Logo

النفط والغاز في اليمن...قطاع واعد بحاجة للاستقرار

 خلال العقود الثلاثة قبل اندلاع الحرب في اليمن، كان لقطاع النفط والغاز الطبيعي تأثير كبير على هيكل الاقتصاد اليمنيّ، فقد أدى هذا القطاع دورًا بارزًا في تركيب الناتج المحلي الإجمالي، وفي تمويل الميزانية العامة للدولة، وفي حجم الصادرات اليمنية إلى الخارج، 

فخلال الفترة من 2000 إلى 2014، ساهم القطاع النفطي بنسبة 20% إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي، كما شكّلت عوائد تصدير النفط حوالي 70% إلى 75% من الإيرادات العامة للدولة، وقرابة 90% إلى 95% من الصادرات إلى الخارج.

لكن تمّ استنزاف النفط في معظم الحقول المكتشَفة من دون أن يكون لها عوائد ملموسة في التنمية، فالبيانات تشير إلى تراجعٍ حادٍّ في الإنتاج النفطيّ وعوائده خلال السنوات العشر السابقة للحرب، فقد وصل الإنتاج من النفط إلى أعلى مستوى له عام 2005، حيث بلغ قرابة 500 ألف برميل يوميًّا، ومنذ ذلك الحين تراجع الإنتاج إلى حوالي النصف تقريبًا، حيث كان قبل الحرب، في عام 2014، يراوح بين 150 إلى 200 ألف برميل يوميًّا، بحسب البيانات الرسمية، وهذا أدّى إلى تراجع العوائد المالية أيضًا. وأما ما يخص الغاز فقد حقق عوائد متواضعة منذ بداية التصدير في عام 2009، حيث اتسمت الاتفاقيات والعقود المبرمة مع الشركة الأجنبية المشغلة باختلالات مجحفة بالحقوق اليمنية، ومع اندلاع الحرب في عام 2015 توقف إنتاج الغاز وتصديره وانسحاب الشركة المشغلة من حقول العمل بسبب القوة القاهرة.

قبل اندلاع الحرب في اليمن، كان لقطاع النفط والغاز الطبيعي تأثير كبير على هيكل الاقتصاد اليمنيّ، فقد أدى هذا القطاع دورًا بارزًا في تركيب الناتج المحلي الإجمالي، وفي تمويل الميزانية العامة للدولة

وخلال فترة الحرب اليمنية، ظلّت حكومة عدن تسيطر على المحافظات المنتجة للنفط والغاز (مأرب، شبوة، حضرموت)، إلّا أنّ إنتاج النفط تراجعَ إلى النصف، ليراوح بين 60 إلى 80 ألف برميل يوميًّا، وأصبح يدرّ عائدًا بحدود 800 مليون دولار إلى مليار دولار سنويًّا، بحسب التصريحات الرسمية، ومنذ أواخر عام 2022، لم تتمكن حكومة عدن من تصدير النفط بسبب الطائرات المسيرة لحكومة صنعاء وتهديدها لموانئ التصدير وسفنه في حضرموت وشبوة. وفي المقابل، حُرمت حكومة صنعاء من عوائد النفط والخام، ولكنها استعاضت عن ذلك بتوسيع وزيادة الضرائب والجمارك والزكاة وغيرها من الجبايات.
 
ورغم تواضع الأرقام الحالية لإنتاج النفط، ما يزالُ بفضل تطور الوسائل والأدوات التكنولوجية لاستكشاف وإنتاج النفط،   قطاعُ النفط والغاز اليمني واعداً في المستقبل، خاصة استخراج النفط والغاز الصخري،

 فقد قامت شركة استشارية عالمية هي "شلمبرغر" في عام 2019، بإصدار تقرير للاحتياطيات من النفط والغاز المؤكدة في المكامن غير التقليدية "المكامن الصخرية" في قطاع "18" مأرب-الجوف، وخلص التقرير إلى نتائج باهرة أهمها:

1- أن إجمالي المخزون الأولي للنفط في المكامن قدره 31 مليار برميل، بمعامل استخراج 3.36%، وهذا يعني أن هناك إجماليَّ احتياطيٍّ نفطيٍّ مؤكد قدره 1.64 مليار برميل، وهذا يمثل أضعاف الاحتياطيات من المكامن التقليدية "غير الصخرية".
 
