باستثناء تونس، كون معظم صادراتها إلى الولايات المتحدة نفطية ومعفاة من الرسوم، لا تزال الانعكاسات غير المباشرة قائمة.
وتعاني معظم الدول من ضغوط اقتصادية ومالية ونقدية وشح في السيولة، لا سيما على مستوى النقد الأجنبي، ثم جاء ليصب الزيت على نار بعضها المعيشي قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل يومين إطلاق موجة جديدة من الرسوم الجمركية تستهدف ثماني دول، تراوح نسبها بين 20% و50%،
على أن تدخل حيّز التنفيذ مطلع الشهر المقبل، فيما تسعى إدارته إلى إبرام اتفاقات تجارية مع دول أُخرى لتجنب فرض رسوم إضافية عليها.
ومن بين هذه الدول ثلاث عربية هي الجزائر والعراق وليبيا بنسبة 30% أصابتها سهام ترامب التجارية الأربعاء، إضافة إلى تونس التي فرض عليها رسم 25% يوم الاثنين الفائت. لكن ماذا تعني هذه الرسوم بالنسبة لهذه البلدان وكيف تتأثر بسريانها؟
لا بد قبل الخوض في تفاصيل التأثيرات المرتقبة للقرارات الجديدة من الإشارة إلى أن جميع الرسائل (بما في ذلك الموجهة إلى الجزائر والعراق وليبيا، وهي دول مصدّرة رئيسية للنفط والغاز)، وردت عبارة أن الرسوم تسري "على جميع المنتجات"،
ما يعني أن القرار يشمل كل السلع من دون استثناء محدد في النص، إلى جانب عبارة "بشكل منفصل عن الرسوم القطاعية"، بما يعني أن هذه الرسوم تُفرض فوق أي رسوم موجودة مسبقاً قد تخص قطاعات معينة، مثل الطاقة أو المعادن أو المنتجات الزراعية.
لكن رغم عدم تضمين رسائل ترامب استثناء واضحاً صريحاً للنفط أو الغاز، فيمكن تفسير الموقف اعتماداً على إعلان صادر عن البيت الأبيض في الثاني من إبريل/نيسان، أعفى بموجبه واردات النفط والغاز والمنتجات المكررة من الرسوم الجمركية الجديدة الشاملة،
ليمثل الإعفاء مصدر ارتياح لقطاع النفط الأميركي الذي عبّر عن مخاوفه من أن الرسوم الجديدة قد تربك التدفقات وترفع التكاليف على كل شيء، بدءاً من النفط الخام الكندي الذي يغذي مصافي الغرب الأوسط، وصولاً إلى شحنات البنزين والديزل الأوروبية إلى الساحل الشرقي.
وعليه، كيف ستكون تداعيات الرسوم الجديدة على كل من الجزائر والعراق وليبيا وتونس؟
1 - الجزائر
سنة 2024، بلغت واردات الولايات المتحدة من الجزائر 2.46 مليار دولار، بينما سجلت صادراتها إلى الجزائر 1.01 مليار دولار، ما يعني أن ثمة عجزاً تجارياً أميركياً بمقدار 1.45 مليار دولار، وفقاً لتقرير أوردته "وول ستريت جورنال".
والسلع الرئيسية المصدّرة إلى أميركا منتجات الطاقة (نفط، غاز، بنزين) بنحو 2.09 مليار دولار (2024)، إضافة إلى الأسمدة والخامات المعدنية والمواد الكيماوية،
علماً أن إجمالي صادرات الجزائر سنة 2023 بلغ 58.49 مليار دولار، يمثل البنزين والنفط أكثر من 90% منها، بحسب خدمة "يو إس ترايد نمبرز" (U.S. Trade Numbers).
الرسوم الجمركية مفروضة بنسبة 30% على كل صادرات الجزائر إلى أميركا، لكن الطاقة مستثناة، وبالتالي الرسوم لن تطاول صادرات النفط والغاز،
وبالتالي، يبدو أن التأثير المحتمل على اقتصاد الجزائر سيكون محدوداً ما دام النفط والغاز يمثلان 90% من الصادرات إلى أميركا.
2 - العراق
يرجع الجزء الأكبر من الصادرات العراقية إلى النفط الخام (أكثر من 99% من الصادرات الإجمالية).
ولذلك، فإن الرسوم الجديدة (30% على الصادرات العامة) ستُطبّق عملياً فقط على بقية السلع غير النفطية (مثل الأسمدة أو المنتجات الزراعية)، وهي نسبة ضئيلة جداً مقارنة بالإيرادات النفطية.
وبحسب مكتب الممثل التجاري الأميركي (USTR)، بلغ إجمالي تجارة السلع بين الولايات المتحدة والعراق نحو 9.1 مليارات دولار عام 2024.
أما الصادرات الأميركية إلى العراق فبلغت 1.7 مليار دولار، بانخفاض 26.4% عن عام 2023، في حين أن الواردات من العراق إلى الولايات المتحدة سجلت 7.4 مليارات دولار، بانخفاض 12.2%.
وفي الثاني من إبريل الماضي، قال مستشار رئيس الوزراء العراقي للعلاقات الخارجية فرهاد علاء الدين، في تصريح صحافي، إن "صادرات العراق من الطاقة وبينها النفط الخام ليست مشمولة بالرسوم"،
معتبراً أن "الأثر الاقتصادي للرسوم الأميركية على العراق محدود جداً".
3 - ليبيا
صادرات ليبيا إلى أميركا تتركّز بالكامل تقريباً في قطاع النفط، في حين أن الرسوم الجمركية الأميركية البالغة 30% النفط معفي منها، كما في حالة الجزائر.
وبالتالي، فإن اقتصاد ليبيا لن يتأثر بشكل ملموس بسبب استمرار تدفق إيرادات النفط.
وقد بلغت الواردات الأميركية من ليبيا 1.49 مليار دولار سنة 2024، بحسب بيانات الممثل التجاري الأميركي،
بينما بلغت صادرات أميركا إليها 567.2 مليون دولار، ما يعني أن العجز التجاري الأميركي ناهز 898.3 مليون دولار.
4 - الرسوم وتجارة تونس
تبلغ الرسوم الجمركية التي ستفرض على صادراتها إلى أميركا 25%. ويتضمن هيكل الصادرات منتجات صناعية مثل النسيج الملابس والقطع الميكانيكية، وربما سلعاً غذائية وزراعية لكن بتنوّع أكبر من دول النفط.
وبما أن تونس لا تعتمد بشكلٍ رئيسي على النفط، فإن الرسم الجديد سيؤثّر عليها لناحية زيادة تكلفة المنتجات التونسية في السوق الأميركية، من خلال رفع الأسعار أو تقليل الطلب وتقلص الصادرات،
ما يعني بالتالي تأثيراً سلبياً على العمالة والصناعات الصغيرة والمتوسطة. ولهذه الأسباب، قد تواجه تونس خسارة في حصتها السوقية داخل الولايات المتحدة.
وقد بلغ إجمالي حجم تجارة تونس مع الولايات المتحدة 1.6 مليار دولار عام 2024، بحسب خدمة "فاينانس إن أفريكا" (Finance in Africa)، ليسجل العجز التجاري الأميركي مع تونس 619.6 مليون دولار،
علماً أن صادراتها إلى الولايات المتحدة بلغت 1.1 مليار دولار بزيادة 30.4% عن 2023، وهي تشمل الملابس وزيت الزيتون والفوسفات وغيرها.