صدمة الخليج "الصامتة": تأثير محدود لرسوم ترامب
تدخل الرسوم الجمركية الأميركية النهائية، التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، حيز التنفيذ غداً الخميس، لتثير جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية العالمية فيما الموقف الخليجي بدا غائباً رغم شمول الرسوم دول مجلس التعاون.
فالموقف الخليجي يتسم، بحسب تحليلات مؤسسات دولية بارزة، بالحذر والتحفّظ في التصريحات، كون دول مجلس التعاون "منعزلة نسبيّاً عن التأثيرات المباشرة" نتيجة العلاقة التجارية المحدودة في السلع مع الولايات المتحدة مقارنة بالشركاء الآخرين.
نصيب كل دولة خليجية من الرسوم الجديدة اتضح أنه موحّد تقريباً؛ إذ فرضت الولايات المتحدة تعرفة جمركية موحّدة بمعدل 10% على الواردات من دول مجلس التعاون الخليجي، وسط استثناء ملحوظ لواردات النفط والغاز من هذه الرسوم.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي والمستشار المالي، علي أحمد درويش، إلى أن الرسوم الجمركية تُعد عنصراً ضمن استراتيجية اقتصادية أوسع تتقاطع مع مسار سياسي لا يمكن فصله عن نهج الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منذ توليه مقاليد الرئاسة،
وهي السياسة التي يجري رسمها في سياق صراع اقتصادي متصاعد، تُشكّل الصين أحد أبرز أطرافه، ما ينعكس بتداعيات متعددة على الاقتصاد العالمي، بما يشمل دول الخليج.
غير أن تأثير هذه الرسوم على دول المنطقة يبقى ضمن حدود متوسطة أو محدودة، حسب تقدير درويش، الذي يعزو ذلك إلى طبيعة التبادل التجاري القائم بين دول الخليج وبين الاقتصادات الكبرى،
منوهاً بأن حجم العلاقات التجارية بين الصين ودول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في تزايد مستمر، سواء على مستوى المنتجات الصناعية، أو المواد الأولية، أو المشاريع التكنولوجية. ويعمل هذا التوجه على تنويع مصادر الدخل، وتقليص الاعتماد التقليدي على النفط، وهو ما يُساهم في تعزيز منعة الاقتصادات الخليجية أمام التقلبات الخارجية، وهو ما يراه درويش فرصة تمنح دول الخليج مساحة أوسع للمناورة في مواجهة التحديات التجارية الناتجة عن السياسات الأميركية الجديدة.
ومن جهة أخرى، يبرز درويش سبباً آخر لتريّث دول الخليج في إعلان مواقف رسمية من الرسوم الجمركية، يتمثّل في طبيعة هذه الرسوم التي تبدو في جوهرها تدابير داخلية تخدم أهدافاً سياسية واقتصادية أميركية دون نية مباشرة لاستهداف الحلفاء في المنطقة.
ويعتقد درويش أن الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة يُعد أولوية قصوى لدول الخليج، ما يدفعها إلى أن تتبنّى نهجاً تدريجيّاً وحذراً في التعامل مع أي تطور قد يُثير توترات دبلوماسية.
تفاوت تأثيرات الرسوم
وعلى الرغم من غياب مواقف رسمية صريحة من رسوم ترامب الجمركية، فإن لكل دولة خليجية خياراتها الاستراتيجية الخاصة تبعاً لوضعها الاقتصادي والاتفاقيات الموقعة مع الولايات المتحدة، بحسب درويش،
لافتاً إلى أن بعض الدول، مثل البحرين، تتمتع باتفاقيات تجارية ثنائية تعود إلى عام 2006، ما يمنحها درجة من الحماية من التأثيرات المباشرة للرسوم الجديدة.
وفي السياق، يشير الخبير الاستشاري في لندن، علي متولي، إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي ليست خاضعة حتى الآن لرسوم جمركية "مُخصصة" من قبل الإدارة الأميركية،
حيث تندرج ضمن الإطار العام للتعرفة التجارية التي حددها الأمر التنفيذي لدونالد ترامب، والبالغة 10% على معظم الواردات، وهي النسبة ذاتها المطبقة على معظم دول العالم،
لافتاً إلى أن الرسوم لا تُطبق حسب هوية الدولة، بل تُدرج ضمن جدول تجاري موحد ينظم العلاقات حسب مبدأ المعاملة المتبادلة، ما يعني أن أي دولة لم يُبرم معها اتفاق تجاري خاص تُعامل تلقائياً بالتعرفة العامة.
ومن هذا المنطلق، تبقى دول الخليج ضمن دائرة "الحياد النسبي" في سياسة الرسوم الأميركية، حسب تعبير متولي؛ لا لأنها مستثناة بقرار صريح، بل لأنها لم تُستهدف بشكل مباشر، ما لم يمنحها ترامب إعفاء رسمياً وفق قائمة الدول المستثناة.