2- أن إجمالي المخزون الأولي من الغاز في المكامن قدره 167 تريليون قدم مكعب، وبمعامل استخلاص 19%، وهذا يعني أن هناك احتياطي غاز مؤكد قدره 33 تريليون قدم مكعب، ويشكل ثلاثة أضعاف الاحتياطيات من الغاز المتاحة حالياً.

وللعلم فإن خريطة اليمن مقسمة إلى 112 قطاعاً استكشافياً نفطياً، وبالتأكيد إذا نفذت مسوحات زلزالية في عموم القطاعات بهدف استكشاف حجم المخزون من النفط والغاز الصخري، فإن النتائج ستكون مبشرة بالخير الوفير، وسيستفيد من ذلك جموع الشعب اليمني، وسيؤهل القطاع إلى جذب الاستثمارات الأجنبية في مجال التنقيب والاستكشاف والإنتاج، وسيؤدي إلى تدفق العوائد من تصدير النفط والغاز مما يسهم في تحقيق مستويات عالية من التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
 
كما أن استحقاقات التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار لما دمرته الحرب تحتاج إلى جهود وطنية مخلصة لحشد الموارد المالية من المصادر المحلية أو الخارجية، ذلك أن تكلفة إعادة الإعمار تقدر بأكثر من 100 مليار دولار بحسب تقارير البنك الدولي، 

ولذلك يحتاج فتح المجال للاستثمار في استكشاف النفط والغاز الصخري إلى توفر البيئة الحاضنة والآمنة لجذب الشركات العالمية للعمل في هذا القطاع. إجمالاً، يتطلب مستقبل قطاع النفط والغاز من سلطتي صنعاء وعدن المراجعة الجادة لمواقفهما والسعي بخطى حثيثة للحوار بهدف تحييد الاقتصاد الوطني عن الصراع وتحقيق الأمن والاستقرار، ويمكن الاستفادة من تجربة أطراف الصراع في ليبيا في كل من طرابلس وبنغازي في تقاسم العوائد النفطية للطرفين عبر بنك مركزي واحد ومؤسسة نفط واحدة مقرهما في طرابلس، صحيح أن الوقائع الأخيرة على الأرض في حضرموت والمهرة مثيرة للقلق حول لملمة الوطن الممزق، إنما لا بد من التفاؤل والأمل في أن يصحو أطراف الصراع ويغلبوا مصالح الوطن العليا، وفي هذا السياق، لا بد من العمل على ثلاثة محاور أساسية:

تكلفة إعادة الإعمار تقدر بأكثر من 100 مليار دولار بحسب تقارير البنك الدولي، ولذلك يحتاج فتح المجال للاستثمار في استكشاف النفط والغاز الصخري إلى توفر البيئة الحاضنة والآمنة لجذب الشركات العالمية

- الأول: التوافق على إعادة تصدير النفط والغاز واستخدام عوائدها لدفع مرتبات موظفي الدولة المحرومين منها لسنوات، والبدء بالتفاوض مع شركات أجنبية لاستكشاف النفط والغاز الصخري وإنتاجهما وتعظيم الاستفادة من عوائدهما، إضافة إلى استغلال الغاز لتشغيل محطات الكهرباء في مأرب حتى يعم الخير بقية المدن المرتبطة بالشبكة.

- والثاني: توحيد الإيرادات العامة من الضرائب والجمارك وغيرها وتوريدها لحساب الحكومة طرف البنك المركزي، حتى تتمكن كل من سلطتي صنعاء وعدن من الوفاء بالتزاماتهما تجاه الموظفين خاصة في قطاعي التعليم والصحة، والإنفاق على المشاريع التنموية في عموم المحافظات.

والثالث: لضمان نجاح المحورين الأول والثاني، لا بد من توحيد البنك المركزي لتوحيد الموارد العامة ولمعالجة الاختلالات في السياسات النقدية، وهذا يستدعي بالضرورة توحيد سعر الصرف وتوحيد العملة وتحقيق الاستقرار النقدي والمالي في الاقتصاد.