حسن يوسف ومصطفى فهمي... راح زمن الشقاوة

 قبل نحو عشرة أعوام، ضجّت الشاشات بإعلان لإحدى شبكات الخليوي في مصر، جمع عدداً ضخماً من المشاهير، على رأسهم يسرا. 

لكن هناك جملة ظلّت عالقة في الأذهان تلاحق صاحبها في كل ظهور إعلامي له: «راح فين زمن الشقاوة ده يا حسين» عبارة كتبتها الشاعرة إيرين يوسف، وردّدها الممثل مصطفى فهمي بوقار ومرح أيضاً، مخاطباً شقيقه الذي يكبره بعامين حسين فهمي. 

أول من أمس، وقع خبر وفاة مصطفى فهمي (1942-2024)، كالصاعقة على أخيه الأكبر حسين فهمي، الذي كان يحضر فعاليات الدورة السابعة من «مهرجان الجونة السينمائي».

 رحيل مصطفى فهمي عن 82 عاماً بعد تداعيات إصابته بورم في الدماغ، جاء بعد ساعات على فقدان مصر الممثل حسن يوسف (1934-2024)، ليودّع زمن الشقاوة اثنين من أشهر نجومه.

منذ بداياتهما الفنية وحتى النهاية، ظلّ الاثنان في مرحلة نجومية لم تنقطع، وإن تقلّصت الأعمال التي قدّماها. يجمع بين حسن يوسف ومصطفى فهمي أنّ كلاهما ارتبط اسمه بتعبير «الولد الجميل» أو «الشقي» في ما يتعلق بطبيعة الأدوار، وإن كان اللقب ظل لصيقاً بحسن يوسف لمدة أطول، 

بينما تحوّل مصطفى فهمي تدريجاً من ناحية الوقار والأدوار الجادة، وإن ظل في حياته الواقعية أكثر محافظةً على فكرة حبّ الحياة والشقاوة وفقاً لتصريحات متكررة له في لقاءات عدة إعلامية قبل رحيله. 

في المقابل، جنح حسن يوسف إلى حياة أكثر هدوءاً بعد اعتزال زوجته الممثلة شمس البارودي (1945) الفن نهائياً وارتداء الحجاب والتفرغ لتربية أبنائهما الثلاثة. 

هكذا، خفّف يوسف من ظهوره في المناسبات الفنية واتجه إلى الالتزام الديني الذي انعكس على أدواره، من بينها مسلسلات «إمام الدعاة» و«الإمام المراغي»، و«أنوار الحكمة»، و«قضاة عظماء».

 وبين الحين والآخر، كان يشارك في أعمال اجتماعية مثل «زهرة وأزواجها الخمسة» مع غادة عبد الرازق، و«كلمة سرّ» مع لطيفة، و«مسائل عائلية جداً»، و«مسألة كرامة». 

آخر أعماله كان «الضاهر» عام 2019 مع الممثل محمد فؤاد. لكن يبقى مسلسلا «زينب والعرش» و«ليالي الحلمية»، من أهم ما قدم حسن يوسف على شاشة التلفزيون. 

وكان يوسف قد اختفى تماماً عن الظهور وامتنع عن الإدلاء بتصريحات عقب وفاة ابنه غرقاً العام الماضي.

أما آخر ظهور فني للممثل مصطفى فهمي، فكان قبل أشهر في فيلم «السرب» (إخراج أحمد نادر جلال ـــــ تأليف عمرو عبد الحليم) وهو عمل مصري حربي جسّد فيه دور رئيس جهاز الاستخبارات المصرية، 

وكذلك «الكهف» (إخراج أمير شوقي ــــ تأليف سامح سر الختم) وهو فيلم تاريخي خيالي، وسبقتهما مشاركات متقطعة في الدراما التلفزيونية في أعمال مثل «حلاوة الدنيا»، و«الحرير المخملي»، و«بابلو ومليكة».

 أما على المستوى الشخصي، فقد ظهرت مناوشات بينه وبين طليقته الأخيرة الإعلامية اللبنانية فاتن موسى قبل ثلاث سنوات ليتم احتواؤها فيما بعد. 

وكان قد سبق أن تزوّج مرتين قبلها: الأولى من أم ابنه وابنته، وهي سيدة إيطالية الجنسية، والثانية من الممثلة رانيا فريد شوقي عام 2007 حتى 2012.

ينحدر فهمي من الطبقة الأرستقراطية وقت الملكية في مصر قبل عام 1952. جده محمد باشا فهمي كان رئيساً لمجلس الشورى، ووالده محمود باشا فهمي كان سكرتيرا ًلمجلس الشورى. 

