موسم إغلاق المصانع في أوروبا

انخفض سعر الغاز الطبيعي وتراجع إلى مستويات ما قبل الصراع الروسي الأوكراني. وعلى شواطئ أوروبا تتجمع سفن شحن الغاز الطبيعي المسال بعد أشهر على القلق من نقص الإمدادات. والاحتباس الحراري أخّر بداية فصل الشتاء في أوروبا. هذا المشهد ليس سوى ما هو ظاهر، إذ إن انخفاض سعر الغاز تأثّر بأمر أشدّ مرارة على الاقتصاد الأوروبي: إغلاق المصانع في دول أوروبا الذي خفّض الطلب على الغاز بنسبة 25٪.

شهر تشرين الأول لم يأتِ بارداً كالمعتاد، وبالتالي لم يرتفع استهلاك الغاز كما كان متوقعاً في أوروبا، إلا أن سعر الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة لا يزال يكلّف نحو خُمس ما تدفعه الشركات في أوروبا. والصناعات الأوروبية الكثيفة والاستهلاك للطاقة، مثل الألمنيوم والأسمدة والمواد الكيميائية حتى مصانع ورق المرحاض، معرضة لخطر نقل الإنتاج بشكل دائم إلى مواقع أخرى من العالم، مثل الولايات المتحدة، حيث الطاقة أبخس. فقد سجل نشاط التصنيع في منطقة اليورو الشهر الحالي، أضعف مستوى له منذ أيار عام 2020. وتقدر «وكالة الطاقة الدولية»، أن الطلب الأوروبي على الغاز الصناعي انخفض بنسبة 25% في الربع الثالث من العام الحالي.

هذا المشهد الأوروبي، يشبه إلى حدٍ كبير ما حصل في ولايات حزام الصدأ الأميركية (تتضمن إنديانا وإلينوي وميشيغن وميسوري ونيويورك وأوهايو وبنسلفانيا ووست فرجينيا وويسكونسن). فهذه الولايات كانت تُعد مركز التصنيع الثقيل في الولايات المتحدة، مثل الصلب والمركبات. لكن مع دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية، انتقلت هذه المصانع إليها للاستفادة من كلفة اليد العاملة الرخيصة، وهو ما أدّى إلى إغلاق المصانع فيها وانتشار الصدأ على تجهيزاتها.

أمر مماثل يحصل في أوروبا اليوم. فقد ارتفعت كلفة الإنتاج في مصانع أوروبا ولم يعد مجدياً بقاؤها. يقول دانيال كرال، كبير الاقتصاديين في «أكسفورد إيكونوميكس»: «إذا ظلت أسعار الطاقة مرتفعة للغاية لدرجة أن جزءاً من الصناعة الأوروبية أصبح غير قادر على المنافسة من الناحية الهيكلية، فسوف تغلق المصانع وتنتقل إلى الولايات المتحدة حيث توجد وفرة من الطاقة
الرخيصة».

بالفعل، أصبح الأمر واقعاً. فعلى سبيل المثال، تشير البيانات التجارية إلى أن جميع مصاهر الزنك التسعة في دول الاتحاد، خفّضت أو أوقفت الإنتاج، والذي تم استبداله بواردات من الصين وكازاخستان وتركيا وروسيا. وكذلك المعادن الرئيسية المستخدمة في السيارات الكهربائية والبنية التحتية ومنتجات الطاقة مثل البطاريات معرضة أيضاً لخطر ارتفاع أسعار الطاقة. ومن المتوقع أن تبدأ أوروبا تشريعاً جديداً لبناء احتياطيات من المعادن التي لا غنى عنها في الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، مثل الليثيوم والبوكسيت والنيكل والأتربة النادرة.

يحذّر إيمانويل مانيغراسي، كبير مديري المناخ والطاقة في شركة «European Aluminium»، أنه من دون المزيد من الطاقة المتجددة وانخفاض الأكلاف، فمن غير المرجح أن تستثمر الشركات في أوروبا. ما يعني انتقال الاستثمارات هنا أيضاً إلى الولايات المتحدة.