Logo

أزمة الصرافة في اليمن... جمود عدن واحتدام معركة المضاربين

 تشهد عدن ومناطق إدارة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أزمة نقدية طاحنة، إثر صدام البنك المركزي اليمني مع قطاع وشركات الصرافة بعد فترة من الشد والجذب رافقت تنفيذ المؤسسة النقدية الحكومية حزمة من الإصلاحات لضبط السوق المصرفية وإيقاف تدهور سعر صرف العملة المحلية.

ويمكن حصر أسباب خلل سوق الصرافة حالياً بأربعة أسباب،

 أولها الانقسام المؤسساتي والسياسي والاقتصادي متمثلاً بوجود مصرفين مركزيين مختلفين، واحد في عدن وآخر في صنعاء، مما يؤدي إلى سياسات نقدية متفرقة وتعرض الريال للمضاربة. 

والثاني انخفاض الإيرادات السيادية مع توقف أو ضعف صادرات النفط أو الغاز بسبب الهجمات، تعطيل الموانئ، أو تراكم الدمار في البنى التحتية، انخفاض كبير في التحويلات الخارجية. 

والثالث الضغوط المالية الكبيرة الناتجة من تكاليف كبيرة للإنفاق العام على الحرب والخدمات والرواتب والاستيراد، فضلاً عن نقص العملات الأجنبية ما يجعل التجار والمستوردين وغيرهم يدفعون بأسعار أعلى، أو يلجأون إلى السوق السوداء. 

والرابع وجود صرافين غير مرخصين يؤثرون في السوق عبر بيع وشراء العملة بأسعار متضخمة والمضاربة وتخزين الدولار.

وقد تم رصد  شبه توقف للحركة المصرفية في الأسواق، مع شحّ المعروض من النقد المحلي والأجنبي في ظل حذر بالغ دفع شركات ومحال الصرافة إلى التوقف عن بيع وصرافة العملة، 

الأمر الذي دفع البنك المركزي إلى البحث عن خيارات بديلة عن طريق البنوك التجارية والمصارف العامة مثل "كاك بنك" وتحديد سقف محدد لصرف العملة لا يزيد عن 3000 ريال سعودي.

يأتي ذلك بعدما قامت جميع شركات ومحال الصرافة مطلع الأسبوع بإغلاق أبوابها في عدن وتوقف التداول النقدي بشكل تام، مع رفض البنوك التعامل بعمليات بيع وشراء العملات الأجنبية،

 قبل أن تعلن عن رفع إضرابها الذي يلاحظ أنه مستمر بالرغم من بقاء أبواب بعض الشركات ومحال الصرافة مفتوحة، 

فيما تنشط بعض الخدمات الإلكترونية لصرافة التحويلات المرسلة بالريال السعودي في حال كانت مبالغ بسيطة لا تزيد عن 1000 ريال سعودي.

و أكد المستشار الاقتصادي في رئاسة الجمهورية بعدن فارس النجار، أن البنك المركزي وأجهزة الدولة في معركة مع قوى المضاربة في السوق،

 فالمعركة هذه لا تزال قائمة ولم تنته بعد، مشيراً إلى أنها لن تتوقف إلا بضرب معاقل المضاربة في كل مكان وبتعاون الجميع.
 
ودشن البنك المركزي برنامج الإصلاحات بالاشتراك مع الحكومة في النصف الثاني من شهر يوليو/ تموز الماضي 2025، وأعلن ارتفاع العرض النقدي إلى 16.90 تريليون ريال في يونيو/ حزيران، صعوداً من 16.1 تريليون ريال في مايو/ أيار 2025، وذلك بزيادة تصل إلى نحو 840 مليار ريال. 

ورد ذلك في تقرير التطورات المصرفية الصادر عن البنك المركزي في عدن، مبيناً أن العملة المتداولة خارج البنوك وصلت إلى 3.34 تريليونات ريال في شهر يونيو/ حزيران، مقابل 3.32 تريليونات ريال في مايو/ أيار، 

كما انخفضت العملة المصدرة هامشياً من 3.60 تريليونات إلى 3.59 تريليونات ريال.

ويشير الخبير الاقتصادي محمد جمال الشعيبي، أستاذ المالية العامة بجامعة عدن، إلى أن المضاربة والأطراف المنفذة لها تمثل عاملاً رئيسياً من عوامل عدم الاستقرار،

 لأنها تخلق طلباً مصطنعاً على العملات الأجنبية، يرفع أو يخفض السعر بعيداً عن حجم العرض والطلب الحقيقي. 