مع ذلك، لم يضبط مصطفى فهمي متحدثاً في السياسة أو فاعلاً فيها كما قام كثيرون من الممثلين، وخصوصاً بعد ثورة يناير 2011. 

بدأ مصطفى فهمي احتراف الفن متأخراً بعض الشيء عن أقرانه. دخل إليه من بوابة التصوير بعدما عمل مساعداً للتصوير في فيلم «أميرة حبي أنا» (إخراج حسن الإمام) عام 1974، 

وهو العام نفسه الذي بدأ فيه العمل ممثلاً بعدما شارك في فيلم «أين عقلي» (إخراج عاطف سالم) مع سعاد حسني.

 وشهدت حقبتا السبعينيات والثمانينيات تألقاً خاصاً له في السينما عبر أفلام مثل «قمر الزمان»، و«نبتدي منين الحكاية»، و«ابتسامة واحدة تكفي»، و«رحلة الشقاء والحب».

 وفي الوقت نفسه، كانت قد بدأت الدراما التلفزيونية تأخذ حقها من الاهتمام، ليقدم عدداً كبيراً من الأعمال البارزة من بينها: «الحب وأشياء أخرى» (1986 ـــ إخراج انعام محمد علي ــــ تأليف أسامة أنور عكاشة) مع آثار الحكيم وممدوح عبد العليم، في حين كان مسلسل «حياة الجوهري» (1996 ــــ إخراج وائل عبد الله ــ تأليف ياسر عبد الرحمن) مع يسرا نقطة فارقة في مساره التلفزيوني، 

بالإضافة إلى مسلسلات مثل «الحفار»، و«دموع في عيون وقحة»، و«قصة الأمس»، و«بريق في السحاب»، و«بنت سيادة الوزير»، و«القلب يخطئ أحياناً»، حتى وصل رصيده الفني إلى أكثر من 150 عملاً.

في المقابل، تبدو السينما أكثر حضوراً في مسيرة حسن يوسف، الذي سبق مصطفى فهمي إلى الشاشة بما يقرب من 15 عاماً. 

انطلق في نهاية الخمسينيات عبر مسرحيات ومسلسلات إذاعية عدة، ثم فتحت له السينما أبوابها بأفلام مثل «أنا حرة»، و«نساء وذئاب»، و«في بيتنا رجل»، و«الخرساء»، و«التلميذة»، و«شفيقة القبطية»، و«الخطايا». 

حقّق نجومية كبيرة بخفة دمه وقربه للجمهور، واشتهر بدور صديق البطل، كما كان له نصيب من الأدوار الجادة البعيدة عن الكوميديا وبينها شخصياته في أفلام «خان الخليلي»، و«زقاق المدق» و«الباب المفتوح».

 وقد وصل رصيد حسن يوسف من الأعمال الفنية إلى مئتي عمل، ووقف أمام كبار نجمات السينما في عصرها كنادية لطفي ولبنى عبد العزيز وهند رستم، وزبيدة ثروت وفاتن حمامة وسميرة أحمد وشادية، وميرفت أمين، بينما شكلت ثنائيته مع «السندريلا» سعاد حسني مرحلة مهمة وأساسية في مسيرته،

 إذ تنوعت أعمالهما التي حققت شعبية ولا تزال حاضرة في ذاكرة المشاهد العربي، وغلب عليها الطابع الكوميدي الاجتماعي من بينها «الزواج على الطريقة الحديثة» و «فتاة الاستعراض »، و «الثلاثة يحبونها » و«مفيش تفاهم »، و «للرجال فقط»، و «حكاية جواز »، و «العزاب الثلاثة » و«المغامرون الثلاثة» و «نار الحب » و «اللقاء الثاني » و «حكاية 3 بنات ».

وعلى عكس مصطفى فهمي، كان لدى حسن يوسف آراء سياسية، إذ عارض تظاهرات ميدان التحرير وقت ثورة 25 يناير واتهم المتظاهرين وقتها بأنهم «عملاء وخونة ».

 وفي عام 2014 ظهرت صور له مع الرئيس السابق حسني مبارك (1928-2020) وكان يزوره أثناء مرضه في المستشفى واحتفال مبارك بعيد ميلاده الثمانين. 

وقتها، خرج يوسف ليؤكد أنّ تنحّي مبارك عام 2011 جاء حقناً لدماء المصريين. لكن باستثناء هذه الآراء السياسية، لم يكن حسن يوسف فاعلاً سياسياً أكثر من ذلك.

علاء عمر