وإزاء ذلك، يُنوه متولي بأن وكالات التصنيف الائتماني أكدت أن اقتصادات دول مجلس التعاون محمية نسبياً من الآثار السلبية المباشرة للرسوم الأميركية، نظراً لضآلة كتلة التجارة مع الولايات المتحدة،
رغم أن بعض القطاعات الصناعية المحددة، مثل صناعات الألمنيوم والصلب، تعرّضت لضرائب مرتفعة وصلت إلى 25%، ثم ارتفعت لاحقاً إلى 50%، ما أثّر بشكل ملحوظ في الصادرات من دول مثل الإمارات والبحرين، اللتين تمتلكان قطاعات صناعية معدنية متقدمة.
وفي مواجهة هذه التحديات، تُسخّر دول الخليج أدوات متعددة للحد من التبعات المحتملة، أبرزها توسيع قاعدة شركائها التجاريين، بحسب متولي،
موضحاً أن كلاً من الإمارات والسعودية تجريان مفاوضات تجارية مكثفة مع دول مثل الهند وكوريا الجنوبية وأستراليا، بهدف فتح أسواق بديلة وتنويع مسارات التصدير، ما يُقلل الاعتماد على السوق الأميركية في حال تفاقمت أعباء الرسوم الجمركية.
كما سبق أن طلبت الإمارات إبرام صفقة اقتصادية شاملة مع الولايات المتحدة، بهدف تخفيف الرسوم المفروضة على منتجات الصلب والألمنيوم.
ويخلص متولي إلى أن التهديد الأكبر لاقتصادات دول الخليج لا يأتي من الرسوم الأميركية بحد ذاتها، بل من التقلبات الأوسع في الاقتصاد العالمي، مثل تذبذب أسعار النفط وتقلبات العملات، والتي تُشكل ضغوطاً أكبر على الدول المرتبطة عملاتها بالدولار، في ظل تقلبات سعر الصرف وتراجع قوة الدولار أمام العملات الخليجية.
اختبار للعلاقات
ومن جانبه، يرى عميد كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية للتكنولوجيا في لبنان، بيار الخوري، أن الرسوم الجمركية الأميركية الأخيرة تمثل اختباراً جدياً للعلاقات التجارية بين واشنطن ودول الخليج العربية، التي بُنيت معها شراكات اقتصادية ممتدة على قاعدة من المرونة النسبية،
مشيراً إلى أن توجه فرض الرسوم الجمركية تحكمه دوافع داخلية تتقاطع مع السياق السياسي الداخلي في الولايات المتحدة، حيث تسعى إدارة ترامب إلى تهدئة القطاعات الصناعية المتضررة من المنافسة الخارجية، خاصة في مرحلة متقدمة من الدورة الانتخابية.
وفي الوقت ذاته، تهدف إدارة ترامب إلى إرسال رسالة قوية حول عزمها الدفاع عن مصالحها الاقتصادية، حتى لو تطلب ذلك اتخاذ خطوات قد تُربك الحلفاء، بحسب الخوري،
مشيراً إلى أن هذه الإجراءات تندرج ضمن نهج أوسع يشمل الصين وأوروبا، ولا تُعد استهدافاً مباشراً للخليج.
ويعزو الخوري تباين ردات الفعل الخليجية، إلى اختلاف مستوى التشابك التجاري مع الولايات المتحدة من دولة إلى أخرى، فالسعودية والإمارات تتمتعان بعلاقة أعمق في سلاسل الإمداد الصناعي الأميركي،
ولذا أبدت كل منهما اهتماماً أكبر بفرض الرسوم الجمركية، مقارنة بدول خليجية أخرى تركز تجارتها أكثر على آسيا أو أوروبا.
وإزاء ذلك، يرى الخوري أن عدم تخصيص الرسوم حسب كل دولة خليجية يعكس احتمالين: إما نية أميركية في التعامل مع مجلس التعاون كتلة اقتصادية واحدة، أو تجنّب الانخراط في تفاصيل ثنائية قد يجري تفسيرها بأنها "تمييز أو تفضيل" لدولة على أخرى.
ورغم أن ذلك يُبقي المنطقة خارج دائرة الاستهداف الصريح للرسوم الأميركية، فإن التأثيرات الاقتصادية لا تزال حاضرة، خاصة في القطاعات الحيوية، مثل صناعات المعادن والبتروكيماويات والصناعات التحويلية، التي تعتمد على تصدير مكونات إلى السوق الأميركية، بحسب الخوري،
الذي يقدّر أن الخسائر المباشرة ستصل إلى مئات الملايين من الدولارات على المدى القصير، خاصة إذا تأثرت الصادرات المرتبطة بسلاسل التوريد العالمية.
ولا يستبعد الخوري خيار إعادة ترتيب أولويات الشراكة التجارية الخليجية، لا سيما مع الصين التي تُعزز شراكاتها الاستراتيجية مع الخليج، ومع الاتحاد الأوروبي الذي يبحث عن بدائل في ظل التوترات عبر الأطلسي.
وإزاء ذلك، فإن السيناريوهات المستقبلية لتعاطي دول الخليج مع رسوم ترامب الجمركية تكمن، بحسب الخوري، في معادلة تتأثر بثلاثة متغيرات رئيسية، هي: مسار الحرب التجارية العالمية، ونتائج الانتخابات الأميركية، ودرجة فاعلية استجابة دول الخليج للتحولات الجيوسياسية والتجارية.