ويزيد نشاطها وتأثيرها في ظل أزمة السيولة التي يمر بها البنك المركزي إذ يصبح غير قادر على مجابهتها بأدوات السياسة النقدية التقليدية، كما تجعل أي حركة صغيرة أو شائعة قادرة على دفع السوق إلى حالة عدم الاستقرار تمام كما حدث في الفترة السابقة.

وأعلن البنك المركزي في عدن مطلع الأسبوع عن بقائه في حالة انعقاد دائم لمراقبة التطورات واتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات تمنع العبث وتحافظ على الاستقرار، 

وذلك بالنظر لما حدث اليومين الماضين من عمليات مضاربة واسعة بالعملة تسببت باستغلال ونهب كبير للمواطنين والمتعاملين في الأسواق بعد الإقدام على خفض سعر الصرف متبوعاً بفارق كبير بين البيع والشراء.

وتطلب ذلك تدخلاً مباشراً من البنك المركزي الذي قرر الإبقاء على السعر المعلن منه لأسعار صرف الريال اليمني مقابل الريال السعودي وكما هو معلن 425 للشراء و428 للبيع واعتماده للتعامل في كل المعاملات وفقاً للضوابط المقرة والمعلنة للبنوك وشركات الصرافة واللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات حتى إشعار آخر. 

كما قرر أن كل ما اشترته البنوك وشركات الصرافة من عملات أجنبية خلال اليومين الماضيين هو ملك للبنك المركزي واللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات وفقاً للآلية المقرة والمتفق عليها مع البنوك وشركات الصرافة منذ بدء عمل اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات.
 
ويرى مصرفيون أن ما حصل خلال الأيام الماضية وتسبب بهذه الأزمة الخانقة التي نشهد فصول تداعياتها وتبعاتها، هو نتيجة لقيام البنك المركزي بسحب السيولة وبالتالي انعدامها في السوق المصرفية.

 إذ بدأ ذلك يومي الجمعة والسبت 29 و30 أغسطس/ آب، حين انعدمت السيولة، الأمر الذي أدى إلى قيام الصرافين بعرض ريال سعودي ودولار مقابل الريال اليمني، 

حيث نتجت عن ذلك زيادة في العرض ونزول كبير في سعر صرف العملة المحلية إلى أقل من 1200 ريال للدولار، وأقل من 300 و200 للريال السعودي،

 إذ رافق ذلك قيام ناشطين وإعلاميين بالنشر وتخويف الناس الذين اتجهوا للبيع وحدث ما حدث، وذلك قبل أن يتدخل البنك المركزي بقرار لتثبيت سعر الصرف.

ويشدد الشعيبي على أن التعامل مع المضاربين في الوضع الحالي يتطلب تضافر الجهود مع البنك المركزي من خلال تعزيز الرقابة المشددة على شركات الصرافة وسحب وإيقاف تراخيص من يثبت قيامهم بالمضاربة إلى جانب إغلاق غير المرخصة منها، 

إضافة إلى استمرار نفاذ قرار فرض حدود على حجم التداول اليومي للمضاربين والأفراد، وكذا ترشيد النفقات الحكومية ووقف النفقات التي كانت تدفع بالعملة الأجنبية، 

فضلاً عن تشجيع التحويلات الرسمية عبر البنوك (على سبيل المثال، تخفيض رسوم التحويل) حتى لا تذهب عبر السوق الموازية.

وكان البنك المركزي قد أشار في بيان صادر مطلع سبتمبر/ أيلول، إلى ما يتعرض له من حملات تحريضية مشبوهة قال إنها لا تستهدفه فقط باعتباره مؤسسة سيادية، 

بل تستهدف ما تحقق من استقرار واعد في وضع العملة الوطنية ومنظومة الإصلاحات التي لا تزال في بدايتها وكذلك حملات التشويه التي تطاول القطاع المالي والمصرفي من جانب بعض المحسوبين على الأجهزة الرسمية وسط صمت تام من السلطات المعنية.

ويحذر من الآثار التي وصفها بالخطيرة لهذه الممارسات الخارجة عن القانون، ذكّر الجميع بحساسية هذا القطاع وبخطورة ما يتعرض له من حملات تشويه وانتهاكات على الاستقرار الاقتصادي وانسيابية سلاسل الإمداد وكذلك من محاولات الانتقاص من صلاحيات واستقلالية البنك المركزي الحاكم لهذا القطاع الحيوي ومن محاولات القفز على الواقع دون دراية مهنية أو ترتيبات مؤسسية.

محمد راجح