«عَ اللي جرى» عندما رحل حلمي بكر

  «بس أمّا تيجي وأنا أحكي لك عَ اللي جرى»، الأغنية الأشهر للموسيقار المصري البارز حلمي بكر (1937 ــ 2024)، باتت تنطبق على كواليس رحيله مساء يوم الجمعة الماضي عن عمر ناهز 86 عاماً. 

كواليس لم يتوقعها حتى أشدّ مناهضيه، إذ وقع ما لم يكن في الحسبان: خلاف بين أشقائه وأسرته أخّر موعد وداع الجثمان. 

في حياته، طغت معارك حلمي الإعلامية على إنتاجه الموسيقي، فبات جزء كبير من الجمهور لا يعرف أنه صاحب عدد من الأغنيات العابرة للأجيال. بعد رحيله، تكرّر الأمر نفسه، إذ لم يجد الناس فرصة لاستعادة تلك الألحان بعدما تابعوا تفاصيل الاحتضار والوفاة وأزمة دفن الجثمان على الهواء مباشرة.

قّدم بكر أكثر من 1500 لحن وتعامل مع أجيال عدّة من المطربين المصريين والعرب، لكن اسمه ارتبط في السنوات الثلاثين الأخيرة بالأزمات الإعلامية وتعدّد الزوجات، فيما حملت الأيام الأخيرة في حياته طابعاً مأساوياً بعدما احتدم الصدام بين أسرته من جهة وزوجته الأخيرة سماح القرشي من جهة أخرى. 

الزوجة التي ارتبط بها بكر قبل ثماني سنوات وانفصل عنها بعد أزمات ثم استئناف علاقته بها أخيراً، نقلته من دون علم ابنه هشام المقيم في الولايات المتحدة وأشقائه، إلى قرية في محافظة الشرقية في ظل غياب ظروف علاج تناسب تدهور حالته الصحية حيث أصيب بأمراض عدة في الجهاز التنفسي والكلى.

 برّرت الزوجة موقفها بأنّ زوجها أصرّ على عدم دخول المستشفى، وكان يريد الرحيل على سريره كما أوصى في فيديو ظهر فيه قبل أيام، ولهذا قرّرت أن تعتبر الرحلة إلى مركز كفر صقر في الشرقية بمثابة «تغيير جو ونقاهة». 

غير أنّ أسرته اتهمتها باختطافه، وتبادل الطرفان الاتهامات حتى أعلنت «نقابة المهن الموسيقية» عن وفاته رسمياً، لتدخل المأساة فصلاً غير متوقع. 

مات حلمي في مستشفى خاص لا يحتوي على ثلّاجة، فيما زوجته وأم ابنته الطفلة ترفض خروجه أو إعطاء أسرته شهادة الوفاة لاستكمال الإجراءات، لتشهد حلقة الجمعة من برنامج «الحكاية» لعمرو أديب عبر «mbc مصر» مناشدات لنقل جثمان حلمي بكر إلى مستشفى تضمّ ثلاجة لحفظ جثّته، قبل أن تتدخل فعلاً وزارة الصحة وتُرسل سيّارة إسعاف لنقله إلى القاهرة، ثم الوصول بعد عناء إلى مرحلة صلاة الجنازة والدفن أمس الأحد عقب وصول نجله الأكبر من أميركا.

تفاصيل مؤسفة ربما لم تخالف ما عاش عليه حلمي بكر الذي فضّل الدخول في معارك إعلامية كثيرة وتكرار تجربة الزواج مراراً حتى اكتسب لقب «بكريار» على وزن «شهريار»، إلى أن أرغمته أمراض الشيخوخة على الوقوع تحت سيطرة زوجته الأخيرة، ما يُنبئ بخلاف متوقّع حول الميراث.

يعدّ بكر من أبرز الملحنين الذين ظهروا في ستينيات القرن الماضي. قدّم ألحاناً لمطربين بحجم وردة ونجاة الصغيرة وعبد الحليم حافظ، ثم تفاعل بكثافة مع مطربي جيل السبعينيات أمثال هاني شاكر ومحمد الحلو وعلي الحجار.

 وفي رصيده أغنيات أيقونية أبرزها «عَ اللي جرى» و«حبايب مصر» للمطربة التونسية عليا التي تزوّجها لمدة. كما لحّن الأوبريت الشهير «الحلم العربي».

 ومن أغانيه البارزة أيضاً «عرباوي» لمحمد رشدي، و«مهما الأيام تعمل فينا» لنجاة الصغيرة، و«روحي فيك» لعزيزة جلال. 

كما وضع الموسيقى التصويرية لعشرات المسرحيات والأفلام والمسلسلات، منها مسرحيات «سيدتي الجميلة» و«موسيقى في الحي الشرقي» و«جوليو ورومييت»، إضافة إلى أفلام «آخر الرجال محترمين» و«رجل فقد عقله»، فضلاً عن تلحين مواسم فوازير لنيللي وشيريهان. 

كما يُنسب إليه تقديم المطربة السورية أصالة للجمهور المصري، ومن أبرز أغانيهما المشتركة قصيدة «اغضب».

كان بكر قد استحال حالة إعلامية بعد ظهور برامج اكتشاف المواهب الغنائية، إذ بات يظهر في برامج عدّة ليعلّق عليها وعلى كل الأصوات الجديدة، في الوقت الذي خاض فيه معارك كلامية حامية في وجه مغنّي المهرجانات والراب، وتمتع بصراحة متناهية في إطلاق التصريحات، لكن عابه كثافة الظهور وعدم اختيار النوافذ الإعلامية التي يطل عبرها بدقّة، ليصبح أشبه بـ «كليشيه».

 حتى إنّه ظهر في بعض الأفلام بشخصيته الحقيقية مقيّماً للأصوات، وهو ما أدى إلى عدم معرفة الجيل الأحدث بإرثه الموسيقي ودخوله في خلافات مع مطربين كثر، من بينهم أصالة بسبب تعليقاته الساخرة على بعض أعمالها.

 لكن في الوقت نفسه، كان هناك شبه إجماع على أنّه لا يتعمّد إيذاء الفنانين وأنه يتصرّف بعفوية عبر الشاشات، انطلاقاً من حبّه للحضور الدائم حتى لو على حساب اسمه وتاريخه الذي وإن اهتز بشدة في أيامه الأخيرة، لكن الثابت في النهاية هو ما قدّمه من ألحان.

* لبنى سليمان